( التوازن في جوهر الإنسان )
أنت هنا الآن ما عاد باستطاعة رأسك أن يتكئ على كفك فهي مبتورة! خانتك قوتك التي طالما راهنتَ على امتلاكك إياها طوال حياتك! مازلتَ تقاوم خسارتك لكل ما ظننتَ أنه ملكك ، وليس لأحد بمقدوره انتزاعه منك. لستُ أدري ما إن كان هنالك عدل حقيقي بين تعامل الناسِ في حياتنا هذه!
كبرتُ وأنا أشاهد القمع والظلم والاستبداد بمختلف أشكاله يمارس دون أي رحمة . بيدِ قوةٍ منزوعة الضمير لستُ أدري ما إن كان الأمر سيطول، وحقيقة لا علم لي بتوقيت النهاية! من يدري لعلّ النهاية ليست بوشيكة وقد تكون هناك أجزاء أخرى لسلسة أحداث جديدة قد تتبدل الأدوار وتُمنح القوة هذه المرة لمن اغتيلتْ حريتهم ، وسلبت منهم أحلامهم، قد يمنحون فرصة جديدة، وحيدة ، أخيرة لعل قضاء الله وقدره النافذ يحالفهم . فيرشدهم حدسهم نحو بداية جديدة تغيّر قوانين اللعبة ! وليعيش ذاك المستبد الظالم تحت وطأة حربهم التي ستكون - هذه المرة- عادلة مرضية.
في لحظة ما نشعر بأننا جميعنا ضحايا. ونشعر في مرة أخرى أننا جميعنا جلادون ، لأننا نرى في عصر الحضارة العابثة أن كلّ من تقلّد السلطة جار من خلالها بشكل أو بآخر على من حوله. جميعنا نبدو أفرادا صالحين ولكن لعنة الترأّس تلحق بنا بمجرد انتمائنا لتلك الأماكن ، وارتباط أسمائنا بها ، فنتحوّل إلى شخصيات مختلفة ، بعضها يسحق البعض الآخر ، حتى القيم التي لطالما تبنّاها طمعا وانبهارا بزينة حياتنا الدنيا تسحق أيضا فالظالم لايفرق بين القيم وأصحابها . نعم هذا ما يحدث غالبا لأولئك الذين يبدؤون حياتهم بمجموعة مثاليات ، تشدّ سامعيها وتجذبهم إلى أن يصبح لديهم من يناصرهم ويقف من ورائهم صفا مرصوصا ، ولو لبعض الوقت . ثم ما إن يستلم سلطة ما حتى يكشر أن أنيابه وتظهر نواياه الخبيثة يلتهم قدر ما يشاء بمبررات واهية. ولكن مهلا فدولاب الحياة يدور سريعا ليعيد كل فرد لنقطة بدايته إن على مسار الخير أو على أشواك الشر والأذى لبني الإنسان .
ولقد علمتُ أن استقامة الذي يتقلد قيادة مسيرة ما أن يدرك وبعمق مكانة هذا الإنسان في الحياة ، ويعي أسرار وجود هذا الإنسان على وجه هذه الغبراء ، وأن يكون أهلا لتقويم الاعوجاج المجتمعي إن تراءى له بحال من الأحوال . فإن الله لم يخلق الإنسان عبثا ، ونفخة الروح في جسده الطيني ليست بالأمر العابر أو العادي ، وإنما لها دلالات ، وعلى هذا الإنسان مسؤوليات ، وتكبر هذه المسؤوليات كلما ارتدى أيُّ إنسان لباسها . أهبط الله آدم وحواء بعد أن تاب عليهما ، وأكرمهما بنصائح ربانية لاتقد بثمن مما وجد معهما على الأرض ، وكلفهما بتكاليف ، ونهاهما من الانسياق خلف الشيطان الرجيم المطرود من رحمة الله لكبريائه وحسده وغروره .
إن للشيطان أرجوحة ، ظاهرها يغري ، وما وراءها مخيف ومرعب ، ولن يصل الإنسان إلى مقام الإنسانية العادلة ذات الحُنو إلا إذا نأى عن أرجوحة الشيطان ، لكي يحافظ على توازنه وقدراته الموهوبة له من الله . يقول أحد المفكرين : ( إن التوازن في جوهر الإنسان مطلب أعلى في الإسلام ، لأنه يؤدي إلى توازن في المجتمع وفي الإنسانية كلها بعد ذلك . بقدر ماتسعف الطبيعة البشرية ، و وسيلة الإسلام في ذلك أن يمسك بالإنسانمن خيط الصعود ليساعده على موازنة الثقل الذي يجذبه إلى الأرض . ولكنه لايعنف في جذبه إلى أعلى حتى يمزق أوصاله أو يقطع مابينه وبين الأرض من صلات . لأنه حين ذلك يفقده التوازن المنشود ) .
وسوم: العدد 898