مفهوم الحاكمية وأدعياء الألوهية ..
يلتبس مفهوم الحاكمية على كثير من الناس في هذا العصر . وكثير من الناس عن غرور أو عن جهل ينازعون الله في ألوهيته من حيث لا يشعرون .
مفهوم الحاكمية أعمق وأرحب من أن نتساءل : ما هي عقوبة القاتل ؟ ما هي عقوبة القاذف؟ ما هي عقوبة السارق ؟ ما هي عقوبة الزاني ؟ ما هي عقوبة المرتشي ؟
وحتى لا يفهمني أحد خطأ ، الأجوبة على هذه الأسئلة هي في طبيعة الحال مما يشمله مفهوم الحاكمية الربانية في قانون العقوبات المقدرة والمفوضة على السواء . ولكن المعنى الأهم والأخطر والأعمق في مفهوم الحاكمية كما جاء به الإسلام هو أن نعيد طرح تلك الأسئلة في أصولها القيمية فنتساءل :
هل قتل النفس الإنسانية ، من غير قصاص ولا فساد ، جميل أو قبيح ..؟
هل قذف المحصنات الغافلات ، جميل أو قبيح ؟
هل الزنا في حقيقته ومقدماته ومداخاه جميل أو قبيح ؟
هل السرقة عمل جميل أو قبيح ؟
هل قبول الرشوة أو إعطاؤها لأكل حقوق الناس بالباطل فعل جميل أو قبيح ..؟
هل العُري والتهتك والتبرج فعل جميل أو قبيح ؟
في الأجوبة على مثل هذه الأسئلة ، وما سردنا إلا القليل من كثير ، تكمن قضية الحاكمية التي هي حق الله في خلفياتها الشرعية الأولية .
وعقيدتنا نحن أهل السنة والجماعة أن الحسن هو ما حسنه الله ، وأن القبيح هو ما قبحه الله . وخالفنا المعتزلة في ذلك وقالوا إن للعقل في التحسين والتقبيح نصيب . ولو عاشوا إلى مثل هذا العصر وسمعوا ما يقوله أدعياء الألوهية في هذا الزمان لقرعوا السن وعضوا الأصابع ، فما ظن أولئك أن يصير العقل الإنساني إلى ما انحدر إليه في هذا العصر من الإسفاف . حتى حسّن قوم القبيح وقبحوا الحسن يفترون على الله الكذب.
الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يسمي الحقائق هذا جميل وهذا قبيح . وهذا خير وهذا شر . وهذا طيب وهذا خبيث . وهذا حلال وهذا حرام . وكل من اعتدى فقد افترى وادعى .
وحين يتجرأ بعض الناس فيقبح ما حسنه الله ، أو يحسن ما قبحه الله ؛ يكون قد نازع الله في ألوهيته ، ويكون اتخذ إلهه هواه في نفسه ، وادعى الألوهية على غيره إن كان ممن يشرع أو يطاع ... أرأيتم إلى هذا الذي إذا نام شخر ونخر يريدنا أن نرغب عن قول ربنا إلى قوله : ألا قُتل الإنسان ما أكفره .
قد يستغرب البعض أن مسلما قد ينازع في مثل الحقائق البينات ولكن هذه القيم بدأت تنقض عروة عروة على الصعد النظرية والعملية والناس يمغمغون ويطأطئون ..
بالأمس استنكر علينا بعضٌ الدعوة إلى الستر وكتبوا وهم لا يبالون : أن الستر قبيح وأن العري جميل .
ومنذ أمد ما زلنا نسمع ممن يرى في الزنا " حرية شخصية " وفي العفة تزمتا وانغلاقا. والرشوة أصبحت شطارة ، والربا فائدة .
لم نعد نتجادل في عقوبة المرابي وفي عقوبة الزاني بل أصبحوا يقولون : لا بد من الربا لتدور عجلة الاقتصاد . والإكثار من التمثيل بما نسمع وتسمعون ممن يظنون أبناء وبنات الإسلام توجع الضمير والفؤاد .
" قيل لسيدنا عبد الله بن مسعود ويل لمن لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . فأجاب : بل ويل لمن لم يعرف قلبه المعروف من المنكر ."
قلوب لا يعرف أصحابها المعروف من المنكر هي التي يجب أن نخاف ..
وسوم: العدد 856