الفقيه والمؤرّخ المهدي البوعبدلي من خلال مراسلاته
08تشرين12020
معمر حبار
- اشتريت الكتاب وقرأته بتاريخ: الجمعة 18 محرم 1440 هـ الموافق لـ 28 سبتمبر 2018، والآن يعيد صاحب الأسطر ترتيب، وتنظيم قراءاته، وملاحظاته، وتعليقه على الكاتب والكتاب، ويقدّمها بين يدي القارىء، والناقد الكريم:
- الكتاب هو: "المراسلات" للمفتي المؤرّخ المهدي البوعبدلي رحمة الله عليه، عالم المعرفة، الجزائر، الطبعة الأولى، 2013، من 477 صفحة.
أوّلا: عظمة الإبن من عظمة الأب:
- وقف صاحب الأسطر مطولا على مراسلات الفقيه، والمؤرّخ المهدي البوعبدلي رحمة الله عليه، ورضوان الله عليه مع أبيه الفقيه أبي عبد الله، حيث الأدب، وطاعة الوالدين، ومخاطبته بأسمى عبارت الاحترام كقوله: سيدي. ولا يقطع أمرا دونه، ويستشيره في شؤونه، ويقدّم له خلاصات عن الدروس التي تلقاها، ويشرح له جديد جامع القيروان، ويبلّغه سلام العلماء والفقهاء، ويطلب منه في كلّ رسالة الدعاء والتوفيق.
- ظلّ الأب يمدّ الابن بما يطلب من مال، ويوجّهه نحو الأفضل، ويحذّره من الكسل في طلب العلم ، ويوصيه بالتمسّك بدينه وصلاته ومجالسة العلماء.
- أفهم الآن سرّ عظمة الفقيه، والمؤرّخ مفتي الأصنام بعد زلزال الأصنام 10 أكتوبر 1980. فقد كان ولدا صالحا قبل أن يكون الفقيه، والمؤّرخ الذي يستعين به الأستاذ أبو القاسم سعد الله رحمة الله عليه في البحث، والتحقيق، والمقارنة، والتأكد.
ثانيا: جرائم الاستدمار الفرنسي:
- جاء في " صفحتي 182-183، أنّ الأستاذ عبد السّلام التونسي زار قسنطينة سنة 1932، فراسل زميله الفقيه، والمؤرّخ البوعبدلي قائلا: وقد أحزنني ما رأيته مكتوبا على باب جامع الكتاني: "جدّد هذا المسجد العظيم، بأمر من السّلطان الأفخم، الأعزّ الأكرم، سعادة الأنبرور نابليون الثالث (خلّد الله ملكه) سنة 1861". أقول: هذه عيّنة تبيّن بوضوح كيف كان يتعامل الاستدمار الفرنسي مع الجزائريين، ومن خلال أقدس المقدسات وهو الدين والمساجد.
- جاء في صفحة 183: في حديقتين عموميتين بقسنطينة سنة 1932: "صور ثلاث حجرية باللّباس الجزائري. الأوّل من اليمين رجل أعمى ماسك بزرنة أو زكرة، والذي يليه ماسك بدربوكة وأيضا أعمى، والثّالث ماسك ببندير وأيضا أعمى". أقول: الجزائري في نظر المستدمر الفرنسي لا يعدو كونه مجرّد أعمى لا يفقه شيئا، ولا يعرف غير اللّهو، والعبث، والرقص. ويتم ترسيخ هذه الصورة عمدا، وعبر 132 سنة من السّطو، والنهب، والاحتلال وعبر وسائل الإعلام الاستدمارية في الجزائر المحتلة، وحين تتحدّث فرنسا المحتلّة مع الخارج بشأن الجزائريين المحتلين.
ثالثا: عظمة الإمام، والفقيه، والمفتي في إتقانه للّغات الأجنبية :
- صاحب الأسطر وهو يواصل قراءة كتاب: "المراسلات" للمفتي المؤرّخ المهدي البوعبدلي رحمة الله عليه صفحات 253-259، استوقفته الملاحظات التّالية:
- رسالته باللّغة الفرنسية إلى حاكم العام بالجزائر، وحاكم قسنطينة، ونائب حاكم بجاية بشأن طلب منصب مفتي وهران، والانتقال من بجاية إلى وهران.
- واضح جدّا ومن خلال رسالته بخط يده، أنّ الإمام الفقيه، والمفتي، والمؤرّخ المهدي البوعبدلي، يتقن جيّدا اللّغة الفرنسية. ومن كان في روعة هذا الخطّ، وأسلوبه العالي جدّا لا محالة يتقن اللّغة الفرنسية شفاهة.
- أريد أن أقول: عظمة الإمام، والفقيه، والمفتي في إتقانه للّغات الأجنبية. وأفهم الآن سرّ عظمة الفقيه، والمؤرّخ المهدي البوعبدلي الذي تعلّم منه الأستاذ أبو القاسم سعد الله الكثير، وأخذ بتصويباته في بعض كتبه، وأرائه فيما يخص بعض الشخصيات، وبعض الأحداث التاريخية كما اعترف بذلك الأستاذ سعد الله بذلك[1].
رابعا: متى يعود مفتي الجزائر؟
- كان لولايات الجزائر إبّان الاحتلال الفرنسي "مفتي" تعرف به، ويعود النّاس إليه في أمور دينهم، كـ: مفتي بجاية، ومفتي الأصنام، ومفتي العاصمة، ومفتي وهران، وهكذا.
- أوّل عمل قام به الاستدمار الفرنسي حين دنّس الجزائر بأقدامه هو إلغاء منصب "المفتي العام للجمهورية"، ومن يومها ما زال وإلى غاية كتابة هذه الأسطر منصب "المفتي العام" غير موجود بالجزائر.
- المطلوب الآن وعلى جناح السرعة إعادة إقامة منصب "المفتي" حسب كلّ ولاية ليكون المرجع الموحّد لسكان الولاية في أمور دينهم، فيجتمع سكان الولاية، والمتعاملين معها على مذهب السّادة المالكية رضوان الله عليهم جميعا الذي جمع، ومازال يجمع الجزائريين في انتظار إعادة إقامة منصب "مفتي الجمهورية" يجمع كلّ الجزائريين على مذهب السّادة المالكية، ويوحّد مرجعيتهم، ويبعد عن الجزائر الفتاوى المستوردة التي ألحقت أضرارا بأمن وسلامة واستقرار الجزائر.
- كلّ الدول بما فيها الدول الأعجمية لها مفتي تعود إليه، وكلّ الدول لها مذهب تعود إليه عبر مفتي الجمهورية كالمذهب الشافعي بالنسبة للأزهر، والمذهب الحنبلي بالنسبة للسّعودية، والمذهب المالكي بالنسبة لدول المغرب العربي، ولم يبق غير الجزائر التي تنتظر "مفتي الجمهورية" ليجمع الجميع على مرجعية الجزائر منذ قرون، والمتمثّلة في مذهب السّادة المالكية رضوان الله عليهم جميعا.
- لا أعرف لحدّ الآن الأسباب التي تدفع الجزائر لعدم إعادة إقامة منصب "مفتي الجمهورية"، لكن أظلّ أصرّعلى عودة المفتي الذي يجمع، ويوحّد، ويحترم عادات، وتقاليد، وأعراف المجتمع الجزائري، ولا يتدخل في شؤون الدول الأخرى، ويعين الغير حين يستنجدون به، ويحترم اختلاف أسيادنا الصحابة، والتّابعين، والسّلف الصّالح، والمذاهب الإسلامية، ويأخذ منها مايعزّز أمن، وسلامة، واستقرار الجزائر.
- طبعا، المفتي يفتي ضمن لجنة الفتوى التي تضم المختصين من كلّ التخصات ودون استثناء - أقول دون استثناء-.
خامسا: الأمير عبد القادر
- جاء في الكتاب أنّ الأمير عبد القادر رحمة الله عليه ختم قراءة صحيح البخاري وصحيح مسلم . 313.
- كتب الأمير عبد القادر بخطّ يده: " ختمت صحيح البخاري أربع مرّات، بعضه رواية، وبعضه دراية، وأنا الفقير إلى مولاه، كثير الذنوب والأوزار، عبد القادر بن محي الدّين المختار الرّاشدي..." 318.
- قال الضّابط الفرنسي St Tartareant: "إنّ الأمير عبد القادر يخصّص أوقات فراغه للنّسخ، وذلك حتّى في أيّام محاربته للعدوّ" .318
سادسا: ملاحظات القارئ المتتبّع:
- واضح جدّا أنّ الأستاذ أبو القاسم سعد الله رحمة الله عليه استعان كثيرا بما قدّمه له المفتي، والمؤرّخ، والفقيه المهدي البوعبدلي، حيث كان يتّصل به ويسأله عن الشخصيات، والكتب، والمقارنة، وبعض التفاصيل التي تهم دراساته.
- فضل المؤرّخ المهدي البوعبدلي على الأستاذ سعد الله قائم واضح. اعترف به أبو القاسم سعد الله في كتابه: "رسائل في التراث والثقافة" التي ضمّت رسائل بينه وبين البوعبدلي، وجاء ذكرها أيضا في كتاب: "المراسلات" للمؤرّخ المهدي البوعبدلي.
- ضمّ كتاب "المراسلات" 153 رسالة لجزائريين، وعرب من المشرق والمغرب، وفرنسيين، وغربيين.
- امتازت رسائل الجزائريين والعرب جميعا ودون استثناء على المبالغة في ذكر الألقاب، والإطالة في المقدمة، والإطناب في الخاتمة، والتبرير أثناء الغياب وعدم الحضور وتلبية الدعوة.
- امتاز الفرنسيون، والغربيون بالكتابة المباشرة، والاختصار الدقيق، وعدم التبرير، وكثرة المعلومات الدقيقة، والمباشرة، والمفيدة جدّا، والخاتمة التي لا تحتوي على أكثر من "شكرا"، "سلامي"، "محبتي".
- سبق لصاحب الأسطر أن تتطرق للكتاب من زاوية محدّدة تتمثّل في رفض الجزائري كتابة الأسماء، والاكتفاء بالرموز وقارنها حينها بكتابين مذكورين في المقال. واستنكرنا -وما زلنا- على المحقّق حذفه لاسم بعينه زاعما أنّه يندرج ضمن الخصوصية التي يجب حذفها وعدم إعلانها[2].
- يشمل الكتاب فترة الثلاثينات، والأربعينات، والخمسينات، والستينات، وإلى ما بعد استرجاع الجزائر للسيادة الوطنية، وإلى غاية وفاة المفتي، والمؤرّخ المهدي البوعبدلي رحمة الله عليه.
[1] للزيادة، راجع من فضلك كتاب: "مراسلات الشيخ المهدي البوعبدلّي 1907-1992"، دراسة وتعليق: الأستاذ أبو القاسم سعد الله، طبعة ثانية مزيدة ومنقحة، منشورات المجلس الإسلامي الأعلي، من 217 صفحة. .
[2] للزيادة فيما يخصّ هذا الموضوع، راجع من فضلك مقالنا بعنوان: "لماذا الجزائري يحذف الأسماء ويستبدلها بالرموز؟"، وبتاريخ: السبت 3 صفر 1440 هـ الموافق لـ 13 أكتوبر 2018".
وسوم: العدد 897