وقالوا : لن تمسنا النارُ إلا أياماً معدودة
من العجيب أن اليهود يعتقدون صدقاً أو كَذِباً – وقد قالوها- أنَّ النار في الآخرة لن تمسهم إلا أياماً معدودة! بعد كلِّ ما اجترحوه من آثام ، فقلوبهم قاسية ،إذ حرّفوا كتاب ربهم الذي أُنزِل عليهم ،وينافق بعضهم للمؤمنين إذ يدّعون أنهم آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالدين الذي يبشر به ويدعو إليه،وينهون مَن يذكر منهم صفة رسول الله في كتابهم للمسلمين كي لا يتخذها المسلمون حجة في وجوب إسلام اليهود والدخول في الدين الجديد،ويُوبِّخون من يفعل ذلك منهم ، ويحذرونهم أن الإقرار بذلك يعود عليهم حين يلقون ربهم بالخيبة والخسارة، وكأن الأمر يغيب – والعياذ بالله – على الله تعالى!وهو سبحانه يعلم السرَّ وأخفى، كما أن العالمين منهم بصفات رسول الله في التوراة يخفونها عن الأميين الجهلة منهم إبعاداً لهم ان يؤمنوا.
كذبوا أوّلاً حين زعموا أنهم إنْ عُذِّبوا فأياماً معدودة، إذ ادّعَوا أنه لمْسٌ خفيف فقط، ودُنُوٌّ ليس فيه كثير عذاب،أو هو عذاب خفيف.
وسواء كان هذا أو ذاك فالعذاب بحدِّ ذاته عقوبة وتعبيرعن الغضب وتوبيخ وتقريع، وما ينبغي للعاقل أن يتعرّض له، والرضا بالعذاب دليل على إصرارهم على الكفر بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى مخالفته ومعاداته، وهذا هو الكفر بذاته.ولماذا الإصرار على الإعراض وما ذُكِرَت خصال رسول الله في التوراة إلا ليؤمنوا به حين يلقونه؟ وما الإسلام إلا سلوك الدرب الموصل إلى الهدف المنشود.
كما أنهم ما أقاموا في يثرب إلا انتظاراً لمبعثه واتخاذها دار هجرته، وقد كانوا يهددون به الأوس والخزرج ومَن حولهم أنهم - حين يُبعث- سيؤمنون به ويحاربون العرب فيقتلونهم قتل عاد وإرَم ويبيدونهم أو يظهرون عليهم! وكانوا يظنونه يهودياً ، فلمّا بُعِثَ عربياً نكصوا على أعقابهم وعادَوه ،إذ قال حيي بن أخطب زعيم بني النضير لأخيه الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة وعرفه بصفاته وسأله : أنؤمن به؟ قال : لا والله ، إنها العداوة أبداً.
فلمّا سمع عرب المدينة ببعثته كانوا سبّاقين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعلوا بالظالمين الجاحدين من يهود ما فعلوا فقد مكر هؤلاء، وغدروا وتآمروا مع كفار قريش وغيرهم ، وحرّضوا القبائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين ، فنالوا جزاء ما فعلوه.
ولو جاريناهم جدلاً في زعمهم الصبر على العذاب أياماً معدودة، فالمرء لا يتحمل لفحة من نار خفيفة ثانيةً أو ثانيتين ، وهذه نار الدنيا التي تخف عن نار الآخرة سبعين مرّة. فكيف يتحملون نار الآخرة وجحيمها الايامَ والليالي المعدودة بزعمهم. ولئن اتخذوا عند الله عهداً بذلك ، فالله تعالى يحفظ عهده وينفذه سبحانه .
إن يهود كعادتهم يتقوّلون على الله تعالى ويهرفون بما لا يعرفون،فقد أكد المولى منذ الأزل ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)، فليس للكافر المعاند سوى الخلود في عذاب جهنم لقد احاطت بهم دائرة الكفر من كل جانب فقذفت بهم في نار الخلد والعذاب المقيم.
ولن ينجو إلا المسلم الذي آمن بالله ورسوله وعمل صالحاً ، ولا بد من القِران بين الإيمان الصحيح والعمل الصالح فينال المسلم رضاء الله وعفوَه وجنّتَه ( والذي آمنوا وعملوا الصالحات فأولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون).
إن سلامة المرء بصدقه وحُسن عمله ،أمّا الادّعاء فسبيلُ المتنطّعين ، يكُبهم على وجوههم في سقر، وما أدراك ما سقر ، لا تٌبقي ولا تذر.
وسوم: العدد 899