التزام المصلين في أول صلاة جمعة بعد غياب طويل باحترام إجراءات الوقاية من الجائحة دليل على أثر التدين في نفوسهم
خلافا لكل المرافق العمومية، شهدت بيوت الله عز وجل انضباط روادها للإجراءات الوقائية المنصوص عليها من الجهات الصحية المختصة حيث وفدوا عليها بسكينة وانتظام صفوف عند بواباتها وهم يخضعون لفحص درجة الحرارة ، ولتعقيم أيديهم ، ويحملون سجادهم ، ويضعون أحذيتهم في أكياس بلاستيكية محترمين مسافة التباعد .
وقد فعلوا ذلك قناعة منهم بأنهم ضيوف في بيوت الله عز وجل جاءوا لذكره مستشعرين قداسة المكان والزمان مستحضرين حضور ملائكة الرحمان معهم. وقد تتخذ نفس الإجراءات الوقائية في مرافق عامة أخرى لكنها لن تبلغ شأو ما حصل في بيوت الله عز وجل لأن الجميع في مختلف المرافق العامة يحتاطون خوفا من عدوى الجائحة بمن فيهم رواد بيوت الله عز وجل لكن هؤلاء يتميزون عن غيرهم بسمو هدفهم وهو الاجتماع لله تعالى سعيا إلى الذكر الذي أمرهم بالسعي إليه والانصراف عما سواه من أنواع السعي الأخرى . وشتان بين ساع إلى ذكر الله عز وجل وساع إلى بيع أو لهو أو غير ذلك مما يسعى إليه في وقت خصّه الله تعالى للصلة به عبر صلاة مشهودة تشهدها ملائكته الكرام .
وتفنيدا لما زعمه البعض من أن بيوت الله عز وجل ستكون بؤرا للجائحة ، كان التزام المصلين بإجراءات الوقاية من انتشار العدوى في المستوى المطلوب ، وكان السر في ذلك هو الوازع الديني قبل أي وازع آخر لأن دينهم العظيم الذي يربأ ببيوت الله عز وجل أن يرتادها أكلة الثوم والبصل، لا يمكن أن يسمح لحملة فيروس الجائحة بارتيادها احتراما لها طاعة لله تعالى قبل كل شيء ، ومحبة في مرضاته ، واحتراما لرواد بيوته ورحمة بهم وشفقة عليهم .
فإذا ما كان الناس في مختلف المرافق العمومية تحكمهم مصالحهم الدنيوية المختلفة، فيضربون بسبب ذلك عرض الحائط إجراءات الوقاية من الجائحة وشعار كل واحد منهم " أنا والطوفان من بعدي " ، فإن رواد المساجد لهم مصلحة واحدة وهي مصلحة أخروية تتمثل في ابتغاء مرضاة خالقهم سبحانه وتعالى ، وهم يحتسبون الأجر عنده ، ويعلمون سعة فضله، فلا يتنافسون تنافس المتنافسين على عرض الدنيا الزائل ، ويعلمون أن أكثرهم ثوابا وأجرا هو من يطع الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ويعلمون أن أحدهم لا يؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ،إنها تربية دين عظيم ، دين الفطرة السوية التي فطر الله عز وجل الناس عليها .
والمأمول أن يحافظ عمار المساجد التي أعيد فتحها على التزامهم بالإجراءات الوقائية لمنع انتشار عدوى الجائحة ، خلال الصلوات الخمس وخلال صلاة الجمعة يفعلون ذلك ابتغاء مرضاة خالقهم سبحانه وتعالى ، وغيرة على دينهم العظيم الذي يتربص به المتربصون للشماتة به وببيوت الله عز وجل وبعمّارها ، وإنهم ليتمنون ـ خيّب الله تعالى مسعاهم ـ لو صارت بؤرا للجائحة ليعاد إغلاقها من جديد حتى يطول عهد الناس بها ،ولا يعود لتربيتها أثر في المجتمع فتخلو الساحة لغير دين الله عز وجل . ولقد كان اليوم يوم انتكاسة بالنسبة لهؤلاء بالرغم من قلة المساجد التي أعيد فتحها وهم يرون الناس يعمرونها أفواجا ساعة الجمعة ، ويتوجهون إلى خالقهم بصلاح الدعاء عسى أن يكون ذلك بداية رفعه سبحانه وتعالى للوباء ، ولطالما سخر المنافقون الذين يظهرون ما لا يبطنون من المتوجهين إلى الله تعالى بالدعاء ليصرف عنهم الوباء مستخفين بهم ،وهم أجهل ما يكونون بأن بالدعاء حتى الصلاة تعرف بأنها الدعاء ، وأن هذا الأخير هو استدرار عون المولى جل وعلا في كل شيء . ولقد كان أهل الصلاح من الرعيل الأول يسألون الله تعالى حتى ملح الطعام إذا ما أعوزتهم وهم على يقين تام بأنه يستجيب لهم ويعطيهم ما سألوه ، ويحسن العطاء سبحانه وتعالى .
وما أعاد فتح المساجد لصلاة الجمعة إلا ربنا سبحانه وتعالى ، فله الحمد وحده على لطفه ومنته ، وهو المعول عليه سبحانه في رفع بلاء الوباء لفتح ما بقي منها مغلقة أبوابه، وهو القادر على ذلك فنعم المولى ونعم القدير .
وسوم: العدد 899