من الغباء والسذاجة الانخداع بما تنقله وسائل الإعلام الغربية
من الغباء والسذاجة الانخداع بما تنقله وسائل الإعلام الغربية من تظاهر ساسة الغرب العلماني بالإنسانية والتواضع الكاذبين
يتداول الناس عندنا في المجتمعات العربية ومغربنا واحد منها عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات أو صورا لساسة غربيين ملوكا ورؤساء بعضهم يركبون القطارات أو الحافلات مع مواطنيهم ، وبعضهم يركبون الدرجات الهوائية للوصول إلى أماكن صنع القرار ، وبعضهم يصاحبون أبناءهم إلى المدارس راجلين ... إلى غير ذلك من صور التظاهر بالتواضع وبساطة العيش والإنسانية... وغالبا ما تصاحب هذه الصور تعليقات تعبر عن الإعجاب بهؤلاء الساسة مقابل التعريض بالساسة العرب على وجه التحديد ملوكا ورؤساء عن طريق المقارنة بين أحوال هؤلاء وأولئك .
وقد ينشر البعض مقالات يشيد فيها بإنسانية ساسة الغرب واستقامتهم الزائفة مقارنة بساسة العرب كما فعل العلماني المدعو سعيد لكحل المفتون بالعلمانية في مقال نشره على الموقع الذي دأب على نشر مقالاته المنتصرة للتوجه العلماني على حساب التوجه الإسلامي في حملة انتخابية قبل حلول أوانها طمعا في تعبئة الرأي العام ، وهو مقال تحت عنوان : " لهطة بنكيران وتعفف ماكرون " وكلمة "لهطة " عامية مغربية تعني الجشع، وليس لها أي معنى من معاني الفصحى ، ذلك أن اللاهط في الفصحى هو الذي ينظف باب بيته ، أو الذي يرمي غيره بسهم أو يصرعه أو يضربه بيد أو سوط ، واللهطة من الخبر ما لا يصدق ولا يكذب ، وليس شيء من هذا يعني الجشع الذي هو شدة الطمع .
وإذا كانت اللهطة من الخبر ما لا يصدق ولا يكذب ، فإن ما جاء في مقال لكحل عن الرئيس الفرنسي وهو يشيد به كعلماني متعفف ، ويعرض في المقابل برئيس الحكومة المغربي السابق وبعموم المسلمين الذين ينتقدون العلمانية الغربية محض كذب أو ذر للرماد في العيون للحيلولة دون إبصار جيد يرى العلمانية الغربية على صورتها الحقيقية بعيدا عن أي شكل من التلميع أو الإشهار الرخيص.
ومما جاء في مقارنة لكحل ماكرون ببنكيران أن الأول يعتزم التنازل عن الحصول على تقاعده بعد نهاية ولاية رئاسته بينما احتفظ بنكيران بتقاعدين واحد عن رئاسة الحكومة والأخر عن منصبه البرلماني .
وكما سبق لي أن أشرت إلى ذلك في مقال سابق لست من شيعة بنكيران ولا من عدوه ، ولا أنا أدافع عنه ، ولا أحسبه ممثلا للإسلام أو ناطقا باسمه لأنه هو أو غيره إن أحسن فبالتزام نهج الإسلام وإن أساء فبتنكبه ولفقد كنت ممن انتقدوه فيما بعض ما قال وما فعل أثناء رئاسته الحكومة ، وذلك حين رفع شعار محاربة العفاريت التي لا ترى ، والتماسيح الضارية التي لا تصاد إلا بشق الأنفس ، ثم عدل عن ذلك بالقول : عفى الله عما سلف ، وليته لم يعد ولم يخلف . ولا ندري لحد الساعة هل الرجل يتصرف بحرية فيما يقول ويفعل أم أن وراء ذلك ما وراءه مما لا يعرفه الرأي العام المغربي .
وما يعنيني في هذا الموضوع هو قضية تلميع صور الساسة الغربيين العلمانيين ، وهو ما أعتبره غباء وبلادة وسذاجة لا تليق بمن يدعون الوعي والثقافة والعلم ، ذلك أن الخبراء بخبايا هؤلاء الساسة قد شهدوا بما فيهم من جشع لا نظير له ، وشهادة الأهل والأصحاب مقدمة على شهادة الأعداء .
ومن هؤلاء الشهود على سبيل الذكر لا الحصر شهادة الصحفي الأسترالي " أنتوني لوينشتاين " صاحب كتاب : " رأسمالية الكوارث كيف تجني الحكومات والشركات العالمية أرباحا طائلة من ويلات الحروب ومصائب البشرية ؟ " وقد ترجمه إلى العربية الصحفي المصري أحمد عبد الحميد أحمد ، ونشرته مجلة عالم المعرفة الكويتية عدد 478 نوفمبر 2019 . ففي هذا الكتاب يفضح صاحبه الوجه البشع للرأسمالية الغربية العلمانية المتوحشة التي ترتزق بمصائب الشعوب الضعيفة من خلال خلق التوترات والحروب ، واستغلال الكوارث لتطلق يد الشركات الغربية الخاصة في استغلال واستنزاف خيرات الشعوب تحت الأرض وفوقها ... إلى غير ذلك من الأساليب الماكرة والخبيثة والمنحطة للابتزاز والاغتناء الغنى الفاحش على حساب ملايين المحرومين والبؤساء والمستضعفين ، وهي سائرة في اتجاه خوصصة العالم بدافع الجشع المادي .
وإن الرئيس الفرنسي الذي أعجب العلماني لكحل بعفته لأنه قرر التنازل عن تقاعده بعد فترة رئاسته هو أحد صناع الرأسمالية المتوحشة ، وليته عوض هذه العفة الكاذبة سحب القوات الفرنسية من القارة الإفريقية التي تحرس الخواص من أرباب شركات الجشع لنهب خيرات القارة من الذهب الأحمر والأسود والماس ومختلف المعادن وأبناؤها يموتون جوعا ، ويقتل بعضهم بعضا بأسلحة ماكرون العفيف عفتة الثعلب الماكر . فما الذي تفعله قواته في القارة الإفريقية ؟ وبأي وجه حق هي هناك ؟ لماذا يدعم الأنظمة الدموية فيها ؟ لماذا تحارب قواته إلى جانب مجرم الحرب حفتر ، وهو الوجه الثاني لعملة وجهها الأول العقيد الهالك معمر القذافي ؟ فهل قتل قذافي ليحل محله ذنب من أذنابه الذين يضمنون نهب ماكرون لخيرات ليبيا على حساب أرواح ودماء الشعب العربي الليبي الحر الأبي الذي قرر أن يجدد العهد مع زعيم الجهاد شهيد العروبة والإسلام الشيخ عمر المختار رحمه الله تعالى .؟
ولئن وعد ماكرون بالتنازل عن تقاعده بعد نهاية فترة رئاسته ، فإنه سينزع القناع الذي يتقنع به ليتحول كغيره من صناع الرأسمالية المتوحشة إلى مستثمر تدر عليه استثماراته التي أرسى قواعدها بسلطته خلال رئاسته أرباحا طائلة لا مجال للمقارنة بينها وبين ما ينوي التخلي عنه ،وهو مبلغ زهيد خلاف ما صوره العلماني لكحل .
ولماذا سكت العلماني الحاقد على الإسلام في بلد الإسلام عن دعم ماكرون للعدو الصهيوني دعما لا حدود له، هو وجميع ساسة الغرب الذين يتظاهرون بالإنسانية الكاذبة والتواضع الخادع ، وكلهم يقفون خشعا أمام رمز المحرقة، ولكنهم حين يوقد الكيان الصهيوني المحارق في قطاع غزة ،وهو أكبر معتقل في المعمور لا يخشعون ولا يحركون ساكنا ؟ بل يزودون المحتل المتوحش بأحدث أنواع الأسلحة ، وكل ما يصدر عنهم هو عبارة : "مطالبة الجلاد والضحية بضبط النفس "
وفي الأخير نقول لم تعد فيديوهات وصور الإنسانية المزيفة والتواضع المغشوش لساسة الغرب العلماني تخدع سوى المغفلين والسذج من ذوي النظر القاصر ، ولو أنهم فتحوا أعينهم جيدا لعاينوا بأمهاتها صناع الرأسمالية المتوحشة من أمثال ماكرون وغيره على حقيقتهم وبوجوههم القبيحة والشنيعة التي تفضحها أعمالهم ومواقفهم الصارخة بمكرهم وخبثهم وجشعهم المادي وهم يصنعون رفاهيتهم على حساب مستضعفين يسطون على خيرات بلدانهم ، ويشعلون فيها حرائق الحروب المدمرة التي تهلك الحرث والنسل ، ويعيثون فيها فسادا .
وسوم: العدد 857