التدافع سنة الله الماضية في صنع التاريخ الإنساني، فلنجعل تدافعنا راقياً وجميلاً
يسميه القرآن الكريم التدافع ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا )
ويجعل القرآن الكريم غاية التدافع إحقاق الحق ، وإزهاق الباطل : ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ) ( لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ )
ويسميه الفلاسفة : الصراع ، الصراع الوجودي والحضاري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي . إنه نوع من تزاحم الأضداد ، وتناقض المصالح . وضرب النقيض بنقيضه ليخرج الثالث الأجمل منهما كما يقول بعضهم ..
وكل ذلك من بعض عوامل السيرورة أو الصيرورة الإنسانية . على الغذاء تتصارع حيوانات الغابة " ماركس " أو على " الإناث " فرويد " أو على أمور كثيرة ، لن يسهل علينا حصرها وتعدادها. ولسنا في سياق الحديث عن " على ماذا نختلف أو نتصارع أو نتدافع " بل في سياق الحديث عن " كيف نختلف أو نتصارع أو نتدافع " ؟؟ وهذا هو هدف هذا المقال .
التفكير الساذج ، أو التفكير الوردي الحالم ، طالما غرر بنا ، أو أردانا ، أو دفعنا إلى طريق يُكره السيرُ فيه . نريد مجتمعا ورديا راقيا لا يختلف فيه مختلفان !!
ولقد كره شعبنا من طريقة بشار الأسد ادعاءه أن الحق كل حق في يمينه أو على لسانه . وأظن من حق أن نتفق أن كل واحد فينا ، فرادى أو جماعات ، يكره أن يكون مثل بشار الأسد أو على طريقته ، لو تأتى له ذلك ، ويرفض أن يكون مثله ولو قدر على ذلك .
وجميل أن نتفق ابتداء على نبذ سياسات الادعاء ، ادعاء ملكية الحق والصواب والوطنية ، ونبذ سياسات الإقصاء والاتهام وإصدار الأحكام ، وان نقبل بسنة التدافع ، أو بعلاقات الصراع ، على أسس من قواعد الحياة المدنية ، في أطرها الإنسانية الأسمى والأرقى .
ثم جميل أيضا أن نتفق على طوباوية الحلم الماركسي في الصيغة النهائية للمجتمع الشيوعي الذي يتماهى فيه النقيض مع النقيض ، أو سذاجة من رأى في صيرورة الديموقراطية – الرأسمالية ، نهاية التاريخ والدخول في عصر السبات الحضاري.
وجميل أن نؤمن ثالثا أن سنة التدافع ستبقى ماضية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . سيبقى هذا التدافع وهذا الصراع ماضيا ؛ حق يدفع باطلا ، وباطل يزاحم حقا ، ليستمر الحراك ، ولنتوقف عن الحلم بالماء الراكد الآسن . ومن جميل ما جاءت به شريعتنا أن الماء الجاري لا يحمل الخبث . بينما الماء ولو كثيرا يأسن ويخبث إذا غلب الخبث على أحد أوصافه من طعم أو لون أو ريح ..
لن تتحول المجتمعات البشرية في كل دوائر وجودها إلى نوع من الجنان ( لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً ) وسكانها ( لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا )
بل ستمضي سنن التدافع إلى غايتها ، وفي أطر أكثر من أن نحصيها ، منها ما هو فكري ، ومنها ما هو هوياتي ، ومنها ما هو سياسي ، ومنها ما هو اجتماعي ، ومنها ما هو اقتصادي ..وسيكون التدافع في دوائر متعددة ، وعلى جبهات مختلفة فلنقبل بذلك ، ولنعترف به ، ثم لنرتقي في أسبابه ، فنقومه ونأنسه ، ونجعله دائما على قاعدة ( بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) .
وأصحاب الأحلام الوردية ، في المجتمعات الطوباوية الخالصة ، التي يحلمون بها تنام على أيديهم ، وتستيقظ على أغانيهم لا يصلحون لهذا..!!
والذين يستعينون على الانتصار لآرائهم بالعصا والحجر ، أو بما فوق العصا والحجر من رصاصة ودبابة وطائرة وبرميل لا يصلحون لهذا .!!
والذين يظنون أن بإمكانهم أن يستعينوا بعصبية جيرانهم من مشير وسفير ووزير ..لا يصلحون أيضا لهذا !!
والمجتمعات التي يُقصى عنها بعض بنيها ، بفعل فاعل ، ومكر مكار ، هي مجتمعات صماء عمياء بكماء .. ولا يصح لها ولاية لا على النفس ولا على الغير ..!!
لقد خلقنا الله مختلفين ..
مختلفين طبقا عن طبق . حالا بعد حال ..
وعلينا أن نقبل بهذه الحقيقة ..
ثم نعمل على تجسير ائتلافنا على أساسها .. ومهما يكن عسر المخاض فسيكون المولود من بعده جميلا..
كل عمليات
وسوم: العدد 899