نبعُ السلام في مُستَهَلّ سنتها الثانية
عامٌ مضى على بدء عملية (نبع السلام)، لإنشاء منطقة نفوذ أخرى، ضمن مناطق النفوذ التي تخطط لها تركيا في الجغرافية السورية، أسوة بالأطراف الأخرى المتدخِّلة فيه، ريثما يشهد الملف السوريّ الحلحلة المنتظرة فيه.
ففي: 9/ 10/ 2019، أطلقت تركيا عملية (نبع السلام) شرق الفرات، بمساندة من الجيش الوطني السوريّ، بعد سلسلة تفاهمات توصلت إليها من الراعيين الأساسيين للملف السوريّ (أمريكا وروسيا).
وقد بررت خطوتها هذه استنادًا إلى حقها الشرعي في الدفاع عن النفس، بموجب المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، لضمان أمن حدودها.
إنّه بغض النظر عن جردة الخدمات التي قدمتها الحكومة والمنظمات الأهلية التركية للمنطقة، فهناك عدة أمور يمكن أن تستوقف المراقبين، منها:
- أنّ القوات المتدخلة سواء من الجيش الوطني السوري أو القوات التركية، قد توقفت شمال الطريق السريع (M4)، وهو أحد أكثر الأهداف استراتيجية، التي جرت العادة أن تتوقف عنده تركيا في توغلها في عمق الأراضي السورية، وهو ما يطرح استفسارًا مهمًّا يعيد إلى الذاكرة ما يقال عن أنّ اتفاقية أضنة في ملاحقها السرية، تعطي الحق لتركيا في التوغل في الأراضي السورية بعمق يصل إلى (30- 35 كم)، أي بما يقترب من (M4) أو يوازيه، ليكون حدًّا فاصلاً بينها وبين الوحدات المتمركزة مقابلها، سوريةً كانت أو غير ذلك، وهو ما لوحظ في خارطة التموضع لآخر التحركات الميدانية في إدلب؛ ما جعل المراقبين يبنون كثيرًا من توقعاتهم على أنّ المناطق التي هي جنوبه، وكذا التي على جانبي (M5)، قد صارت ضمن مناطق تحالف النظام إلى حين الإفصاح عن ملامح التسوية المنتظرة في الملف السوريّ، وبناء على ذلك فإنّ على جموع النازحين من أبناء تلك القرى والبلدات أن يتكيَّفوا مع هذا الواقع، ولا يعوّلوا كثيرًا على سيل الوعود بإعادتهم إلى بيوتهم في القريب العاجل.
- أنّ أية تحركات تركية في الملف السوريّ، هي نتاج تفاهمات مع الراعيين الأساسيين لهذا الملف (أمريكا، روسيا)، وحتى الجانب النظامي مطلع على ذلك، وهو ما لوحظ عيانًا في المناطق الأربع (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام، درع الربيع)، التي آل النفوذ فيها إلى تركيا.
ففي: 22/ 10/ 2019، أصدرت (قمة سوتشي) بين تركيا وروسيا، قرارات بشأن شرقي الفرات، واعتبارًا من: 23/ 10/ 2019، اتفقت الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري على إخراج عناصر (ي ب ك)، الذين بقوا خارج منطقة (نبع السلام)، لمسافة (30كم) من الحدود التركية.
وعليه فإنّ ردود الأفعال من الأطراف الأخرى ليست ذات أهمية، ولا ينبغي التعويل على كثير من بيانات الشجب والاستنكار، فمصالح الدول وعلاقاتها البينية تتجاوز كثيرًا من التصريحات وبيانات الشجب والاستنكار.
- أنّ جملة التحركات الخدمية التي تقدمها الحكومة التركية في مناطق (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام)، أي مناطق وجود الحكومة المؤقتة، من دون (درع الربيع)، التي تسيطر عليها حكومة الإنقاذ؛ لتوحي بأنّها تتعامل معهن برؤية متباينة كليًّا عنها، وهو ما يضع كثيرًا من علامات الاستفهام، ويجعل السوريين في حيرة من أمرهم إزاء ذلك.
وسوم: العدد 899