إن الله بعث محمدا هاديا ولم يبعثه جابيا ..
وهذه الكلمة الجامعة نبراس في الهداية والتعليم والتنبيه على ضرورة الالتزام بأصل الاختصاص . وأساس المهمة والتكليف . والتوقف عن التشويق والتغريب .
ولا غرو أن المسلمين يوردون هذا الكلمة في سياقها التاريخي للدلالة على عدل وعدالة الإسلام . وسياق الكلمة أنه في الفترة ما بين سنة 40 - 100 من الهجرة ، بدأ أقوام من أصحاب البلاد المفتوحة يدخلون في الإسلام . وظل بعض الجباة يجمعون عليهم بين الجزية وهي الضريبة المقدرة على كل رأس من غير المسلمين ، وبين العشر الذي هو الزكاة المفروضة على المسلمين ..
وكتب هؤلاء الناس إلى عمر، ورسم بإسقاط الجزية عمن أسلم . فراجعه أحد عماله: إذن تقل الجباية ، أي الدخل . فأجاب عمر رحمه الله : إن الله بعث محمدا هاديا ولم يبعثه جابيا . في كلمة مختصرة دالة . تحدد المهمة الأساسية الكبرى للرسول الهادي الرحمة للعالمين ..
هاديا لا جابيا ولا طبيبا ولا زارعا بل هو يقول في حادثة تأبير النخل أنتم أعلم بشؤون دنياكم ..
نستحضر هذه الكلمة اليوم لنبين لبعض الناس ، الذين ما زالوا ينشغلون بالذي هو أدنى عن واجبهم الذي هو خير ، ويظنون أنهم بذلك يحسنون صنعا ..
فالذين اختارهم الناس أو بعضهم ، ليحملوا رايتهم ، ويتقدموا مشروع دعوتهم ، وليدفعوا بهم ، وليدفعوا عنهم ، لا يجديهم نفعا كلما نزلت بالناس نازلة ، أو ألمت بهم ملمة ، أن يشتغلوا على حل جزئي تسكيني ، ليس أفضل حالا ممن يتطبب بحبة الإسبرين ، ومرة أخرى ويظنون أنهم يحسنون صنعا ..!!
في لامية العرب بيت جميل ..
قد رشحوك لأمر لو فطنت له ..
ومثله وأفضل منه : إن الله بعث محمدا هاديا ..
ويقول لي ليحرجني : شيء أحسن من لا شيء ..
وأقول شيء من الشيء أحسن من لاشيء . أما من اختار طريقا وعرا ، زعم أنه صاعد ، إلى حيث تنام النسور ، وأضاع عمره في الذي تعلمون موت وقتل وسجن وغربة .. ولو كنا نعلم أن غاية جمعنا ، ولب قضيتنا ، وغاية جهدنا أن نكون من أصحاب الدثور ، لقضينا أعمارنا في جمع المال ، وربما بعضنا لو فعل لوجد سعة فيسد مسد المائة أو مسد الألف ..
وربما موقف من نصف سطر كقول عمر هذا ، يفيد لو عمل العاملون على مكانتهم الحقيقية ، التي انتدبوا إليها في تغيير حال ، وفي نصرة مظلوم ، وفي التفريج عن مكروب ..
وإنه من الصعب على الإنسان بعد جهد نصف قرن أن يضرب كفا على كف وهو يقول : خبنا وخسرنا .. وذهب أصحاب الدثور بالأجور ..
قد رشحوك لأمر لو فطنت له .. فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
أنت صانع سياسة فلا تنشغل بالتعليق على الأخبار ...اصنع الخبر واترك لغيرك أن يعلق عليه ..
أتعبني هذا الطغرائي : قد رشحوك لأمر لو فطنت له ..
ولعلي أفطن ، ولعلهم يفطنون ..
وسوم: العدد 873