الكورونا .. الرّعب العابر للقارات
إلى زمن قريب كان العالم يتابع مشاهد الرعب من خلال أفلام الرعب الهوليودية التي ينتجها الغرب أو من خلال الحروب القذرة التي يفتعلها الغرب أيضا من حين لآخر ضدّ الشعب الفلسطيني أو ضدّ الشعب الأفغاني أو ضدّ الشعب العراقي أو السوري ... كما كنا نتابع مشاهد الرعب من خلال صور التعذيب الذي يمارس في معسكرات التعذيب التي أعدّت إمّا لتعذيب المعارضين للحكومات المستبدّة أو لتعذيب الأقليات كمسلمي البوسنة أو البورمة أو الأيغور وغيرهم. ولكن بمجرّد انتهاء عروض الأفلام أو عند تمادي الحروب إلى فترات طويلة ودخولها في مرحلة من الروتين فإنّنا نتعوّد على هذه المشاهد، ويتراجع إحساسنا بالرعب ونعود شيئا فشيئا إلى ممارسة حياتنا اليومية بالتدرّج. كما نعود إلى إقامة أفراحنا وحفلاتنا ومهرجاناتنا كما لو أن شيئا لم يكن . فيما تتمادى الدول الكبرى في حروبها هذه وتتسلّى بقتلها وتعذيبها وتشريدها ورعبها لآلاف ولملايين البشر. ليس هذا فقط، لا بل و تتسلّى بإرسال مبعوثيها للسلام في مهمّات لمحاولة إيجاد فرص للسلام بينما الحروب قائمة والأسلحة الفتّاكة تباع وتفتك بالشعوب في ذات الوقت. وتتسلّى في الأثناء شعوب العالم بمتابعة مباريات كرة القدم فيما الشعوب تقتّل وتعذّب وتشرّد بما أدّى إلى نفاذ صبر المستضعفين والمعذّبين في الأرض. حتّى أنشد الشاعر الراحل أحمد مطر : فألقينا بباب الصبر آلافا من القتلى وآلافا من الجرحى وآلافا من الأسرى. وهدّ الحمل رحم الصبر حتّى لم يطق صبرا فأنجب صبرنا صبرا.
أمّا اليوم فقد حلّ بيننا مرض الكورونا كضيف مرعب. ربّما لإعادة توزيع الأدوار أو لإعادة توزيع خارطة الرعب بالتساوي على كلّ سكّان الكرة الأرضية. يتساوي في ذلك الأغنياء والفقراء والمستضعفين والمستكبرين كما الدول المتقدمة والدول المتخلفة. و يتساوي في ذلك من يملك الأسلحة النووية وكل أسلحة الدمار الشامل ومن لا يملك من ذلك شيئا. كما يستوي في ذلك الكبار والصغار والنساء والرجال. تماما كما عبّر عن ذلك الفيلسوف الألماني كانط عندما قال ، وهو حقيق في ذلك،"إنّ العقل هو أكثر الأشياء عدلا بين الناس"
قد يكون مرض الكورونا هذا انتقام الله من الدول الكبرى ومن المتكبّرين والمستكبرين في دول العالم قاطبة لتكبّرهم وغطرستهم وقتلهم ملايين البشر دون أدنى شعور بالمسؤولية، لا بل و بدم بارد شبيه بمن يمارس لعب إلكترونية في المجال الحربي. وقد يكون هذا المرض الفتاك انتقام الله من البشرية لتقصيرهم تجاه المستضعفين والمعذّبين والمشرّدين في العالم ولمسؤوليتهم في ما يحدث للشعوب المستعمرة لعشرات السنين وأوّلها الشعب الفلسطيني.
كّما قد يكون مرض الكورونا هذا انتقام الله من النّاس لكثرة ذنوبهم وما اقترفوه من معاصي ومن ظلم وقطع سبيل. قال الله تعالى "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) سورة الروم.
ما يعسر علي فهمه ولا أستسيغه أنّ يردّ بعض النّاس مرض الكورونا إلى أسباب مادية بحتة تسرّع في نقل العدوى من شخص إلى شخص في زمن قياسي ويتناسون أسبابا أخرى أكثر أهمية من قبيل فساد الذمم والهمم وانتشار كل أنواع العري والتبرّج وانتشار الفاحشة والكلام البذيء وكلّ أشكال الرذيلة وانشار تعاطي الخمرة والقمار بين النّاس. لذلك نراهم يتسابقون ويطنبون في الأخذ بأسباب النظافة وكل متطلّبات التعقيم وينسون أو يتناسون عمدا الأسباب الأخلاقية وكلّ ما اتصل بالقلب ونقاء السريرة وصفاء الروح. لقد لفت انتباهي ظهور نساء من المجتمع المدني وهنّ يحثن الناس على الالتزام بقواعد النظافة الصارمة وهنّ شبه كاسيات شبه عاريات !!! لقد اخطأن التشخيص. والخطأ في التشخيص يؤخّر الوصول إلى الحلول التي تؤدّي إلى الشفاء التام.
فالعديد من النّاس أضحوا يتعاملون مع الأمر بمنطق مادّي بحت شبيه بمنطق ابن النبيّ نوح عليه السّلام : "ونادى نُوحٌ ابنه وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يابني اركب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الكافرين قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ" (هود 42-43). فلا الجبل عصم ابن النبي نوح من الغرق ولا التعقيم سينجينا من هذه الآفة إذا كثر الخبث. عن زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ويْلٌ لِلْعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليومَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مِثْلُ هذِه وحَلَّقَ بإصْبَعِهِ الإبْهَامِ والَّتي تَلِيهَا، قالَتْ زَيْنَبُ بنْتُ جَحْشٍ فَقُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ: أَنَهْلِكُ وفينَا الصَّالِحُونَ؟ قالَ: نَعَمْ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ.
وسوم: العدد 868