درس في الواقعية السياسية لنبذ العقل المثالي
كتابان تعلمت منهما الكثير من الواقعية السياسية . وربما كانت السيرة النبوية الشريفة أولى بالذكر ، ولكن احتكارها من قبل المثاليين ، يجعلنا نوفر على أنفسنا أمر اللجاجة معهم . فبعض الناس يعتبرون الإسلام حديقة بيت جدهم الخلفية ، ويرجمون بحجر التفسيق والتكفير كل من يقترب منها .
وأعتبر أن أجيال الأمة بحاجة إلى دراسة هذين الكتابين التراثيين لتخرج من رهق العقل المثالي ، الذي طبع هذه الأجيالَ عليه الكثيرُ من الأدعياء القاصرين .
الكتاب الأول في الحرب والسياسة والتحرير والمناورة في سيرة الناصر صلاح الدين كما رواها القاضي ابن شداد ..
ذاك كتاب أقترح دراسته وتدريسه لكل أجيال الأمة ، والشباب المسلم منهم بشكل خاص .
لأن فقه أن المسلم بمجرد كونه مسلما يصبح قادرا مقتدرا على كل شيء قدير أرهقنا ، وأرهق العقول والقلوب. فقه أننا يمكن ان ننتصر بمجرد أن نطبق سنة السواك من أغصان الشجر أوردنا الموارد .
وتذكرون الحكاية : تأخر النصر عن المسلمين ، فلم يراجعوا خططهم ، وإنما راجعوا التزامهم ، فتذكروا أنهم في غزوتهم هذه قد نسوا سنة السواك ، فتوجهوا إلى أغصان الشجر ليستاكوا فهرب العدو خوفا منهم ، وكم انفعلت بهذه الحكاية وأنا فتى صغير .
ثم كبرت فقرأت حكايات حروب الردة ، وكم استشهد من الصحابة وقراء القرآن حول حديقة مسيلمة ، التي لقبت بحق حديقة الموت . وكان في الصحابة يومها البراء بن مالك شقيق انس بن مالك ؛ الذي يقول عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر الأشعث الأغبر ذَا الطمرين الذي لو أقسم على الله لأبره ؛ أي لوفى الله له بقسمه وأجاب دعاءه ، وذهب إليه الصحابة يوم الحديقة يستنجدون بدعائه ، فقال لهم : احملوني فوق سور الحديقة وألقوا بي على العدو يا إخوتي وفعلوا وقاتل دون الباب وحيدا حتى فتح الله على يديه - اقرأ حكايته كاملة من كتاب خالد محمد خالد رجال حول الرسول فإنها تهز العقول والقلوب -
قرأت سيرة الناصر صلاح الدين ، ورأيته يكر ويفر ، هل نعلم معنى يفر ، ويتقدم ويتأخر ، ووووو
ثم عززت ذلك بدراسة كتاب الحروب الصليبية برؤية المؤرخ الفرنسي " ستيفن رنسيمان " من مجلدين كل مجلد من ٨٠٠ صفحة . وتعلمت من الكتابين كيف يصنع القادةُ التاريخ بالعقل والفكر والعزيمة والجد والتضحية والشجاعة ..!!
وليس كما يقولون لكم بالاتكاء على الأرائك وبقية الكلام الذي تحفظون . وصفّ رسول الله صلى الله عليه يوم بدر الصفوف ، وأحكم الخطة ، ووزع الأدوار ، ثم وقف تحت العريش يدعو حتى سقط رداؤه عن منكبيه .
في كل موضع من القرآن الكريم تقريبا - خلا موضعا أو موضعين ، ذكر الله فيه الذين آمنوا عطف عليهم وعملوا الصالحات . وفِي هذا دليل قوي لمذهب الأحناف رضي الله عنهم . في التمييز بين الإيمان والعمل ، لأن المغايرة من مقتضيات العطف . وأنا كلما سمعت قائلا يقول : إن السوريين في ثورتهم هذه لم يكونوا على مستوى الإيمان المطلوب ؛ أرد على القائل : ولا تبخسوا الناس أشياءهم ، بل القيادات السورية التي تولت أمر هذه الثورة لم تكن على مستوى العمل المطلوب . عمل الصالحات في الإحكام والإبرام ..فلا تتهموا الشهداء ولا المصابين ولا المكلومين !!
وما أعظم ما جاد به مليون شهيد ومن خلفهم ملايين الأمهات والآباء والأبناء والزوجات من السوريين . ولن يضيع الله إيمانهم لجوده وفضله
والكتاب الثاني الذي تعلمت منه الواقعية السياسية كتاب " الاعتبار " للأمير أسامة بن منقذ في تقريب بعض المداخلات الحضارية . بين الأعداء . في الصبر والتضحية والإيثار والغداء وأشياء أخرى من العلاقات يضيق عن ذكرها المقال .
وربما أشياء كثيرة قرأتها في كتاب ابن شداد ثم في كتاب ابن منقذ فسبق إلى عقلي وقلبي إنكارها .. وغالبا ما أرجع إلى نفسي إن المعلم حين يعلمك لا يسترسل معك بهواك ..فيعلمك فقط ما تحب . تعليم المعلم ليس ترنيمة أم تنام على وقعها لتحلم بالجميل ، وفِي بعض العلم صاب وعلقم وتعلم الكثير مما هو كره لك . وقد أخبرنا ربنا أنه كتب علينا أشياء وهي كره لنا . وقال : (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) .
قليلا من الواقعية العملية يا عباد الله ..واتقوا الله في شعب أرداه تبشيركم الخاطئ ، وتعليمكم المتمادي والمتجاوز حدود ما أنزل الله وتذكروا قول الله
(وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ)