تداعيات تفجير بيروت وآثاره على المنطقة

د. ناجي خليفه الدهان

يعيش لبنان أزمات مركبة ومتعددة منها؛ أزمة الواقع اللبناني الداخلي في الوقت الراهن، وتداعيات الأزمة السورية، وتقاطعات حزب الله، وإسرائيل، وإيران. والمراقب لهذه الأمور لا بد أن ينتظر حدثًا ما في لبنان، فهذه الأزمات كلها قابلة للانفجار وخاصة في ظلّ غياب الكوابح التي تحدّ منها، فضلًا عن غياب تام للمبادرات التي تسهم في تسويتها.

لا ريب بأن لبنان يعاني الكثير من تداعيات حرب في سوريا -النظام السوري ضد شعبه- سياسيًا واقتصاديا واجتماعيًا، فالنظام السوري عمل على تعطيل الحياة السياسية اللبنانية، وظهر ذلك بتعدّد الوزارات التي فشلت جميعها في التوافق على صيغة سياسية تحمي لبنان من تداعيات الخارج، أما اقتصاديًا فقد انهارت العملة اللبنانية إلى مستويات متدنية جدًا بالتزامن مع أزمة المصارف اللبنانية، وملفات الفساد الذي تم اكتشافها مؤخرًا فضلا عن نقص السيولة الأجنبية، وجاءت أزمة تفشي فايروس كورونا لتزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية والصحية والاجتماعية، كل ذلك انعكس على المجتمع اللبناني فقرًا وبطالةً وأزماتٍ متلاحقة، حتى جاءت كارثة الانفجار الهائل الذي ضرب العاصمة بيروت عصر الثلاثاء 4 آب ضمن الميناء، مخلفًا أضرارًا مادية وبشرية كبيرة جدًا.

والعالم كله ينتظر التحقيقات!!!

فلماذا حصل الانفجار في هذا التوقيت بالذات؟ حيث وقع قبل ثلاثة أيام فقط من نطق الحكم بمحكمة الحريري الدولية التي استمرت 15 عاماً!

وماهي برأيكم تأثيرات انفجار مرفأ بيروت وتداعياته في المستقبل القريب؟

من الذي يسيطر على ميناء بيروت؟ أليس حزب الله يسيطر عليه بشكل كامل؟!

أم أن الانفجار بمثابة رسالة إسرائيلية مباشرة للبنان، ولحزب الله، وذلك بعد أيام قليلة على الاشتباك الذي حصل بين الطرفين على الحدود اللبنانية – الفلسطينية المحتلة؟!

أم أن هذا الانفجار في هذا التوقيت له علاقة بالأوضاع المتوتر في المنطقة؟

وهل سيكون للانفجار نتائج معاكسة لناحية تثبيت السلطة المدعومة بشكل رئيسي من حزب الله؟

المشهد اللبناني:

وسائل الإعلام المحلية والعالمية بدأت تسوق سيلا عارما من الروايات والتأويلات، حيث يحاول كل طرف من هذه الأطراف تصديرها إعلاميا بشكل استباقي بما يخدم مصالحه، رغم أن المسؤولية واضحة المعالم! ولسنا بصدد الحديث عنها هنا، بل سنبحث عن آثار هذا الانفجار المدمر على الأوضاع في لبنان خاصة، وفي المنطقة عامة.

إن الموقف سينعكس على الواقع السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي في لبنان والمشاهد هذه يعرفها من عايش الحروب الأهلية، ويعرف طبيعة الاستقطاب التي تتشكل في تلك المراحل، فهناك اهتزاز كبير للحياة اللبنانية. فالوضع الاقتصاد اللبناني بالغ الهشاشة والآن سوف يكون أكثر هشاشة من أي وقت مضى.

بداية، كمتابعين للمشهد في بيروت، نقف على أعتاب محطة جديدة من المحطات التاريخية الفارقة في تاريخ لبنان، تنذر بتوتر إضافي في إقليم مضطرب بطبيعة الحال وأصبحت معادلاته الأمنية داخل جدران من الزجاج، فبيروت رقم مهم في معادلة توازن المشرق العربي، قُدّر لها منذ عقود أن تقع في بؤرة صراع المحاور الإقليمية، وتوظف كساحة حرب لتصفية حسابات تلك القوى الإقليمية المختلفة، وتسدّد الفاتورة من دماء أبنائها. واليوم لسنا فقط أمام انفجار في مرفأ هشّم ضواحي بيروت، بل أمام انفجار طال البنية السياسية قبل بنيتها التحتية.

فالتداعيات الهائلة الذي سيُحدثها هذا "الزلزال" تتكشف يوما بعد يوم، ليس على المستوى الإنساني فحسب – وقد تخطّى عدد الشهداء رقم الـ 200شخصًا، وعدد المصابين 6 آلاف، والمشردين نحو 300 ألفا- ولكن على المستوى الاقتصادي أيضاً.

التداعيات على حكومة حسان دياب:

أبصرت حكومة الرئيس حسان دياب النور مطلع العام الحالي، بوصفها تضم اختصاصيين. لكن سرعان ما تبين نفوذ الطبقة السياسية داخلها خصوصًا حزب الله، المدعوم من طهران وحليفه التيار الوطني الحر، وينتقد طيف واسع من اللبنانيين أداء الحكومة التي لم تنجح بعد في تنفيذ إصلاحات ملحة، ويشترط المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي إجراءات معينة مقابل الحصول على دعم خارجي.

بعد وقوع الانفجار قدم عدد من الوزراء استقالتهم وشكلّت الاستقالات ضربة جديدة للحكومة، وسارع في إسقاط حكومة حسان دياب وتقديم استقالتها، وذلك وسط موجة عارمة من الغضب جراء الانفجار الهائل الذي ضرب العاصمة بيروت الأسبوع الماضي.

وانطلقت الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل الكتل النيابية. فهي المخرج الوحيد في الوقت الذي تغرق فيه السفينة بجميع من فيها، رغم أن رئيس الحكومة حسان دياب لم يزر أي دولة منذ تعيينه كما جرت العادة، خصوصا الدول الخليجية المناوئة لإيران مما سبب عزلة عربية لها، لكن فاجعة الانفجار أسهمت في كسر عزلة الحكومة الدبلوماسية، وقد أدت إلى بدء تدفق مساعدات خارجية للمساهمة في تجاوز محنة الانفجار.

التداعيات على حزب الله:

حزب الله لاعب رئيسي بل هو الطرف السياسي الأقوى في البلاد، وهو القوّة المسيطرة داخل الحكومة الرسمية، ولطالما شكل تفكيك سلاحه عنوانا خلافيا بين القوى السياسية ومطلبا لواشنطن، التي تصنفه كمنظمة "إرهابية". وفي الآونة الأخيرة، تفاقم الغضب الشعبي على حزب الله في لبنان، خصوصا مع تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.

وبات الحزب أمام استحقاق مصيري، إذ كان من المفترض أن تنطق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الجمعة الموافق 7/ 8 بالحكم في حق أربعة متهمين من الجماعة حزب الله المدعوم من إيران، في قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في فبراير/شباط 2005، قبل أن تعلن تأجيل الجلسة إلى 18 أغسطس/آب "احتراما لضحايا" الانفجار، ويرجح أن يثير صدور الحكم "بعض التوترات على الأرجح" بين مناصري حزب الله، ومؤيدي الحريري الذين ينتظرون منذ 15 عامًا هذه اللحظة.

فحزب الله حاول تغيير استراتيجيته، وبات يشعر بأنه أصبح متحررًا من عبئ تدخله في سوريا، ويحاول تجديد الاحتكاك مع إسرائيل وفق مسرحية مكشوفة، ومناورة مفضوحة، لخداع الشعب اللبناني ورفع معنويات أتباعه بعد الخسائر التي مني بها في سوريا.

ولكن تفجير مرفأ بيروت كشف دور الحزب الإرهابي، وأنه السبب في كل ما يعاني منه لبنان من خراب في كل الجوانب، وسيزداد الضغط على الحزب من قبل معارضيه، وسيتغير بصورة أساسية واقع التنظيم وجوهره، وسترتفع نداءات تطالب بتجريد الحزب من سلاحه أكثر من السابق وخاصة بعد تدميره للبنان، وبعد اعتباره منظمة إرهابية.

إن تداعيات الحدث سوف تنعكس على معادلة الصراع بين حزب الله اللبناني والكيان الإسرائيلي، حيث يحاول أن يؤجل مسرحية المواجهة بين الطرفين في الوقت الحالي، وربما نشهد ما يمكن تسميته بالهدنة المتبادلة وأن كانت غير معلنة بين الأطراف المتصارعة، وربما يفضي إلى تغيير قواعد اللعبة بين أطراف الصراع في المستقبل، انطلاقا من أن خوض الحروب في عالم اليوم لا يحتاج إلى تحشيد الجيوش واستعمال الأسلحة التقليدية بقدر ما يؤشر بأن حروب المستقبل ستكون معتمدة على المعرفة والتطور التقني أو ما يمكن تسميته بالحروب الذكية التي ربما تلحق دمارًا أكثر مما تتركه الحروب التقليدية.

التداعيات الاقتصادية:

إن مرفأ بيروت يعد حلقة وصل مهمة بين الشرق والغرب، وهو ركيزة مهمة من ركائز الاقتصاد اللبناني، إذ تمر خلاله أكثر من ثلثي تجارة لبنان الخارجية، ومن ثم فإن تدميره يعني فقدان لبنان للرئة الاقتصادية الرئيسة. وعليه فإن أهم تداعيات تدمير مرفأ بيروت سوف تتركز في الساحة اللبنانية بالدرجة الأساس، إذ أن حالة عدم الاستقرار ستكون هي الحالة السائدة في المشهد السياسي اللبناني.

ويقول محللون في قطاع التأمين وغيره: إن من المرجح أن يبلغ إجمالي خسائر انفجار مستودع ميناء بيروت المؤمن عليها نحو 3 مليارات دولار، يشمل ذلك مطالبات من الميناء نفسه على خلفية الأضرار التي لحقت بالمنشأة وتعطل النشاط، وهو ما قد يصل إجماليه المبلغ المذكور، وكذلك تسبب في خسائر اقتصادية بقيمة 15 مليار دولار.، وإنّ الكثير من هذه الخسائر لم يكن مؤمنا عليها.

كما قالت أكسا وأليانز، وهما من شركات التأمين العالمية الكبرى العاملة في لبنان، إن من المبكر جدا الخروج بأي أرقام، فانفجار بيروت دمر عقارات سكنية وتجارية أيضا، بما في ذلك مطاعم وفنادق، وهو ما تقول مصادر إنه سيشكل على الأرجح غالبية المطالبات التأمينية.

التداعيات السياسية

إن تفجير بيروت أطلق سحبًا كثيفة من الدخان، ربما لتحجب كل المشاكل في لبنان، وحتى يختبئ وراءها كل الأطراف، فالكل كان ينتظر وقوع هذا الانفجار كي يدفن مشاكله تحت ركامه، والكل بدا فاقدًا للرؤية، والكل مدان بصورة أو بأخرى، ونخشى في هذه اللحظة أن يتهشم زجاج المنطقة برمتها مثلما تهشّم زجاج بيروت.

فإنَّ تفاعلات القضية واسعة كثيرة، لا تقتصر على لبنان فحسب بل على المنطقة برمتها، وما زيارة الرئيس الفرنسي إلا بداية التفاعل الدولي، كما أن ركوب الموجة من هذا الطرف أو ذاك - سواء في الداخل أو الخارج- دليل على الموقع الحساس للبنان.

من هنا فإننا سوف نشهد تداعيات سريعة متلاحقة للحدث تطال المنطقة برمتها، وسترسم ملامح مرحلة جديدة مختلفة تمامًا عن كل ما سبق، فصراع الإرادات سيكون أقوى وأشد، وتنافس الأطراف لحسم النزاع يعتمد على دخول معطيات جديدة وتغيير موازين القوى لصالح الشعوب، حيث برزت تفاعلات حربية أخرى كالحروب السبرانية وحروب الانفجارات الغامضة التي ضربت عددا من البلدان ك(العراق، وإيران وليس آخرها مرفأ لبنان)، والتي قد تصنف على أنها ضربات استباقية تحدّ من قدرات الخصوم. ولكن السؤال الجديد القديم هو: أين؟ ومن أين؟

لننظر وننتظر حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فالحدث ليس له مثيل من قبل.

وأعتقد أن تأثيرات التفجير ستكون محلية أكثر منها إقليمية أو دولية، ورغم أن الحادثة قد أفزعت الكثير في الداخل والخارج لكن المتضرر الوحيد هم اللبنانيون وهم من يترتب عليهم إعادة النظر بطريقة إدارة شؤونهم وترتيب بيتهم الداخلي.

لا شك أن انفجار بيروت ستكون له تداعيات كبيرة على المنطقة وخاصة أن كثيرا من الحكومات ستعيد ترتيب أوراقها وخاصة في لبنان، والعراق الذي يعاني من انتشار مخازن الأسلحة فيه دون سيطرة للدولة عليها، وأعتقد أن نفوذ حزب الله في لبنان سيتأثر كثيرا بالسلب وستضعف قوته كثيرا بسبب زيادة الرقابة الدولية على المنطقة التي ستستغل هذا الحادث لصالحها وستفرض المزيد من الرقابة والقيود.

أما لبنان فسيستعيد عافيته نتيجة التعاطف الدولي والأممي معه وسيحصل على المزيد من المساعدات والدعم الذي سيعزز اقتصاده ويكسر الركود السائد فيه، أما أمريكا فإنها ستستغل هذه الحادثة لزيادة بسط نفوذها في المنطقة وزيادة قواعدها بحجة حماية الشعوب العربية وبالمحصلة سيكون العرب هو الخاسر الوحيد في كل هذه المعادلة.

           جلل مصابك يا بيروت يبكينا                       يا أخت بغداد ما يؤذيك يؤذينا

       عضي على الجرح يا بغداد صابرة                   بيروت تعرف ما فيها وما فينا

وسوم: العدد 890