نفسيات كشف غطاءها القرآن
- 3 -
التحذير من القنوط
يقول الحق تبارك وتعالى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ، فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ. وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَـفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّـهُ. كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْــرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْـمَـلُونَ). {سورة يونس: 11، 12}.
هذه آيات قرآنية نفسية كاشفة تُرينا أن الإنسان إذا ما نزلت به الشدائد ووقع في المآزق، وألفى نفسه بين رحى المصاعب التي تكاد تطحنه، عندئذ تضيق الدنيا الواسعة في عينيه، ويرى السبل الواضحة وقد انبهمت عليه، ويسوَدّ العالم أمام ناظريه، وتتأزم نفسه فتدفعه إلى الانهيار واليأس والاستسلام للأفكار السوداء، ويستعجل الشرَّ لأهله وذويه، ويستعجل أيضاً نهايته لعلها تضع حداً لما هو فيه، فيدعو على نفسه أو على أهله أو على ماله، يدعو دعاءً كلُّه شر وكله غُرم وضيم، ولو استجاب الله دعاءه لأهلكه وقضى على أهله وماله وولده... ولكن الله العفوّ الغفور الحليم الرحيم اللطيف لا يستجيب لمن دعا على نفسه أو أهله رأفة منه على هذه النفس الضعيفة وشفقة على هذه النفس القلقة.
النفس المؤمنة المطمئنة
أما النفس الخيّرة، المؤمنة، التي رزقها الله الهداية والتوفيق والسداد والرشاد، فإنها مستثناة من الوقوع في تلك الهاوية، وهي بمنأى عن الانحراف، لأنها نفس مؤمنة صابرة، نفس وفيّة نقية تقية تحقق الوعد وتنفذ العهد، تدخل في عداد تلك النفوس الصابرة في البأساء، الشاكرة في النعماء، التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجباً لأمر المؤمن، وإن أمره كله لعجب: إن أصابته ضرّاء فصبر كان الصبر خيراً له، وإن أصابته سرّاء فشكر كان الشكر خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن". رواه مسلم.
وعن صور الوفاء بالعهد بعد أن جلا الكرب وزال المكروه ما ذكره محمد بن إسحاق عن عكرمة بن أبي جهل قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ذهب عكرمة فارّاً منها، فلما ركب البحر ليذهب إلى الحبشة اضطربت بهم السفينة فقال أهلها: يا قوم، أخلصوا لربكم الدعاء لا ينجّي هاهنا إلا هو، فقال عكرمة: والله لئن كان لا ينجي في البحر غيرُه فإنه لا يُنجّي في البرّ أيضاً غيره، اللهمّ لك عليّ عهد لئن خرجت لأذهبنّ فلأضعن يدي في يد محمد فلأجدنه رؤوفاً رحيماً. فكان كذلك.