قصصُ العُروج(١١٨)

وحدةُ القِيَم

تعميم الجرائم

في عدالة الإسلام لا تتبعّض القيم، ولا تتجزأ الحُرمات بالنسبة لبني آدم، فإنهم ينحدرون من نفس واحدة، فها هو القرآن يُصرّح بأن من قتل نفساً بشرية واحدة *{فكأنما قتَل الناس جميعاً}*، هكذا {نفساً} بصيغة النكرة، مهما كان عرقها ولونها أو دينها ومذهبها أو مكانتها وإمكاناتها.

وينطبق ذلك على قذف المحصنات بالزنى، فمن قذف امرأة فكأنما قذف جميع النساء، ولذلك قال تعالى: *{والذين يَرمون المُحصنات}*، والآية إنما نزلت في قذف أمّ المؤمنين عائشة وحدها رضي الله عنها، فكأن الآية تقول بأن من رمى امرأة شريفة بما ليس فيها فقد قذف كل الشريفات وانتهك أعراض سائر العفيفات، وهذا الأسلوب الذي اختطه القرآن في تجفيف المنابع الآسنة للمحرمات، من خلال الوعيد الشديد والزجر القوي.

 *وحدة الحرية*:

لا يقبل الإسلام تبعيض الكرامة الإنسانية وتجزيئ الحرية الآدمية بأي حال من الأحوال، وهذا ما تومئ إليه الآية التي تقول: *{إنّ فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يُذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين}* [القصص: ٤]، ذلك أن فرعون إنما حكم مصر فقط ولم يحكم الأرض كلها، ومن ثم فإنه جعل سكانها شيعاً ولا دخل له بسكان بقية المعمورة، لكنه لما فعل بهؤلاء ذلك الفعل الشنيع، وكان الناس أمة واحدة في الخِلقة والخصائص وفي الحقوق والواجبات؛ فكأنما قد سرى طغيانه إلى الأرض كلها، وكأنه قد استعبد سائر الأحرار من بني الإنسان، وهذا مثل قوله: *{ومن قتل نفساً بغير نفس ..}* التي ذكرناها أعلاه.

 *عدالة صارمة*:

لا استثناء لأحد في معايير الله العادلة، فإن الطاعات مراقي إلى النعيم المقيم مهما كان صُنّاعها، وإن المعاصي مهابط إلى العذاب الأليم مهما كان مقترفوها. ولقد علّم الله حبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس: *{قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم}*، وهذا هو الخوف المثمر، وبدونه فإن المعاصي ستزدهر في عَرَصات (الأمن من مكر الله)، وستثمر عذابات الزقوم !

 *التكذيب برسول تكذيب بالجميع*:

قرر القرآن وحدة الرسالة الإسلامية الواحدة منذ آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم، واعتبر بأن التكذيب بواحد من الأنبياء هو تكذيب بجميع الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: *{كذّب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون}* [الشعراء: ١٧٦، ١٧٧]، فأصحاب الأيكة هم قوم شعيب الذين كانوا يسكنون مديَن في شمال الجزيرة العربية، وتكذيبهم بنبيهم شعيب هو في النتيجة النهائية تكذيب بكل الأنبياء.

 *بُورِك المُتدبِّرون*

منتدى الفكر الإسلامي

وسوم: العدد 874