السر وراء تهافت وهرولة دول خليجية على التطبيع مع الكيان الصهيوني
عندما أذاعت مختلف وسائل الإعلام العالمية والعربية نبأ إقدام دولة الإمارات على التطبيع مع الكيان الصهيوني زعم النظام الإماراتي أن التطبيع جاء مقابل وقف الكيان الصهيوني المحتل ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية ، ولم تمض سوى لحظات فليلة حتى كذّب رئيس وزراء الكيان الصهيوني ذلك مؤكدا أن التطبيع هو سلام مقابل سلام، وليس سلاما مقابل الأرض ، ولم يعقب النظام الإماراتي على ذلك .
ولما حذا النظام البحريني حذو النظام الإماراتي في التطبيع ، وكان ذلك متوقعا لأن النظام البحريني كان أول من بارك التطبيع بين الكيان الصهيوني وحكام الإمارات ، لم يجد مبررا لإقدامه على التطبيع سوى القول أنه سيفضي إلى سلام في المنطقة مرددا مقولة رئيس وزراء الكيان الصهيوني .
وكما تتوقع الإدارة الأمريكية أو بالأحرى كما تصرح واثقة ستقبل أنظمة عربية أخرى على التطبيع مع الكيان الصهيوني ،ولن يكون في جعبتها ما تبرر به التطبيع سوى مقولة الكيان الصهيوني " السلام مقابل السلام " الذي يعني تحديدا سلام إسرائيل دون تسليم أرض فلسطين لأهلها ، الشيء الذي يعني الإجهاز على خطة السلام العربية المتمثلة في قيام دولة فلسطين ضمن حدود سنة 1967 وعاصمتها القدس الشريف ، وهو أقل حق الشعب الفلسطيني وليس كله .
وما أقدم عليه النظامان الإماراتي والبحيريني هو نقض صارخ لخطة السلام العربية وهو خيانة بكل المقاييس للقضية الفلسطينية التي قضية الأمة العربية قاطبة ، وليست قضية الشعب الفلسطيني وحده .
ومعلوم أن الإدارة الأمريكية تقف وراء توقيع الإمارات والبحرين التطبيع مع الكيان الصهيوني ، وقد بدأ التخطيط ذلك بخطوة اعتراف تلك الإدارة بالقدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني ثم بخطوة إعلان ما سمي بصفقة القرن في العاصمة البحرينية ، الشيء الذي يعني أن التطبيع له خطوات تأتي تباعا وقد تم التخطيط لها في مواعيد محددة تم اختيارها حسب الظروف التي يمر بها العالم . ولقد جاء إعلان تطبيع الإمارات والبحرين في ظرف الجائحة التي ألمت بالعالم و فرضت عليه الحجر الصحي، الشيء الذي حال دون خروج الشعوب العربية إلى الشوارع للتعبير عن غضبها كما كان شأنها في السابق كلما تعرضت القضية الفلسطينية للتهديد الصهيوني المدعوم أمريكيا وغربيا بشكل أو بآخر . ففي هذا الظرف بالذات جاء الإعلان عن فضيحة التطبيع ،ومن المتوقع أن تستغل هذا الظرف أنظمة عربية أخرى كما صرحت بذلك الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني واثقين بذلك كل الوثوق انطلاقا من معطيات دون شك.
ومن المؤكد أن الأنظمة التي أقدمت أو ستقدم على التطبيع خضعت لضغط أمريكي من المرجح أنه خيار بين بقائها في السلطة بقبول التطبيع وبين زوالها إن هي رفضته ، وهو ما يقلق تلك الأنظمة المتسلطة على شعوبها والفاقدة لمصداقيتها عندها .
ومعلوم أن خوف أنظمة خليجية من الزوال هو الذي أفضى بها إلى خيار التطبيع ،علما بأنها قد تورطت من قبل في الإجهاز على ثورات الربيع العربي، وأنفقت على ذلك أموالا طائلة ، ودخلت في حروب من أجل دعم الثورات المضادة لثورات الربيع العربي توجسا وخوفا من عدوى هذه الأخيرة المهددة لوجودها الهش ، وكان ذلك بإيعاز من الإدارة الأمريكية التي كانت تخطط لخلق الظرف المناسب لتمرير ما سمته صفقة القرن ، والتي يراد بها إنهاء القضية الفلسطينية نهاية سعيدة بالنسبة للكيان الصهيوني المحتل .
ولا شك أن بداية مسلسل التطبيع هو أول هذه النهاية السعيدة بالنسبة للكيان الصهيوني الذي يرى في التطبيع حدثا تاريخيا له ما بعده ، وهو بداية زوال أنظمة الملح المطبعة معه .
والذي لم تضعه الأنظمة المهرولة للتطبيع مع الكيان الصهيوني في حسابها أن القضية الفلسطينية قضية دينية وعقدية بالنسبة للأمة الإسلامية عربا وعجما ، وأنه من الوهم والخيال تصور نهاية لها بتطبيع يكون لصالح الكيان الصهيوني المحتل .
ومن المؤكد أن الكيان الصهيوني ومعه الإدارة الأمريكية يعلمان علم اليقين أن التطبيع بينه وبين أنظمة عربية صفقة خاسرة نظرا لفقدان تلك الأنظمة مصداقيتها عند شعوبها ، وهو يعلم علم اليقين أن بقاء أو زوال تلك الأنظمة يتوقف على دعمها للقضية الفلسطينية ، وليس على التخلي عنها .
ولا شك أن الكيان الصهيوني قد استفاد درسا من معاهدة كامب دافيد ، ومعاهدة وادي عربة التي لم تحقق له ما كان يريده لأن الشعبين المصري والأردني كباقي الشعوب العربية لم يتغير موقفهما من القضية الفلسطينية، الشيء الذي يقلق الكيان المحتل ويقض مضجعه . ولن يكون تطبيع الدولتين الخليجيتين معه مختلفا عن كامب دافيد ووادي عربة ، ولا تطبيع دول أخرى ينتظر منها التطبيع، لأن القضية الفلسطينية قضية دينية راسخة في ضمير الأمة العربية المسلمة .
ومن المتوقع انهيار الأنظمة المطبعة تباعا رغم احتمائها بالإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني لأنه لا عاصم لها من الله عز وجل ولا من شعوبها التي تشتاط غضبا من خيانتها لقضية دينية قبل كل اعتبار .
وليس الخطر المهدد لتلك الأنظمة هو النظام الإيراني كما تزعم لتبرير إقدامها على التطبيع لأنه نظام لا يختلف عنها فسادا واستبدادا وقهرا للشعب الإيراني بل الخطر المهدد لها هو شعوبها التي تتطلع إلى ديمقراطية حقيقية وذلك باختيار من يحكمها ،وإلى حياة أفضل ، وإلى حرية تفكير وتعبير ، وإلى قضاء مبرم على الفساد بكل أنواعه ،وعلى رأسه الفساد السياسي والذي هو أصل كل فساد .
ومعلوم أن رهان الأنظمة على غير شعوبها رهان فاشل ينتهي لا محالة بزوالها ،وفي التاريخ عبر لها إن كانت تعتبر . وإن هذه المغامرة الخطيرة التي أقدمت عليها الأنظمة المطبعة مع الكيان الصهيوني واحدة من الأسباب القادحة لثورة شعوبها كما تنبأ بذلك المصلح الكبير عبد الرحمان الكواكبي رحمه الله في كتابه :" طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد " وقد عدّد عددا من عوامل وأسباب نجاح ثورات الشعوب على أنظمتها المستبدة مستقرئا في ذلك التاريخ قديمه وحديثه .
وسوم: العدد 894