أفضل ما تعزى به النفوس الخائفة في زمن الجائحة كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
لا شك أنه مهما كانت قوة الإنسان على الصبر والتحمل ، فإنه حين يواجه ما يهدد حياته يتسرب بعض الفتور إلى تلك القوة ، فيصير في حاجة ماسة إلى ما يعيد الثقة إلى نفسه بأنه لا زال باستطاعته أن يصبر ويتحمل .
ولا تقضى هذه الحاجة عند الإنسان المؤمن الثابت على إيمانه إلا بالرجوع إلى خالقه سبحانه وتعالى من خلال معاشرة كتابه الكريم و معاشرة سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
ولقد مر المؤمنون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم أجمعين بظروف عصيبة في عدة مناسبات نقتصر منها على ذكر ظرف غزوة الأحزاب التي وصف القرآن الكريم حالة من الخوف مروا بها في قوله تعالى :
(( إذا جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ))
ففي هذا النص القرآني وصف لحالة الهلع التي بلغت بالمؤمنين يومئذ وقد أحاطت بهم جنود الأحزاب ،وتجلت من خلال زيغ الأبصار ، وهو انحرافها كما جاء في كتب التفسير عن القصد من شدة الرعب والذعر بحيث لا تتجه صوب ما تريد . وإلى جانب ذلك تضطرب القلوب اضطرابا شديدا حتى أنها من شدة اضطرابها بسبب الهلع تبلغ الحناجر كأنها تريد الخروج منها وقد ضاقت بها الصدور من هول الشدة . وهذه أبلغ صورة على الإطلاق تصور حال من اشتد خوفه .
وقد ترتب عن هذه الحالة التي زاغت فيها الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر انطلاق الظنون ، والظن هو حصول نوع من الإدراك في الذهن قد يكون مجرد توهم ، وهو الذي جاء في الأثر أنه أكذب الحديث ، وقد يكون فيه شيء من الترجيح، وقد يصل حد اليقين كما جاء في قوله تعالى : (( قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله )). وهذا ظن يقين.
ولقد كانت للمؤمنين في غزوة الأحزاب ظنون وليس ظنا واحدا منها الخوف من الهلاك ، والخوف من هزيمة مضرة بالإسلام ... إلى غير ذلك مما بلغت بهم الظنون مما كان في علم الله عز وجل . وحال الإنسان إذا ما اشتد خوفه أن تكثر ظنونه السيئة ،ويتوقع حدوث الأسوأ .
وهذا الذي وصفه الله تعالى من حال المؤمنين في غزوة الأحزاب، ينسحب على كل الأحوال التي تقع فيها شدة تسبب هلعا ، فتزيغ الأبصار ، وتضطرب القلوب ، وتظن الظنون .
وهذا حال الناس اليوم مع حلول هذه الجائحة الحاصدة الأرواح ، إذ لا يمكن أن ينكر أحد خوفه منها ، وقد تتفاوت درجات الخوف، ولكنه عام بين الناس إلا من كان منهم يجهل خطورة هذه الجائحة أو يكذبها أو يجحدها عنادا ومكابرة.
وقد يستحوذ الهلع على بعض الناس ، ويلازمهم ، ولا ينفك عنهم ، وتكثر ظنونهم ، وهم على هذه الحال يلتمسون عزاء هنا أو هناك في أحاديث أهل الاختصاص من الأطباء ، وكلما تضاربت أحاديث هؤلاء عن خطورة الجائحة ازداد هلعهم وكثرت ظنونهم ، ولهذا لا بد لهم من عزاء حقيقي يبعث الطمأنينة في قلوبهم المنخلعة من شدة الخوف ، ولا يوجد ذلك إلا في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وينصح أهل العلم بدين الله عز وجل أن يكون ظرف الحجر مناسبة مواتية لمعاشرة الكتاب والسنة معاشرة تدبر يفك أقفال القلوب من أجل الوصول إلى ملاجىء الطمأنينة . ففي كتاب الله عز وجل قصص واقعي لا يلتبس بقصص الوهم والخيال يتعلق بأنواع من ظروف الشدة التي واجهها المؤمنون في كل العصور ، فكان بعدها فرج ،وبعد عسرها يسر كما حصل للمؤمنين في غزوة الأحزاب ، وبهذا القصص يحصل العزاء ، ويحصل الظن من نوع اليقين بأن الأمر بيد الله عز وجل يجريه وفق إرادته وحكمته ، وأن الخلق إنما خلق لحياة مصيرها الزوال ليخضع للابتلاء من أجل حياة خالدة يكون الخلد فيها سعادة أو شقاء أبديين .
ويجدر بالإنسان اللبيب أن ينشغل بموضوع خلد في سعادة أو شقاء في حياة طبيعتها الخلد لا بموضوع زوالهما في حياة طبيعتها الزوال .
وحين تكون قناعة المؤمن أن أجله آت لا محالة ، وأنه لا يؤخر إذا جاء، أغناه ذلك عن التفكير في هلع يزيغ له بصره ، وينخلع له قلبه ، وتشقيه ظنونه .
وكلما كثر الاستئناس بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،زادت طمأنينة القلوب ، وارتاحت النفوس ، واستيقنت أن ما أصابها لم يكن ليخطأها ، وأن ما أخطأها ما كان ليصيبها ، وأن الأمر لله عز وجل من قبل ومن بعد .
ونختم بالتوجه إلى الله عز وجل في هذا الظرف ليربط على قلوب هي بين إصبعيه يقلبها كيف يشاء، وأن يؤمننا من كل خوف في العاجل والآجل إنه رءوف رحيم .
وسوم: العدد 871