جماعة الاخوان المسلمين بين الدعوة والسياسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.

تطرح بعض الجهالت فكرة أن تقتصر جماعة الاخوان المسلمين في عملها على الدعوة فقط وتتخلى عن ممارسة العمل السياسي، وهذا طرح غريب عن دعوة جماعة الإخوان المسلمين التي عرفت أنها دعوة للإسلام الذي يشمل كل جوانب الحياة الدنيوية والآخروية، وأنها دعوة للإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم والمنزّل من لدن عزيزٍ حكيم.

وفي هذا يقول البنا – رحمه الله – في رسالة ( دعوتنا في طور جديد ) تحت عنوان : نهج الدعوة الأول : (( أننا نتحرى بدعوتنا نهج الدعوة الاولى ، ونحاول أن تكون هذه الدعوة الجديدة صدى حقيقياً لتلك الدعوى السابقة التي هتف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطحاء مكة قبل الف ومئات من السنين، فما أولانا بالرجوع بأذهاننا وتصوراتنا إلى ذلك العصر المشرق بنور النبوة، الزاهي بجلال الوحي، لنقف بين يدي الأستاذ الأول، وهو سيد المربين وفخر المرسلين الهادين المهديين، لنتلقى عنه درس الإصلاح من جديد، وندرس خطوات الدعوة من جديد )). (1)

وكذلك غرابة هذا الطرح ممن عرف أن الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم والذي ندين به يشمل جميع نواحي الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والإدارية وما تحتاجه هذه الحياة وممارسة الإنسان فيها ، وان الإسلام دين ودولة.

1 – ( مجموعة رسائل البنا – طبعة مزيدة – ص 491)

الإسلام دين ودولة

فالإسلام الذي قامت عليه دعوة جماعة الإخوان المسلمين هو دين ودولة .

مقومات الدولة الاسلامية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم :

تتبين مقومات الدولة الاسلامية فيما يلي : شكلاً ومضموناً

1 – أما المضمون من ناحية التشريع :

لقد أصبح للدولة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دستور وتشريع يعرض لكل نواحي الحياة الدينية والدنيوية بنصوص من القرآن الكريم محكّمة.

ثم تقوم السنة الصادرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ببيان هذه النصوص وتوضيح تلك الأحكام.

ثم هناك مصادر تشريعية أخرى تستوعب شؤون الحياة وتفاصيلها ومستجداتها ومتغيراتها كالإجماع والقياس والعرف والاستحسان والمصالح المرسلة والاستصحاب نحوها.

2 – من ناحية الشكل :

لم تقتصر الدولة الإسلامية في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم على المظهر الديني، انما اتخذت الشكل السياسي من حيث التنظيم، ويظهر هذا فيما يلي :

أ – رئاسة الدولة :

فقد أصبح الرسول صلى الله عليه وسلم بحكم الرسالة الرئيس الأعلى للدولة يمارس جميع الصلاحيات الممنوحة لرئيس الدولة، بل أن الرسول كان يمارس من الناحية الفعلية جميع السلطات الدنيوية الى جانب قيامه بإمامة المسلمين وتعليمهم أمور دينهم.

ب – الفصل في المنازعات :

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجلس في المسجد للنظر في المنازعات بين المسلمين....... وكان حكمه نافذاً على المتخاصمين لا يملك أحد منهم أن يخالفه.

ج – إقامة الحدود :

والحدود هي العقوبات المفروضة على بعض الجرائم الكبيرة في المجتمع كالزنا والسرقة والقذف وشرب الخمر بالإضافة الى تمكين المعتدى عليه من القصاص.

د – قيادة الجيش لدفع العدوان :

يقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيادة الجيش الإسلامي لدفع العدوان القائم على الدولة الإسلامية الجديدة أو على أحد رعاياها، وكان عليه الصلاة والسلام يشرف على كل ما يتعلق بحروب الدولة من إعداد وتخطيط وتنظيم.

ومن أهم الأهداف التي حرص الرسول صلى الله عليه وسلم عليها، نشر الإسلام ، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس.

مفهوم الدولة في الاسلام

تتشكل الدولة الإسلامية من ثلاث عناصر أو أركان وهي : الشعب، والإقليم، والسلطة السياسية .

1 – الشعب :

ويعني ذلك وجود جماعة من الناس قد تقل وقد تكثر يسكنون في أرض معينه، ويخضعون لتنظيم سياسي واحد، والشعب في الدولة الإسلامية يشمل كل المواطنين بغض النظر عن دينهم ومعتقداتهم ولغاتهم وإثنياتهم.

2 – الإقليم :

ويشمل الأرض التي تقطن تلك الجماعة ( الشعب ) عليها، وتمارس الدولة سلطتها فيها .... وتعتبر الدولة مسؤولة عن حماية رعاياها داخل الأرض الخاضعة لها، ويلحق بها البحار الإقليمية والأجواء الفضائية، ويمثل هذا في بداية نشوء الدولة الإسلامية المدينة المنورة وما يسكنه المسلمون خارجها.

3 – السلطة الساسية :

هي الهيئة التي تمارس السلطة على الشعب الذي يسكن هذا الإقليم، والشريعة الإسلامية هي السلطة العليا ويقوم الرسول بتنفيذ أحكامها وشرح نصوصها ويعاونه في ذلك كبار الصحابة.

وقد اتضحت معالم الدولة الإسلامية بشكل تدريجي حتى أصبحت قبيل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم دولة كاملة الأركان قوية البنيان راسخة الدعائم، ولقد تكامل هذا البناء وقويت أركانه في زمن الخلافة الراشدة اذ تعد تلك الفترة امتداد للعهد النبوي غير أنه لا وحي فيها وجاءت صورة صادقة ومعبرة عن عهد النبوة وتطبيقاً عملياً عن ذلك الوحي لتعطي دليلاً قاطعاً على إمكانية التطبيق على الأرض.

جماعة الاخوان المسلمين ومفهوم الاسلام دين ودولة

جاء في مجموعة رسائل البنا – رسالة : مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي – ألا هل بلغت اللهم فاشهد، نظام الحكم :

(( قال تعالى : ( وان احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله اليك ). (1)

يفترض الإسلام الحنيف ((الحكومة )) قاعدة من قواعد النظام الإجتماعي الذي جاء به للناس، فهو لا يقر الفوضى، ولا يدع الجماعة المسلمة بغير إمام، ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه : (( اذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم رجلا)). (2)

فمن ظن أن الدين – أو بعبارة أدق : الإسلام – لا يعرض للسياسة أو أن السياسة ليست من مباحثه فقد ظلم نفسه وظلم علمه بهذا الإسلام، ولا أقول ظلم الإسلام فإن الإسلام شريعة الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وجميل قول الإمام الغزالي رضي الله عنه : (( اعلم أن الشريعة أصل، والملك حارس، وما لا أصل له فمهدوم وما لا حارس له فضائع)). (3)

فلا تقوم الدولة في الإسلام الا على أساس الدعوة، حتى تكون دولة رسالة لا تشكيل ادارة ولا حكومة مادة جامدة صماء لا روح فيها، كما لا تقوم الدعوة إلا في حماية دولة تحفظها وتنشرها وتبلغها وتقويها.

والحكومة في الإسلام تقوم على قواعد معروفة مقررة هي الهيكل الأساسي لنظام الحكم الإسلامي،

فهي تقوم على مسؤولية الحاكم ووحدة الأمة واحترام ارادتها، ولا عبرة بعد ذلك بالاسماء والاشكال)). (4)

________________________________________________________

1 – (المائدة – 49)

2 – ( رواه الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود).

3 – (احياء علوم الدين – 1/ 17)

4 – (ص 653 – ص 654)

شمولية الاسلام

_ ورد في مجموعة رسائل البنا – رسالة مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين – كلمة فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين – الإسلام الشامل :

((انا اعلن – أيها الإخوان – من فوق هذا المنبر بكل صراحة ووضوح وقوة أن الإسلام شيء غير هذا المعنى الذي أراد خصومه والأعداء من أبنائه أن يحصروه فيه ويقيدوه به وأن الإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية، وسماحة وقوة وخلق ومادة، وثقافة وقانون، وأن المسلم مطالب بحكم اسلامه أن يعنى بكل شؤون أمته، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم. واعتقد أن أسلافنا – رضوان الله عليهم – ما فهموا معنى الإسلام غير هذا، فيه كانوا يحكمون، وله كانوا يجاهدون، وعلى قواعده كانوا يتعاملون، وفي حدوده كانوا يسيرون في كل شأن من شؤون الحياة الدنيا العمليه قبل شؤون الآخرة الروحية، ورحم الله الخليفة (أبو بكر ) اذ يقول : (( لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله)). (1)

وجاء في رسالة المؤتمر الخامس – الإخوان المسلمين :

1 – دعوة سلفية.

2 – وطريقة سنية.

3 – وحقيقة صوفية.

4 – وهيئة سياسية.

5 – وجماعة رياضية.

6 – ورابطة علمية ثقافية.

7 – وشركة اقتصادية.

8 – وفكرة اجتماعية.

وهكذا نرى أن شمول معنى الإسلام قد اكسب فكرتنا شمولاً لكل مناحي الإصلاح، ووجه نشاط الإخوان الى كل هذه النواحي، وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم الى ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إليها جميعاً، ويعلمون أن الاسلام يطالبهم بها جميعاً)). (2)

__________________________________________________________________________________________

1 – ( لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله ) ( ص 232 – ص 233 )

2 – (مجموعة رسائل البنا – ص 336 – 338 )

السياسة من الإسلام

جماعة الإخوان المسلمين بإقرارهم أن الإسلام متعدد الجوانب التي تكتتف الحياة الدنيوية والآخروية وأن الإسلام دين ودولة فمعنى ذلك أنهم يقرون بأن الجانب السياسي جانب أساسي من جوانب الإسلام، بحيث لا يمكن الفصل بين السياسة وبقية جوانب الإسلام الأخرى.

فقد جاء في كلمة فضيلة المرشد العام في رسالة مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين قوله :

(( بعد هذا التحديد العام لمعنى الإسلام الشامل ولمعنى السياسة المجردة عن الحزبية استطيع أن أجهر في صراحة بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسياًّ، بعيد النظر في شؤون أمته مهتماً بها غيوراً عليها.

واستطيع كذلك أن أقول : إن هذا التحديد والتجريد أمر لا يقره الإسلام، وأن على كل جمعية إسلامية أن تضع في رأس برنامجها الإهتمام بشؤون أمتها السياسية، وإلا كانت تحتاج هي نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام.

وعلم الله أيها السادة أن الإخوان ما كانوا يوماً من الأيام غير سياسيين، ولن يكونوا يوماً من الأيام غير مسلمين، وما فرقت دعوتهم ابداً بين السياسة والدين)). (1)  

كما ورد في رسالة المؤتمر الشعبي الأول للإخوان المسلمين في القاهرة – تحت عنوان، دين وسياسة :

(( فإن أردتم أن الإسلام دين لا تتناول أحكامه الشؤون السياسية في الداخل والخارج من حيث تنظيم الحكومة، والصلة بين الحاكم والمحكوم، وما يتبع ذلك من حقوق وواجبات، وافتراض حرية الأمة الإسلامية وسيادتها وعزتها الخ، فذلك جهل بالإسلام، وظلم لأحكامه وشريعته الشاملة التي جاءت تنظم شؤون الدنيا والآخرة وتحدد العلاقات في المجتمع الإنساني أفضل تحديد)).. (2)

________________________________________________________________________________________________

1 – (مجموعة رسائل البنا – ص 232 – ص 333)

2 – (مجموعة رسائل البنا – ص 592 )

ارتباط العقيدة والتعاليم الخلقية بالمبادئ السياسية

اذا نظرنا في المبادئ السياسية في الإسلام نجد أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعقيدة والتوجهات الخلقية ليكون لها من القداسة في النفوس ما يكفل تطبيقها على الوجه الأكمل، وليكون لها من البواعث ما يدفع على العمل بها في جميع الظروف تحت تأثير العقيدة والتعاليم الدينية وما تدعوا إليه من مثل وتعاليم.

فالعدالة مبدأ سياسي دعا إليه الإسلام في جميع نواحي الحياة، قال الله تعالى : ( إن الله يأمربالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي). (1) وقال أيضاً : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).(2) وقال أيضاً : (واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله اوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون).(3)

هذه النصوص القرآنية تدعو للعدل، وتجعل من هذا المبدأ القاعدة الأساسية التي ينطلق منها الفرد في حياته، فيكون العدل طريقه ومنهجه، لأنه مبدأ أخلاقي يحقق الطمأنينة والاستقرار.

والشورى مبدأ سياسي دعا إليه الإسلام وحض عليه، قال تعالى : ( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله). (4) وقال أيضاً في صفة المؤمنين : (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون). (5)

وقد شاور الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته في كثير من المواطن وأخذ برأيهم، وعمل الخلفاء الراشدون بمقتضى هذا المبدأ عملاً بالقرآن واستجابة لدعوة الرحمن.

والواقع أن صلة التشريع الإسلامي بالعقيدة والأخلاق أمر طبيعي لأنه دين سماوي يدعو بطبيعته لمكارم الأخلاق، وهذا ما يجعل الشريعة الإسلامية مختلفة عن الشرائع الوضعية، ويجعل لها قدسية في النفوس واحتراماً لدى الناس، لأنها مرتبطة بالعقيدة.

_____________________________________________________________

1 – (سورة النحل – ص 90)

2 – (سورة المائدة – 8)

3 – (سورة الأنعام – 152)

4 – (سورة آل عمران – 160)

5 – (سورة الشورى – 38)

يقول الشيخ محمود شلتوت – رحمه الله – شيخ الأزهر :

(( فالدين اذن مجموعة من المبادئ العامة لتنظيم السلوك البشري العام في الحياة الدنيا، أملاً في السعادة فيها وفي الحياة الآخرة، وهداية الإنسان إلى الخير والجمال وتحقيق السعادة والرخاء للجنس البشري كله، والإسلام بصفة خاصة تظهر فيه هذه الخصائص بوضوح تام.

فهو يهدف إلى تحقيق الصالح العام للإنسامنية كلها، من أسلم ومن لم يسلم، ومقرراته في العبادات والمعاملات في الاجتماع والاقتصاد، في الحكم والسياسة، في السلم والحرب، يقررها على أنها دين واجب الاتباع، لا اختيار للفرد في تركه أو فعله، .. ويلتزم أدائها راضياً مطمئن القلب لأنه يراها ديناً واجب الاتباع يجب أن يؤدى كما أراده الله سبحانه وتعالى، ويصعب أن نفرق في الإسلام بين ما يمكن أن يسمى دينا فقط أو سياسة فقط.

فكل ما يتعلق بالعقيدة والعبادة دين، ويمكن أن يسمى سياسة الإسلام في التربية والخلق، وكل ما يتعلق بالمعاملات العامة دين، ويمكن أن يسمى سياسة الاسلام الاقتصادية والاجتماعية، وكل ما يتعلق بالحكم وتدبير مصالح المسلمين في دنياهم دين أيضاً، ويمكن أن يسمى نظام الاسلام في الحكم وادارة الدولة، وهكذا يرتبط الدين بالدولة ارتباطاً كبيراً في الاسلام ارتباط القاعدة بالبناء )). (1)

يعدهذا التوضيح في بيان شمولية الاسلام وأن السياسة هي احدى جوانب هذا الإسلام، بل الارتباط الوثيق بين العقيدة والأخلاق وبين المبادئ السياسية وأنه لامجال للفصل بينهما لأنها جميعاً من لدن عزيز حكيم، بل أن الحديث عن فصل السياسة عن الدعوة ان لم تقم على فكرة فصل الدين عن الدولة فهي تشبهها فكيف نقول بتخلي جماعة الاخوان المسلمين عن السياسة والالتزام بالدعوة فقط وقد قامت دعوتهم على الاحذ بالاسلام الشامل لكل جوانب الحياة الدنيوية والاخروية التي اشتمل عليها، وثبت عدم امكان فصلهما عن بعضهما.

______________________________________________________________

1 – (من توجيهات الإسلام الفضيلة الأستاذ محمود شلتوت ص 552 – 553) (نقلاً عن نظام الحكم في الإسلام للدكتور محمد فاروق النبهان ص 118 – ص 176).

وسوم: العدد 888