الحمد لله ! رئيس عربي منتخب ، وعالِم ، وفصيحٌ مبينٌ عربياَ
بفوز قيس سعيد بانتخابات الرئاسة التونسية تكون ثورة تونس ، ثورة الياسمين المطهرة من العنف والدم والخراب ، قد وصلت مرحليا إلى بر الأمان . كانت أول ثورة بدءا ، واستقرت أول ثورة نجاحا بانتخاب رئيس للبلاد بإرادة شعبية في انتخابات حرة نزيهة ، وشخصية الرئيس أصدق تجسيد لهذه الإرادة ، فهو مستقل لم يعتمد في فوزه على حزب أو جهة سياسية أو دينية أو طبقة اجتماعية ، ورفض حتى تمويل الدولة لحملته الانتخابية ، وهو نزيه متعفف لا يستثمر أي نقطة ضعف في منافسه ، وأكد هاتين الصفتين في شخصيته حين رفض متابعة حملته الانتخابية بعد سجن منافسه القروي رئيس حزب " قلب تونس " تخوفا من إخلاله بمبدأ تكافؤ الفرص معه ، والمعتاد المتكرر حتى في الديمقراطيات العريقة أن يستثمر المتنافسون بحماسة وقوة نقاط ضعف منافسيهم ، بل ربما يشوهون سمعتهم دون برهان قاطع . والرئيس قيس سعيد أستاذ قانون وعلوم سياسية واجتماعية ، وهو ثاني أستاذ جامعي في العالم العربي يصبح رئيسا منتخبا ، والأول محمد مرسي الذي انتهت رئاسته بمأساة شخصية ووطنية حرمت مصر أن تكون رائدة الديمقراطية في العالم العربي . وقيس ، فوق أكاديميته الرفيعة ، مفصحٌ مبينٌ عربياً ، يتكلم العربية دون لحن ، أي دون خطأ في الإعراب ، وهو في هذه المزية العظيمة يفترق افتراق الأرض و السماء عن الرؤساء والملوك والأمراء العرب الذين لا تستطيع كثرتهم المتعاقبة قراءة خطبهم المكتوبة قراءة قريبة من الصحيحة بعد تدريبهم على هذه القراءة مرات ، وقدرتهم على الحديث الشفوي عربيا تشهد بالدليل الحاسم أنهم محرومون من أدنى درجات الحس اللغوي ، وأحدهم لا يحسن الكلام حتى بلهجة بلده . ولا نظن الرئيس قيس سيكلف أحدا بكتابة خطبه الرسمية ، سيكتبها بنفسه ، وسنلقى فيها من مُحْكَم العبارات ما يؤْثر ويحفظ وتعيده الألسنة والأقلام ، وهو في هذه المزية اللغوية يعيد إلى بالنا رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرتشل الذي حاز جائزة نوبل في الأدب على كتابه " تاريخ الحرب العالمية الثانية " ذي المجلدات الستة ، وكان شفيع فوزه بالجائزة روعة العرض اللغوي وقوته . وعلينا أن نقدر علم الرئيس قيس حين نقرأ تبريره لرفضه المساواة بين المرأة والرجل في الميراث ، وتبريره أن هذه المسألة " محسومة في القرآن ، وهو واضح وصريح ولا يحتاج للتأويل " ، وأساس دعوتنا لتقدير علمه أن آيات الميراث من آيات الأحكام ، وآيات الأحكام واضحة قاطعة لكونها أم الكتاب ، وينبني عليها التشريع الإسلامي بخلاف الآيات المتشابهات التي يكثر فيها التأويل والاجتهاد والاختلاف حسب الناظرين فيها وحسب تعاقب الأزمنة . ورد انتخاب قيس لرئاسة تونس شعورا غابرا فقده المواطنون العرب ، وقوامه أن في العالم العربي رئيسا يجسد تطلعاتهم القومية مثلما كانوا يشعرون نحو عبد الناصر . غاب هذا الرئيس المجسد للتطلعات القومية العربية عقودا بعد عبد الناصر ، وها إن الرئيس قيس يجسد هذه التطلعات من بداية ظهوره طامحا للرئاسة من أجل شعبه وأمته لا من أجل ذاته ، وما قاله عن عدالة القضية الفلسطينية وتأييده لها ، واعتباره التطبيع مع الكيان الصهيوني خيانة ؛ تجسيد لشخصية الرئيس القومي العربي العابر لحدود التجزئة الجغرافية والسياسية .والمواطنون العرب إذا أحبوا رئيسا سموا مواليدهم باسمه ، وبادر مواطن يمني بتسمية مولوده الجديد باسم قيس ، وسيتوالى مواليد جدد بهذا الاسم العربي الأصيل . وسيجلب تأييد الرئيس قيس للقضية الفلسطينية ، ومحاربته للتطبيع مع إسرائيل ، أعداء كثيرين له في الخارج والداخل . ستتحرك ضده إسرائيل وأميركا وكل القوى الغربية المعادية للعرب والمسلمين ، وسيعززها في تحركها قوى عربية كثيرة يرعبها أن تنجح ثورة شعبية في تونس أو أي بلد عربي آخر ، وأن تأتي برئيس يعادي تطبيعها مع إسرائيل . وأثني المواطن اليهودي اليمني عاموس قباص آل سالم على تفرقة الرئيس قيس بين الصهيونية وبين اليهود ، قال : " الرئيس الجديد قيس سعيد أكثر ما أعجبني في كلامه أنه يعرف الفرق بين اليهود والصهاينة " ، وأضاف منبها إلى وجوب الحيطة من رد فعل الصهاينة : " استعجل بهكذا تصريح ، الله يستر لا يعمل اللوبي الصهيوني عليه انقلابا " . تونس الخضراء ، تونس البهية ، منحت العرب شاعرا عظيما هو أبو القاسم الشابي الذي لو لم يقل سوى البيتين : " إذا الشعب يوما أراد الحياة * فلابد أن يستجيب القدر "
" ولابد لليل أن ينجلي * ولابد للقيد أن ينكسر "
لكفاه قولهما خلودا ، وهما بما فيهما من ثقة كبرى في فاعلية الإرادة الشعبية في تحقيق الغايات الجماعية ؛ كانا حاضرين حضورا لا واعيا في أول شعار رفعه الشعب التونسي في ثورته " الشعب يريد إسقاط الرئيس " الذي اتخذته الشعوب العربية الأخرى لازمة تُتبعها بمطالبها من إسقاط رئيس ، أو إزاحة مسئول فاسد ، أو تحسين حال ما . وتونس اليوم تمنحنا بالصوت الشعبي الحر النزيه رئيسا عالما في القانون والسياسة والاجتماع ، موفور النصيب من النزاهة والنبالة ، وفصيحا مبينا عربيا إذا تكلم وإذا كتب . الحمد لله !
وسوم: العدد 846