من معارف العرب وأسرارهم في الجاهلية

د. محمد عقل

[email protected]

اكتسبت العرب في الجاهلية بعض المعارف والمهارات من خلال تجاربها، ولا يزال بعضها قائماً حتى الآن نذكر منها:

القيافة:

 القيافة المشتقة من الفعل قفا يقفو أي تتبع الأثر، وهي نوعان: قيافة الأثر وقيافة البشر، وقيافة الأثر ليست مجرد قصّ، أو اقتفاء الأثر لقدم أو خف أو حافر، بل لتمييز أوصاف صاحبه، فكانت العرب تميز أثر الأعمى والبصير والشيخ والشاب والرجل والمرأة والبكر والثيب وشكله وهيئته، وما إذا كان به مرض أو علة كالأعور والأعرج والقصير، والأعجب أنهم كانوا يعرفون مقصده من أثر خطواته، والفطرة السليمة السوية قادتهم في اقتفاء الأثر إلى الصواب فالبعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، وكان ذلك يفيدهم في تتبع الفار والضال من الناس أو الحيوان؛ وقيافة البشر وهي تتبع الشبه والملامح والأنساب من خلال ملامح الجسم في الناس، وسميت بذلك لأن صاحبها يتتبع بشرة الإنسان وجلده وأعضاءه وأقدامه، فيعرف سنه ونسبه وموطنه ومن أية عشيرة هو!، وهي قريبة من الفراسة.

الفراسة:

الفراسة: فكره تقفز فجأة للوعي ممن شهد لهم بالصلاح وبالذكاء وبالمعرفة الطويلة بعد تفرس الوجه والجسم، وهي المهارة في التعرف على بواطن الأمور من ظواهرها، وعلم الفراسة يبحث في العلاقة بين الطباع وملامح الوجه، ومن العلوم الحديثة المعاصرة لغة الجسد Body language שפת הגוף والذي يعتني بتفسير وتحليل ظاهر تعابير الوجه وحركات الجسد.

ومن الفراسة عندهم: يقولون: عِظَم الجبين يدل على البله، وعَرْضُه على قلة العقل، وصغره على لطف الحركة، واستدارته على الغضب؛ والحاجبان إذا اتصلا على استقامة دلا على تخنيث واسترخاء، وإذا تزججا منحدرين إلى طرف الأنف دلا على لطف وذكاء، وإذا تزججا نحو الصدغين دلا على طنزٍ واستهزاء؛ والعين إذا كانت صغيرة الموق دلت على سوء خلة وخبث شمائل، وإذا وقع الحاجب على العين دل على الحسد، والعين المتوسطة في حجمها دليل فطنة وحسن خلق ومروءة، والناتئة على اختلاط عقل، والغائرة على حدة، والتي يطول تحديقها على قحة وحمق، والتي يكثر طرفها على خفة وطيش؛ والشعر على الأذن يدل على جودة السمع؛ والأذن الكبيرة المنتصبة تدل على حمق وهذيان.

العيافة:

عاف الطائر يعيف ويعوف تعني حام على الشيء ودار حوله يريد الوقوع عليه؛ والعيافة في الجاهلية  هي زجر الطير للتشاؤم، أو التفاؤل، فكانوا إذا أرادوا سفراً، أو الخروج للصيد، أو القيام بعمل مهم ذهبوا إلى العائف فزجر لهم الطير، فإذا طار الطير إلى جهة الشمال تشاءموا به وتطيّروا منه ولذا اسموه البارح، وإذا طار يميناً تفاءلوا به ولذا اسموه السانح، وهذا يذكرنا بالكلمات العبرية التالية: עף بمعنى طار، و-עוף بمعنى طائر، و- ברח بمعنى هرب، و- צנח بمعنى هبط.

 الحازي:

يفيد الفعل "حزا" في اللغة العربية معنى تَكَهّن، أو قَدّر تخميناً، وهو نفس المعنى المستفاد من كلمة חזה بالعبرية. في الجاهلية كان يأتي صاحب الحاجة إلى الحازي فيعطيه حلواناً(هدية)، فيقول له: اُقعدْ حتى أخط لك، وبين يدي الحازي غلام له معه ميل له، ثم يأتي إلى أرض رخوة فيخط الحازي خطوطاً كثيرة بالعجلة لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو منها على مهل خطين خطين، فإن بقي من الخطوط خطّان فهما علامة قضاء الحاجة والنجاح، وإن بقي خطّ واحد فهو علامة الخيبة في قضاء الحاجة. وكانت العرب تسمي ذلك الخط الذي يبقى من خطوط الحازي الأسحم، وكان هذا الخط عندهم مشئوماً. والحزو ضرب من الكهانة، ولا يزال في اللغة العبرية חוזה עתידות يعني ضارب الودع الذي يتنبأ بما سيحدث في المستقبل، وكذلك תחזית מזג האויר التنبؤ بالحالة الجوية.

الريافة:

هي استنباط الماء من الأرض بواسطة بعض الأمارات الدالة على وجوده فيعرف بعده وقربه بشتم التراب أو النباتات فيه، أو بحركة حيوان وُجِدَ فيه، ولا بد لصاحبه من حِسّ كامل وتخيّل شامل، وهو من فروع الفراسة من جهة معرفة وجود الماء والهندسة من جهة الحفر وإخراجه. جاء اسمها من الرِيف وهي فراسة تحديد المواقع المناسبة للزراعة من حيث وفرة المياه وقربها ومدى عذوبتها وخصوبة الأرض ونحو ذلك، ويسمى الرجل الذي يشتهر بهذه المهارة (سايوس) وعند بعضهم (صانوت)، وفي جنوب الجزيرة يسمى (المرزّم).

علم النجوم:

وهو معرفة أحوال الكواكب وقد كانوا أبرع في هذا العلم منهم في كلّ علم سواه، تعرفه عامّتهم قبل خاصّتهم للاهتداء به في ظلمات البرّ والبحر، ومعرفة أزمنة الخصب والمحل، وبعض معارفهم فيه مستمدّ من الكلدان لاختلاطهم بهم ولاتّفاق اللغتين في كثير من أسماء الكواكب والبروج.