بإمكان كل إنسان أن يعرف هل ما ينزل به من بلاء هو ابتلاء من الله عز وجل أم عقاب ؟؟؟

من المعلوم أنه إذا ما حل بلاء بالناس ذهب تفكيرهم إلى أحد أمرين : إما أن الله عز وجل ابتلاهم أو أنه عاقبهم . والفرق بين الابتلاء والعقاب هو أن الأول يكون امتحانا  ، والثاني يكون جزاء ، ولا يكون  الأول سببه غضب الله عز وجل بينما يكون الثاني  سببه غضبه وسخطه . ولنا أدلة على ذلك في كتاب الله عز وجل نذكر منها قوله تعالى  في الابتلاء :

(( ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس  والثمرات وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ))

فواضح أن الأمر في هذا النص القرآني يتعلق بامتحان لا بجزاء، والقرينة على ذلك هو وصف الله عز وجل من يبتليهم بالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات بالصابرين  وبالمهتدين بشارة لهم.

أما في العقاب فيقول سبحانه وتعالى :

(( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة  يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ))

فواضح أن الأمر في هذا النص القرآني  يتعلق بجزاء ، وهو عبارة عن عقاب ،والقرينة على ذلك كفران قرية بأنعم الله عز وجل وهي الأمن ،والطمأنينة، والرزق الرغد  ،وكان هقابها بنقمتي الجوع ،والخوف .

ولقد ورد في كتب التفسير أن  القرية المعنية هي مكة كناية عن كفارها وقد دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان قد لقيه من أذى هو ومن آمن معه خصوصا صحابته الذين هاجروا الهجرة الأولى إلى الحبشة  . ورجح بعض المفسرين هذا لأن نزول هذه الآية كان بعد القحط  الذي أصاب قريش.

 وقالوا إن النعم التي أنعم بها الله عز وجل على كفار قريش كما جاءت في الآية الكريمة ،هي الأمن الذي هو السلامة من تسلط عدوهم عليهم ، والطمأنينة وهي راحة البال والدعة ، وهذه تكون ناتجة عن الأمن ، والرزق الرغد وهو الأقوات  الوافرة الهنيئة المتعددة المصادر .

وما يقابلها من نقم بعد كفرانها هي الخوف ، وهو نقيض الأمن ، والجوع ، وهو نقيض الرزق الوافر الهنيء.

ولقد وقف بعض المفسرين عند  قوله تعالى : (( فأذاقهم )) ، فقالوا  الإذاقة إحساس باللسان لمعرفة أذواق الطعوم ، وهي مستعارة هنا ، كما في مواضع أخرى من كتاب الله عز وجل للدلالة على  الإحساس بمعاناة الألم والأذى تماما كما يتذوق الإنسان الأطعمة، فلا يستطيع التخلص من مذاقها حلوا كان أم مرّا. وقالوا عن قوله تعالى : (( لباس الجوع والخوف )) أن اللباس استعير للجوع والخوف للدلالة على إحاطتهما إحاطة شمول بالإنسان كما يحيط به  لباسه ويلازمه . وقالوا إن تمام اللبسة أن يلبس الإنسان ثوبين ،وذلك أمكن لإحاطة اللباس بجسمه . وقالوا إن الاستعارتين الإذاقة والإلباس تهكميتان  للتبكيت.

وإذا ما قارنا بين ما يصيب الإنسان من بلاء  في الآيتين الكريمتين ويكون ابتلاء ، وما يصيبه منه ويكون عقابا نجده واحدا ( خوف وجوع ) مع زيادة  بلاء نقص في الأنفس والأموال والثمرات في الابتلاء .ولا شك أن المعاناة تكون واحدة في  الحالين ، ولكن يعاني المبتلى وهو يرجو الفرج والثواب ، ويعاني المعاقب ، ولا يرجو ما يرجوه المبتلى . وقد وردت في كتاب الله عز وجل في سياق الحديث عن النزال بين المؤمنين والكافرين إشارة  إلى هذا  النوع من الرجاء في قوله تعالى : (( إن تكونوا تألمون فإنهم  يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون ))  فألم الحرب له وقع واحد أو معاناة واحدة عند الطرفين، ولكن يحضر الرجاء عند المبتلين ويكون عزاءهم، و لكنه يغيب عند المعاقبين ، وغيابه عندهم  يضاعف  من آلامهم ومعاناتهم.

و في الأخير نقول إن كل إنسان في هذه الحياة يعرف جيدا إذا كان ما ينزل به من بلاء عبارة عن ابتلاء أم  عبارة عن عقاب ، لأنه يعلم من نفسه ما يخفى على الناس ولكن لا يخفى على رب الناس سبحانه وتعالى.   

وسوم: العدد 870