شعوب عربية ثائرة تطالب بالعيش الكريم وزعامات حزبية تريد ركوب ثوراتها وقد ولى زمن وصايتها عليها

المتأمل في ما يحدث في الجزائر ولبنان والعراق يدرك أن شعوب هذه البلدان قد هبت ثائرة على  فساد أنظمتها مطالبة برحيلها وبالعيش الكريم ، الشيء الذي يعني أن جذوة الربيع العربي لم تخب بعد كما تظن  بعض الجهات التي بذلت كل ما في وسعها لإخمادها .

إلى عهد قريب كانت تروج فكرة مفادها أن الشعب اللبناني هو استثناء بالنسبة لباقي الشعوب العربية لأنه لم يخرج  إلى الشوارع للتظاهر من أجل المطالب بالعيش الكريم وبالشغل إلا أن هبته الأخيرة كشفت النقاب عن حقيقة ما يعانيه هذا الشعب كباقي الشعوب العربية من أوضاع  مزرية وفي غاية السوء بسبب فساد نظامه الذي بدا عاجزا عن حل مشاكله المتراكمة والمتناسلة ، وبدت في الأفق مؤشرات عودته  من جديد إلى ما عاناه من ويلات حرب أهلية استمرت لعقدين وأتت على الأخضر واليابس بسبب صراعات طائفية.

وما كادت انتفاضة الشعب اللبناني تنطلق حتى سارعت الزعامات  الحزبية والطائفية إلى محاولة ركوبها مقرة بأوجاعه التي كانت  في الحقيقة هي السبب فيها . وحاولت كعادتها خوض حرب السجال فيما بينها، كل واحدة تحاول تلميع صورتها التي ليس فيها ما يمكن تلميعه . وبأسلوب  لا يخلو من تهديد حاول زعيم الحزب الشيعي أن يصد الشعب اللبناني عن انتفاضته ، ولم يمض وقت طويل عن تهديده حتى انصرف أتباعه عن الحراك ، ونزلوا إلى الشارع  للقيام بدور الدركي، وهاجموا المتظاهرين وأحرقوا خيامهم المنصوبة في وسط العاصمة بيروت .

ولقد صرح نصر الله أن الانتفاضة اللبنانية  التي بدت شعبية للوهلة الأولى  تقف وراءها قوى خارجية دولية وإقليمية  بما فيها الكيان الصهيوني في إدانة واضحة لشركائه من الأحزاب الأخرى مع أنه مشمول بهذه الإدانة أيضا لأن إيران التي تدعمه  لا يمكن أن يستثنى دورها  مما يحدث في لبنان ، وفي اليمن ، وفي العراق أيضا .

ومعلوم أن القوى الإقليمية الخليجية والإيرانية تدير حروبا ساخنة بينها خارج بلدنها في أقطار عربية تدفع شعوبها ثمنها الباهظ .

   أما العراق فلم ينعم شعبه بالأمن ولقمة العيش الكريم منذ لعنة الغزو الغربي بزعامة الولايات المتحدة ، ذلك الغزو الذي حصل  بسبب كذبة وتحت ذريعة القضاء على خطر أسلحة الدمار الشامل الواهية . ولقد وطد هذا الغزو للتوسع الإيراني الشيعي في العراق بعدما كان قلعة مستعصية عليه ، وهو غزو وطد للمزيد من  هذا التوسع في سوريا ليكتمل الهلال الشيعي من العراق إلى لبنان .

وما كاد الشعب العراقي ينتفض بسبب سوء أحوال المعاش حتى حذا زعيم التيار الصدري الشيعي حذو الزعيم الشيعي اللبناني  راكبا حراكه ومتحدثا بنبرة واضحة التهديد  أيضا مستعرضا عضلاته ، ومن المؤكد أن ينفذ تهديده أيضا ليثبت قدرته على التحكم فيما يجري في الشارع العراقي .

أما الجزائر التي كانت أول بلد عربي صنع شعبه ثورة ربيعه في التسعينيات من القرن الماضي، وهو ربيع  أجهض من طرف جنرالات الجيش بإيعاز من قوى غربية خصوصا فرنسا ، فقد عاد شعبها من جديد لإيقاد جذوة ثورة ربيع جديد  بعد المحنة التي عانى منها خلال عشرية دموية قدم فيها آلاف الضحايا . وبمجرد نزول الشعب الجزائري إلى الشوارع حاول الماسكون بزمام الجيش ركوب ثورته واستغلالها للاستمرار  في حكم البلاد واستنزاف خيراتها على حساب يؤس الشعب محاولين دفع تهمة الفساد عن أنفسهم وإلصاقها بمن كانوا يحيطون بالرئيس المستقيل  تحت ضغط الشارع الغاضب .  وتحاول زعامات حزبية أيضا ركوب حراك الشعب الذي يرفض أية وصاية حزبية على حراكه .

والملاحظ في البلدان الثلاثة لبنان والعرق وسوريا أن شعوبها باتت ترفض الوصاية الحزبية عليها لأن هذه الوصاية لها دور فيما تعانيه من أوضاع مزرية وأنها جزء من الفساد الذي ثارت ضده .

وليست شعوب هذه البلدان وحدها التي فقدت الثقة في الوصاية الحزبية بل توجد مؤشرات على أن شعوب العالم العربي كلها لها نفس الموقف ، ومن تلك المؤشرات نتائج التجربة الانتخابية في تونس ، والتي لن تختلف عنها نتائج تجارب انتخابية أخرى في كل الأقطار العربية ، الشيء الذي يعني أن زمن الوصاية الحزبية على الشعوب العربية قد ولى ، وأن هذه الشعوب لم تعد تقبل أن تتحدث الأحزاب باسمها . 

وسوم: العدد 849