إلى السيّد ماكرون (9 - 14)
إلى السيّد ماكرون (9):
فرنسا والمجازر الجماعية في الجزائر (أمثلة)
# الاحتلال الفرنسي للجزائر (5 يوليو 1830 - 5 يوليو 1962)
# ا لجزائر قبيل الاستعمار
كان للجزائر قبل الاستعمار أسطول قوي تحكم في البحر المتوسط لمدة ثلاث قرون، ومع مرور الزمن تقادم الأسطول حتى تحطم كليا في معركة نافرين في 1827 عندما ساعدت الجزائر الدولة العثمانية ولم يبقَ منه سوى خمسة سفن، فاغتنمت فرنسا الفرصة لتنفيد مشروعها الاستعماري في الجزائر. كانت الجزائر في القرن التاسع عشر كغيرها من الدول العربية تتبع الدولة العثمانية وإن كانت تبعيتها شكلية فقط .إذ كان لها عَلَمها وقوانيها واسطولها البحري الضارب في حوض البحر الأبيض المتوسط والمُسيطِر عليه ، وكانت علاقتها بالدولة العثمانية علاقة تعاون لا علاقة استعمار. بدأ الوهن يدبّ في الدولة العثمانية (الرجل المريض) وتزايّد طمع الدول الأوربية الاستعمارية فيها وفي أقاليمها حيث وقعت كلها تحت الاحتلال الاوربي بمختلف اشكاله (وصاية . حماية . انتداب . استعمار مباشر).
فرنسا، التي كانت تنوي احتلال الجزائر منذ عهد نابليون بونابرت، استعملت حادثة المروحة كذريعة لاحتلال الجزائر. فهاجمت الجزائر من ميناء طولون بحملة بلغ قوامها 37600 جندي. وصلت هذه الحملة إلى سيدي فرج في 14 يونيو 1830.
# ما هي حادثة المروحة؟
جرت الحادثة في قصر "الداي حسين" الوالي العثماني على الجزائر عندما جاء القنصل الفرنسي "بيار دوفال" إلى قصر الداي يوم عيد الفطر، وهناك طالب الداي فرنسا بدفع الديون المقدرة ب 24 مليون فرنك فرنسي، عندما ساعدت الجزائر فرنسا حين أعلنت الدول الأوروبية حصارا عليها بسبب إعلان فرنسا الثورة الفرنسية. فرد القنصل على الداي بطريقة غير لائقة بمكانته إضافة إلى أن الداي صاحب حق، فردّ الداي حسين بطرده ولوح بالمروحة. فبعث شارل العاشر بجيشه بحجة استرجاع مكانة وشرف فرنسا. وهذه الذريعة كانت السبب في الحصار على الجزائر سنة 1828 لمدة 6 أشهر وبعدها حصل الاحتلال ودخول السواحل الجزائرية.
(حادثة المروحة بين الباشا التركي الداي حسين والقنصل الفرنسي بيار دوفال والتي كانت ذريعة الحرب وتسببت في الحصار البحري على الجزائر العاصمة من قبل البحرية الفرنسية في 1827)
# السبب الحقيقي
أمّأ السبب الحقيقي فهو أنّ فكرة احتلال الجزائر أصبحت فكرة ملحة منذ أن تأسست الشركة الملكية الإفريقية الفرنسية بمينائي القالة وعنابة. خصوصا بعد أن ظهرت الأطماع البريطانية في الجزائر من خلال حملة إكسموت سنة 1816. وفي هذا الإطار كلف نابليون المهندس الفرنسي بوتان سنة 1808 م بإعداد دراسة عن الساحل الجزائري وضبط الخريطة المفصلة لأحسن موقع لإنزال الجيش على التراب الجزائري. أي أنّ الخطة الفرنسية لاحتلال الجزائر وُضعت قبل حادثة المروحة بسنوات طويلة.
# جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر: الإبادة الجماعية- أمثلة على المجازر الفرنسية في الجزائر
ارتكب جيش الاحتلال الفرنسي العديد من الجرائم ضد المدنيين، والتي سمّاها المؤرخون بالرازيا (بالفرنسية: Razzias):
# مجزرة قبيلة العوفية في الحراش
قام العقيد ماكسيميليان جوزيف شوينبيرغ بمجازر كثيرة منها مجزرة قبيلة العوفية من 6 إلى 10 أبريل 1832م قرب الحراش. كما حدثت مجزرة عرش بن ناصر قرب مدينة شرشال والظهرة قرب الشلف.
# مجزرة بني يلمان
أو مجزرة ملوزة كما تعرف، هي مجزرة وقعت في 1957/05/28 ابان الثورة الجزائرية في منطقة مشتة القصبة ببني يلمان الواقعة شمال غرب ولاية المسيلة والتي راح ضحيتها 357 قتيلا تمت تصفيتهم ذبحا ورميا بالرصاص.
# مجازر 8 ماي 1945 : 45000 قتيل احتفلوا بانتصار الحلفاء وطالبوا بإيفاء الفرنسيين بوعودهم
وشملت معظم أرجاء الجزائر. كانت هذه المجازر القطرة التي أفاضت الكأس حيث تيقن الجزائريون أن المستعمر الفرنسي لا يفهم لغة الحوار وكل وعوده وشعاراته بالمساواة والديمقراطية هي شعارات كاذبة ، وما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة. فكانت الشرارة التي مهدت للثورة الجزائرية. وكانت أكثرالمدن تضررا سطيف ، قالمة ، وخراطة.
الوضع في الجزائر قبل مجازر 8 ماي 1945 :
كانت الجهود مبذولة بين أعضاء أحباب البيان والحرية لتنسيق العمل وتكوين جبهة موحدة، وكانت هناك موجة من الدعاية انطلقت منذ يناير 1945 تدعو الناس إلى التحمس لمطالب البيان. وقد انعقد مؤتمر لأحباب البيان أسفرت عنه المطالبة بإلغاء نظام البلديات المختلطة والحكم العسكري في الجنوب وجعل اللغة العربية لغة رسمية، ثم المطالبة بإطلاق سراح القائد مصالي الحاج. وقد أدّى هذا النشاط الوطني إلى تخوف الفرنسيين وحاولوا توقيفه عن طريق اللجان التي تنظر في الإصلاح، وكان انشغالهم بتحرير بلدهم قد أدى إلى كتمان غضبهم وظلوا يتحينون الفرص بالجزائريين ، وكانوا يؤمنون بضرورة القضاء على الحركة الوطنية. وقد وعدوا الجزائريين أيضا إن شاركو معهم في الحرب العالمية الثانية أن يحرّروا بلادهم ، فكان الجنود الجزائريون في الصف الأول في الحرب يعني مجموعة دروع بشرية للجنود الفرنسيين، فخرج الشعب الجزائري في مظاهرات سلمية للتعبير عن فرحه إذ وُعد من طرف المستعمر الفرنسي باستقلال بلاده. لكن هذه المظاهرات قوبات بالعنف واول ضحية لإطلاق الرصاص الحي الشهيد بوزيد سعال.
مظاهر الاحتفال بنهاية الحرب الثانية
شرع زعماء الحركة الوطنية الجزائرية بالتحضير للاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية بالتظاهر. إبتداء من عيد العمال 1 أيار كان الجزائريون يحتفلون في مختلف أنحاء البلاد عن طريق تنظيم تجمعات و مسيرات ليتم إستغلالها كوسيلة ضغط على الفرنسيين بإظهار قوة الحركة الوطنية ووعي الشعب الجزائري بمطالبه، و نجحت المظاهرات في كل القطر الجزائري، ونادى الجزائريون بإطلاق سراح مصالي الحاج، واستقلال الجزائر واستنكروا الاضطهاد ورفعوا العلم الوطني الذي أُنتج خصيصا لهذه المناسبة. وكانت المظاهرات سلمية. وادّعى الفرنسيون انهم اكتشفوا (مشروع ثورة) في بجاية خاصة لما قتل شرطيان في الجزائر العاصمة، وبدأت الاعتقالات والضرب وجرح الكثير من الجزائريين. ولما أعلن عن الاحتفال الرسمي يوم 7 أيار ، شرع المعمرون في تنظيم مهرجان الأفراح، ونظم الجزائريون مهرجانا خاصا بهم ونادوا بالحرية والاستقلال بعد أن تلقوا إذنا من الإدارة الفرنسية للمشاركة في احتفال انتصار الحلفاء.
نتائج المجازر
كان الرد بقمع المظاهرات التي نظمها الجزائريون وارتكاب المجازر في حق السكان الأصليين، وذلك بأسلوب القمع والتقتيل الجماعي واستعملوا فيه القوات البرية والجوية والبحرية، ودُمرت قرى ومداشر ودواوير بأكملها. نتج عن هذه المجازر قتل أكثر من 45000 جزائري، دُمرت قراهم وأملاكهم عن آخرها. ووصلت الإحصاءات الأجنبية إلى تقديرات أفظع بين 50000 و70000 قتيل من المدنيين العزل فكانت مجزرة بشعة على يد الفرنسيين الذي كثيرا ما تباهوا بالتحضر والحرية والإنسانية. ويعود التضارب في عدد القتلى إلى تحاشي السلطات الإستعمارية في 1945 تسجيل القتلى في سجلات الوفيات هذا إذا كانوا فعلا متوفين. لهذا السبب لازالت بعد الاستقلال طلبات تسجيل الوفيات تبت في محاكم الجزائر المستقلة لسنة 2013.
# مجزرة ملعب سكيكدة 23 آب 1955 : 12000 قتيل
بعد أن تمكن جيش التحرير من توجيه ضربة خاطفة للمراكز الاستعمارية الفرنسية عبر كامل أنحاء الشمال القسنطيني في 20 آب 1955، لجأت قوات العدو والمدعمة بالمستوطنين وتوجيهات سلطاتها السياسية إلى شن عمليات انتقامية وقمعية رهيبة ضد المدنيين الجزائريين في المناطق التي شهدت الهجومات في كل من سكيكدة وعين عبيد والميلية والحروش والسمندو، خلفت مجازر جماعية بلغ عدد ضحاياها مايقارب 12 ألف جزائري ، حيث نشرت جبهة التحرير حينها قائمة اسمية لعدد الضحايا. وما يزال يتذكر احد معاصري الحدث والذي يُدعى ” بوزيد الشبل ” أحداث المجزرة حيث يقول: ” بعد هجومات المجاهدين الشاملة والخاطفة، أعلنت قوات العدو حالة الطوارئ في كامل أنحاء المدينة – أي سكيكدة – وفي حدود الساعة السادسة مساءً أعلنت قوات العدو حالة استنفار قصوى وراحت تعتقل المواطنين جماعيا، وفي البداية سيق حوالي 1500 مدني إلى ملعب كرة الطائرة تحت الضربات والرفس بمؤخرة البنادق والأيدي المرفوعة فوق الرؤوس"
…وفي يوم الأحد 21 آب 1955، شرع رئيس بلدية سكيكدة "كروفو" بالإشراف على عملية الفرز التي أسفرت عن إبادة جماعية…، في الوقت الذي سلطت فيه شتى أنواع التعذيب الوحشي على بقية المعتقلين المدنيين…ومكث الجميع في الملعب وشبح الموت يخيم على الجميع… فالكل عرضة للضرب بالخناجر والتشويه الجسدي… وكان كل من يُقتل يرمى في خنادق خُصصت للدفن الجماعي، فتحّول الملعب البلدي إلى مقبرة جماعية"
وتأتي اعترافات المجرم السفّاح "بول اوساريس" لتحكي لنا ما جرى بالتفصيل، حيث يقول: "قمنا بجمع الموتى المنتمين لجبهة التحرير المتواجدين في الشوارع وفي الملعب البلدي. كانت هناك 134 جثة مصطفة فوق أرضية الملعب وتحت حراسة جنود من الكتيبة 18، أما الذين سقطوا في الأحراش، فلم نعثر عليهم إلا بعد أيام من ذلك عن طريق الروائح الكريهة المنبعثة لأنّنا كنّا في عز شهر آب.. قمنا باستعارة جرّافة (حفّارة) وقمنا بحفر حفرة تبلغ 100 متر طولا و 2 متر عرضا و 1 متر عمقا، وقمنا بدفن الجثث… وفي الغد قدمت امرأة من مصلحة النظافة التابعة للمحافظة إلى مكتبي،… حيث قاموا بتزويدي بـ : اوكسيد الكالسيوم من اجل إخفاء الجثث"
وعن الحصيلة الإجمالية لهذه المجزرة التي حضيت مدينة سكيكدة بالنصيب الأكبر في عدد القتلى من المدنيين العزل حيث أقدمت القوات الفرنسية على إعدام 1500 مواطن ، من مختلف الأعمار بالرصاص عبر مختلف أحيائها وتجميعهم في ملعب المدينة المذكور سابقا. ونستدل كذلك بشهادة لجندي فرنسي: "إننا شرعنا نطلق الرصاص على الجميع بدون تفريق … وكان قادتنا يحدّدون الأوامر باستهداف كل العرب الذين نلقاهم… وبعد عمليات كبيرة من القتل… انتهى كل شيء.. وكانت إعدادهم هائلة لدرجة أن عددهم استوجب استعمال الجرافة"
-وقد حددت اعترافات اوساريس بعد 55 عاماً على الحادثة التي أوردها في مذكراته ما يلي:
حددت العدد الإجمالي بـ: 135 جزائرياً ومؤكدا أن معظم الضحايا من المدنيين وأنهم قتلوا بالرصاص.
- اعترف إن عملية التقتيل كانت عشوائية من خلال ماقاله: "كنا كل من نجده أمامنا نقتله وللأسف كان من بينهم الأطفال والنساء"
وهذا يثبت ان العدد الحقيقي يتجاوز ما ذكر أضعاف مضاعفة ويتقارب مع الإحصائيات الأجنبية. وتكمن الأهمية التاريخية لهذه الاعترافات كونها جاءت لرفع اللبس عن الادعاءات التي أطلقتها السلطات الفرنسية إبان الثورة التحريرية بكون الضحايا سقطوا نتيجة الهجومات التي شنها الثوار يوم 20 آب 1955.
إن هذه المجزرة ماهي إلا عيّنة لعشرات المجازر التي ارتكبتها القوات الفرنسية عبر كامل الشمال القسنطيني، كمجزرة وادي الزناتي وعين عبيد والحروش..
إلى السيّد ماكرون (10): فرنسا وعار المقابر الجماعية في الجزائر
(مواطنة جزائرية تُعذّب وتُدفن وهي حيّة)
- اكتشاف المقبرة الجماعية بالشريعة بولاية تبسة
صادف يوم 20 مارس 2001م عملية اكتشاف هزّت الوسط الإعلامي والعائلة الثورية ككل، تمثل في اكتشاف مقبرة جماعية بالشريعة بولاية تبسة.
هذه الجريمة التي تشاء الأقدار بعد 39 سنة من الاستقلال أن تم اكتشاف هذه المقبرة الجماعية بمدينة الشريعة بولاية تبسة إلى الجوار الشمالي لمقر البلدية، والذي كان إبان أيام الكفاح المسلح مقرًا للإدارة الفرنسيةS.A.S ، عُثر فيها خلال ثلاثة أشهر من التنقيب على 650 رفات، وأثبتت تقارير الطب الشرعي بعد معاينة كل الهياكل العظمية المستخرجة على أنها تعود إلى أيام الثورة التحريرية، كما أن الأشياء المكتشفة في المقبرة كزجاجات الخمر وبطريات توليد الطاقة الكهربائية، والسلاسل الحديدية وآلاف قطع الرصاص وبعض الصحف التي تحمل تواريخ تعود إلى الثورة تثبت ذلك.
وتُعتبر هذه المقبرة مثالا حيا على حالات الإبادة الجماعية الذي طبقته القوات الفرنسية عبر كامل التراب الوطني، ومن خلال المعاينة الميدانية للهياكل العظمية منذ بداية عملية التنقيب للاستخراج الضحايا تظهر عمليات التعذيب بكل أنواعه والقتل المتعمد لهم. ومن القرائن التي تدل على ذلك:
(1). تكدّس الهياكل العظمية فوق بعظها البعض يؤكد صفة القتل الجماعي للضحايا،
(2).أثناء عملية التنقيب عُثر على بئرين؛ واحد في الموقع الأول يحتوي على 58 هيكلا عظميا كاملا والثاني على 21 هيكل.
(3).إن بعض الجماجم في حالة انتفاخ الفكين بزاوية تتجاوز 45º، وهو ما يؤكد أن بعض الضحايا دُفنوا أحياء وهي من الوسائل التي طبقتها القوات الفرنسية في إعدام الجزائريين.
(4).أطراف الهياكل العظمية لبعض الضحايا وُجدت مكبلة بالأسلاك الحديدية وهو ما يؤكد تعرّض الضحايا للربط المُتعمد ثم القتل لكون حالات الدفن العادية لا تستدعي الربط بالأسلاك للأطراف السفلية والعلوية.
(5).اكتشاف الحلي الفضية على رقاب بعض الضحايا يثبت أن عملية الاقبار كانت بدوافع اجرامية لكون عملية الدفن عند المسلمين ولاعتبارات دينية تقتضي نزع كل الحلي التي تتزين بها النساء أثناء موتهن، ويؤكد ذلك أنه حتى النساء لم تسلم من عملية القتل.
(6).جثث الضحايا كانت متوجهة لكل الجهات ماعدا جهة القبلة وهي مخالفة لطبيعة الدفن عند المسلمين التي تكون باتجاه القبلة.
(7).إن الموقع الذي اكتُشفت فيه المقبرة كانت في الحيّز الذي يقع به المكتب الاداري الفرنسي المختص والذي اشتهر بممارسة التعذيب والقتل أثناء الثورة التحريرية وكان يشرف عليه بمدينة الشريعة “كونور- CONORD “.
(8).حسب شهادات عدد هام من المواطنين الذين عاصروا الثورة التحريرية بالمدينة فإن عددا هاما ممن كانوا يدخلون هذا المقر تختفي أثارهم في ظروف غامضة كما حدث لخمسين شخصاً من مختلف الأعمار جيء بهم من مشتلة تمطيليا القريبة من مدينة الشريعة سنة 1959م، ونفس الحدث أوردته صحيفة المجاهد الصادرة بتاريخ الفاتح من أيار 1959م.
هذه المقبرة تمثل عينة من جملة من الاكتشافات بهذه المنطقة منها 70 هيكلاً بمدينة تروبية و 12 هيكلاً بناحية بئر الدواميس القريبة من مدينة الشريعة، هذه الجرائم الإبادية للشعب الجزائري مجرد حلقة من الحلقات الإجرامية ضد الإنسانية للاستعمار الفرنسي والتي لا تقل خساسة عن جرائم القتل الفردي مع سبق الإصرار والترصد وهذا ما سنراه في ما يلي.
(كان الفرنسيون يجبرون الجزائريين على حفر قبورهم بأنفسهم)
- مجازر قمع مظاهرات 11 ديسمبر 1960
خرج الجزائريون في مظاهرة سلمية يوم 11 ديسمبر 1960 لتأكيد مبدأ تقرير المصير للشعب الجزائري ضد سياسة الجنرال شارل ديغول الرامية إلى الإبقاء على الجزائر جزءا من فرنسا في إطار فكرة الجزائر الجزائرية (وليست الفرنسية) من جهة و ضد موقف المُعمرين الفرنسيين الذين مازالوا يحلمون بفكرة الجزائر فرنسية من جهة أخرى. قامت السلطات الفرنسية بقمع هذه المظاهرات بوحشية مما أدى إلى سقوط العديد من الشهداء.
أسباب المظاهرات
عملت جبهة التحرير الوطني على التصدي لسياسة شارل ديغول والمُعمرين الفرنسيين معا حيث ارتكز ديغول على الفرنسيين الجزائريين لمساندة سياسته والخروج في مظاهرات واستقباله في عين تموشنت يوم 9 ديسمبر 1960، وعمل المعمرون على مناهضة ذلك بالخروج في مظاهرات. وفُرض الأمر على الجزائريين للرد على سياسة ديغول الداعية إلى اعتبار الجزائر للجميع في الإطار الفرنسي، ولم تكن جبهة التحرير الوطني محايدة بل دخلت في حلبة الصراع بقوة شعبية هائلة رافعة شعار الجزائر مُسلمة مستقلة ضد شعار ديغول الجزائر جزائرية وشعار المعمرين الجزائر فرنسية.
سير المظاهرات
بعد وقائع المظاهرات المساندة لسياسة شارل ديغول يوم 9 ديسمبر ، ومظاهرات المعمرين يوم 10 منه، جاء زحف المظاهرات الشعبية بقيادة جبهة التحرير الوطني يوم 11 ديسمبر ليعبّر عن وحدة الوطن والتفاف الشعب حول الثورة مطالبا بالاستقلال التام. خرجت مختلف الشرائح في تجمعات شعبية في الساحات العامة عبر المدن الجزائرية كلها، ففي الجزائر العاصمة عرفت ساحة الورشات ( أول ماي حاليا ) كثافة شعبية متماسكة مجندة وراء العلم الوطني وشعارات الاستقلال وحياة جبهة التحرير ، وعمّت شوارع ميشلي ( ديدوش مراد حاليا ) وتصدّت لها القوات الاستعمارية والمعمرون المتظاهرون وتوزعت المظاهرات في الأحياء الشعبية في بلكور و سلامبي ( ديار المحصول حاليا) وباب الوادي، والحراش ، وبئر مراد ريس ، والقبة ، وبئر خادم ، وديار العادة ، والقصبة ، ومناخ فرنسا (وادي قريش ) ، كانت الشعارات متحدة كلها حول رفع العلم الوطني وجبهة التحريرالوطني والحكومة المؤقتة وتحيا الجزائر ، وتوسّعت المظاهرات لتشمل العديد من المدن الجزائرية مثل وهران ، الشلف ، البليدة وقسنطينة وعنابة وغيرها حمل فيها الشعب نفس الشعارات ودامت المظاهرات أكثر من أسبوع . وفي تصدّي القوات الاستعمارية للمتظاهرين في مدينة وهران الواقعة غرب الجزائر خرج غلاة الفرنسيين يندّدون بديغول ويتمنون له الموت مرددين شعار الجزائر فرنسية ، ومن جانبهم خرج الجزائريون ينادون باستقلال الجزائر ، ومع تدخل القوات الاستعمارية في عمق الأحياء العربية ، سقطت العديد من الأرواح الجزائرية دون أن تمنع خروج المتظاهرين إلى الشوارع في ليوم التالي هاتفين بالاستقلال وحياة جبهة التحرير الوطني. وبعيدا عن العاصمة ووهران ، دامت المظاهرات أزيد من أسبوع شملت قسنطينة ، عنابة ، سيدي بلعباس، الشلف ، البليدة ، بجاية ، تيبازة ، وغيرها ، بينّت كلها بفعل الصدى الذي أحدثته على أكثر من صعيد ، حالة الارتباك التي أصابت الاستعمار وعن مدى إصرار الشعب الجزائري على افتكاك السيادة المسلوبة.
نتائج المظاهرات
أكدت المظاهرات الشعبية حقيقة الاستعمار الفرنسي الإجرامية وفظاعته أمام العالم ، وعبّرت عن تلاحم الشعب الجزائري وتماسكه وتجنيده وراء مبادئ جبهة التحرير الوطني في القضاء على سياسة ديغول المتمثلة في فكرة الجزائر جزائرية وفكرة المعمرين الجزائر فرنسية.
أما على المستوى الدولي فقد برهنت المظاهرات الشعبية على مساندة مطلقة لجبهة التحرير الوطني ، واقنعت هيئة الأمم المتحدة بإدراج ملف القضية الجزائرية في جدول أعمالها ، وصوّتت اللجنة السياسية للجمعية العامة لصالح القضية الجزائرية ورفضت المبررات الفرنسية الداعية إلى تضليل الرأي العام العالمي.
اتسعت دائرة التضامن مع الشعب الجزائري عبر العالم خاصة في العالم العربي وحتى في فرنسا نفسها، حيث خرجت الجماهير الشعبية في مظاهرات تأييد كان لها تأثير على شعوب العالم ، ودخلت فرنسا في نفق من الصراعات الداخلية و تعرضت إلى عزلة دولية بضغط من الشعوب، الأمر الذي أجبر شارل ديغول على الدخول في مفاوضات مع جبهة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري ، وهو الأمل الوحيد لإنقاذ فرنسا من الانهيار الكلي.
- التهجير والاستيطان
عندما احتلت فرنسا الجزائر، اتبعت عدة سياسات تجاه السكان الأصلين، وتتمثل في التفقير والتهجير واحتكار الأسواق. فيما وفرت كل سبل العيش والرفاهية للمستوطنين الجدد القادمين من فرنسا وباقي أوروبا.
وتم منح المستوطنين امتيازات من أراضٍ واسعة أصبحت تحمل أسماءهم فقد أقيمت أول مستوطنة في بوفاريك سنة 1936 ثم توسعت إلى كل منطقة وصل إليها الاستعمار حتى بلغ عدد المستوطنين في نهاية القرن 19 مليون مستوطن من مختلف الجنسيات الأوروبية وكان الهدف من الاستيطان:
- تدعيم التواجد الأوروبي في الجزائر من اجل القضاء على الشخصية الوطنية
- تدعيم التواجد العسكري
- محاربة العقيدة الإسلامية ومحاولة التنصير
- تشجيع الهجرة اليهودية إلى الجزائر، قانون كريميو 1870 خير دليل على ذلك.
إلى السيّد ماكرون (11):
فرنسا الحضارة وسياسة نفي المواطنين الجزائريين إلى كاليدونيا (شرق استراليا)- حرق المدن وتشريد السكان- مسخ الهوية الوطنية
(جندي فرنسي ينفّذ الإعدامات بمسدسه بحق الجزائريين العُزّل ويلقيهم في حفرة)
- نماذج عن جرائم الإبعاد والنقل القسري للسكان:
- نموذج نقل الجزائريين إلى كاليدونيا الجديدة:
نموذج إنساني يضربه الاستعمار الفرنسي، الذي ابتكر كل أساليب القهر الإنساني، فالترحيل والنفي القسري للسكان لم يظهر كجريمة ضد الإنسانية يجرمها القانون الدولي الا بعد 1993م، وبالتحديد بعد إصدار القانون الأساسي للمحكمة الدولية في يوغسلافيا الذي اهتم بهذه الجريمة ووضح أركانها.
بالرغم من كون هذه الجريمة حديثة التقنين دوليا، إلا أنها قديمة في التشريع الفرنسي عن طريق القانون العقابي في 25 سبتمبر 1791م، ويتم الإعلان عن حكم النفي والإبعاد عن طريق المحاكم الجنائية مؤقتا أو مؤبدا، كما أقر القانون العقابي في 1810م عددًا من هذه العقوبات الجنائية بين الأعمال الشاقة المؤبدة والأعمال الشاقة المؤقتة. وقد صمت القانون عن المكان ، أي أين يتم تنفيذ حكم النفي، فكان على البرلمان تعيين مكان التنفيذ.
كما أن قانون 09 سبتمير 1835م وسّع في تنفيذ هذه العقوبة لكنه لم يحدد مكان النفي للمحكوم عليهم بالمؤبد، إما بالسجن داخل التراب الوطني الفرنسي، أو في سجن يقع خارج اقليمها القاري في إحدى مستعمراتها، وقد حدد الدستور الفرنسي جزيرة ” نوكاهيفا” كمكان للنفي العادي وإحدى جزر ” الماركيز” كمنفى حصين.
بعد ثورة المقراني 1871م اهتم البرلمان الفرنسي بإخراج 3600 محكوم عليهم بالنفي. وبمقتضى قانون 23 مارس 1872م عُينت كاليدونيا الجديدة لتنفيذ حكم النفي وحددت ظروف نقل المنفيين إلى كاليدونيا عن طريق قانون 25 مارس 1870م.
وكاليدونيا الجديدة (بالفرنسية: Nouvelle-Calédonie) هي تجمّع جزر تابع لفرنسا يقع في أوقيانوسيا في جنوب غرب المحيط الهادئ على بُعد 1210 كم (750 ميلًا) إلى الشرق من أستراليا وعلى بُعد 16136 كم (10026 ميلاً) إلى الشرق من الأراضي الفرنسية!!
- مراسيــم وإجراءات النفي إلى كاليدونيا:
قبل انطلاق الرحلة إلى كاليدونيا الجديدة تم فحص المنفيين ومعاينتهم، وتم اختيار من يتوفرون على صحة جيدة وبنية جسدية قوية. وتم نقل المنفيين في سفن متعددة منها لالوار(حوالي 320 شخصاً)، وكالفادوس (70 شخصاً)، وتيفارين، في 05 تموز 1874م. وقد أبحرت السفن في اتجاه كاليدونيا، إستغرقت الرحلة فيها من 4 أشهر إلى سنة.
وحسب بعض الوثائق الممضية من طرف المنفيين، كانت فترة سفر شاقة جدًا، نظرًا لمكوث المنفيين في جوف السفينة طيلة اليوم، في أقفاص لا يسمح لهم بالخروج منها إلا ساعة واحدة في اليوم فوق سطح السفينة ومهما كان المناخ.
وعانى المنفيون من ظروف حياة فظيعة كانعدام النظافة والروائح الكريهة، تقييد أرجلهم…الخ. كانوا محبوسين في أقفاص أبعاد حجمها 5.2×5.2×5.1م يتكدس فيها 20 سجينا، أما الأقفاص فمساحتها لا تتعدى 24.2م2، وهذا يعني أن هؤلاء الرجال لا يمكنهم الوقوف طيلة الأشهر الخمسة أي مدة السفر إلى كاليدونيا، فهل كانت الأقفاص تناسب ظروف جميع المنفيين أم كان الهدف منها هو كسر إرادة الوقوف عندهم؟ قد يكون هذا نوعا من أنواع العذاب النفسي لإحباط كل ارادة في مجرد الوقوف عند المنفيين، إضافة إلى أن طريق العبور إلى كاليدونيا يتم عبر الكاب (رأس الرجاء الصالح)، وعبر مناطق شديدة البرودة حيث تتراوح درجة الحرارة من 9° الى 14° تحت الصفر حتى أن أطباء الرحلة لاحظو أنهم لا يتحملون البرودة، فكان من الصعب على المعتقلين الذين عاشوا في مناخ معتدل تحمّل ذلك.
ومازاد في حالتهم سوءًا هو نقص الغذاء، خاصة وأن بعض الأغذية تمثلت في شحم الخنزير ومشروبات كالخمر، الأمر الذي جعل المنفيين يمتنعون عن الأكل لأنه مُحرم فازدادت وضعيتهم سوءًا. وخلال شهري تموز وآب أُصيب جلهم بمرض “فقر الدم” و” الهزال” و” الإسهال” و” الحمى” و” الالتهابات المُعدية” وحالات الانهيار العصبي، كما توفي الكثير منهم.
(نفس سفالة القوات الأمريكية في العراق)
- نماذج عن جرائم الاضطهاد وتدمير الممتلكات:
في الوقت الذي كانت فيه القوات الفرنسية تمارس عمليات التقتيل الجماعي والفردي والتعذيب وتنفيذ كل مخططاتها الإجرامية، كانت أيضا تقوم بجرائم اجتماعية أخرى لا تقل حدّة وعنفا عن سابقاتها، تمثلت هذه الجرائم في جرائم الاضطهاد والتشريد من خلال:
تدمير الممتلكات وحرق المداشر والمدن والغابات لإرهاب الشعب وتشريد المدنيين من مساكنهم في القرى والمداشر والأرياف عن طريق تجميعهم قرب المراكز الإدارية الفرنسية أو الثكنات التابعة للجيش الفرنسي بهدف عزل الشعب عن جيش التحرير الوطني،
ومن هذه الجرائم نعرض ما يلي:
- نماذج عن تدمير الممتلكات:
لقد تعرّضت مناطق واسعة من أنحاء الوطن إلى عمليات تدمير وحرق الممتلكات والغابات والمداشر والقرى. وقد جاء اعتراف العقيد كلوسترمان (Clostterman) أمام الجمعية الفرنسية في 07 أيار 1958 ليؤكد هذه السياسة الإجرامية: "إننا نشن هجومات جوية نمحي بها قرى كاملة بتسويتها مع الأرض. وقد شاركتُ بنفسي في عدة عمليات من هذا النوع"
ومن أهم النماذج الإجرامية التي مثلت هذه السياسة نجد:
* تدمير مشاتي عين البيبان وأقبو يوم 10 أيار 1956 :
حيث قامت قيادة الجيش الفرنسي بتنفيذ عمليات عسكرية للقضاء على قواعد جيش التحرير الوطني فقام الطيران الفرنسي لمدة نصف يوم كامل بإلقاء أطنان من القنابل على جبال البيبان، وبعد ذهاب الطيران شنت قوات ضخمة من المظليين مدعمة بآليات عسكرية عملية تمشيط القرى المحيطة بجبال البيبان وأقبو انتهت بتدمير ممتلكات السكان ومنها قرية ” القلقلة ” حيث قتلت القوات الفرنسية 80 رجلاً و 27 امرأة و 53 طفلاً إلى جانب تدمير 25 بيت و أعداد كبيرة من الماشية.
وفي قرية “بالعيال” قتلت خمسة مواطنين ودمّرت القرية على أخرها، وفي قرية ” بوكيطوان ” تم قتل تسع نساء وتدمير 13 بيتاً وحرق محصول القمح ومحصول الزيتون، وقامت القوات الفرنسية بتدمير عشرات البيوت. وفي قرية ” أكدير ” قُتل 21 شخصاً منهم أربعة أطفال وتدمير كامل بيوت القرية.
- حرق مدينة بسكرة في 23 تموز 1956:
بسبب نسف جيش التحرير الوطني يوم 16 تموز قطاراً يحمل عتاداً عسكرياً، على الرابط بين بسكرة وباتنة حيث لم يسلم احد من الجنود الموجودين بداخله بسبب انفجار الذخيرة الحربية التي يحملها، وبعد أسبوع قُتل جندي فرنسي من طرف فدائي بمدينة بسكرة، أعطت القيادة العسكرية لقطاع بسكرة الأوامر للجنود المظليين بحرقها، فقاموا أثناء الليل بمهاجمة مباني الجزائريين وهتك أعراض النساء وتدمير الممتلكات وإطلاق الرصاص من سطوح المنازل على المواطنين بطريقة عشوائية إلى جانب إبرام النار في المنازل والمتاجر حيث أتت على معظمها.
* حرق غابات الميلية:
تنفيذا لقرار هيئة الأركان الفرنسية الصادر في 10 آب 1956 الذي ينص على الاستعانة بالقوات الجوية لقصف الغابات التي يلجا إليها الثوار ، قام الطيران الفرنسي يوم 13 نوفمبر 1956 بقنبلة غابات قرية ”الراشد” لمدة يوم كامل، انتهت بإتلاف معظمها. وفي يوم 11 ديسمبر 1956 تم حرق غابة ”السواحلية” بنفس المنطقة وتدمير معظم المباني الواقعة بها.
- نماذج من جرائم التشريد:
ما إن وضعت السلطات الاستعمارية قانون المناطق المُحرّمة في 12 نوفمبر 1954 حيز التنفيذ حتى انطلقت القوات الفرنسية في إجلاء السكان من قراهم وأريافهم التي تظن أنها امتداد لقواعد الثورة بالجبال ، وجمعهم في مخيمات خاصة تقع بالقرب من المراكز الفرنسية، ووجهت في هذا الإطار نداءات إلى السكان عبر إلقائها لرسائل بالطائرات تطلب منهم الانضمام إلى المناطق الآمنة أو مراكز التجميع. وقد جاء في إحدى هذه المناشير التي أُلقيت على السكان في الأوراس في شهر ديسمبر 1954: "أيها المسلمون لا تتبعوهم والتحقوا فوراً بمناطق الأمن انتم وأسركم وأموالكم، إنّ مكان هذه المناطق ستدلكم عليه الجيوش الفرنسية بناحتيكم وسلطاتها الإدارية…” ، وتوسعت المناطق المحرمة لتشمل سبعة نواحٍ عبر التراب الوطني ( ما يقارب الثلث من مساحة الشمال).
وهكذا وجد الجزائريون القاطنون بهذه المناطق أنفسهم أمام خيارين إما الرحيل نحو المناطق الآمنة كما تسمّيها الإدارة الفرنسية أو الانضمام إلى مراكز المحتشدات، كما حدث لسكان المناطق الداخلية من الوطن، والهجرة إلى داخل الدول المجاورة كلاجئين، كما حدث لسكان المناطق الحدودية الشرقية والغربية، وهو ما أدّى إلى ارتفاع عدد المشردين الجزائريين من قراهم وأريافهم التي دخلت ضمن المناطق المحرمة إلى مراكز التجميع والمحتشدات. ففي سنة 1956م بلغ عددهم 117000 شخص أي ما يعادل (1.17%من السكان)، وارتفع العدد سنة 1957م إلى 33500 شخص (9.39% من عدد الجزائريين)، ووصل العدد إلى 740908 سنة 1958م (7.40%)، وفي سنة 1959م وصل العدد إلى مليون لاجئ بالمحتشدات (10%)، وفي سنة 1960م بلغ عددهم 1.600.000 شخص (16%). وفي سنة 1961م وصل العدد إلى مليونين (20%). وفي كانون الثاني 1962م استقر العدد في قرابة الثلاثة ملايين جزائري محاصرين في المحتشدات.
وجاء في تقرير لجنة فرنسية لتقييم وضع الجزائريين بالمحتشدات برئاسة MichelRocard:
"إنّ مراكز التجميع أدّت إلى حدوث مأساة في حياة الجزائريين مسّت جميع الميادين وخلفت نهاية للحياة الريفية لهم”، كما حدّد التقرير أنه تم تشريد قرابة 100 ألف جزائري بتلمسان و 48 ألف بمنطقة تيارت و40 ألف بباتنة و 66800 بسطيف و35 ألف بالقبائل و 50 بالبليدة و66 ألف بضواحي الجزائر و 123 ألف بسكيكدة.
- الوضعية الصحية: أكّد على أنه كل يومين يتوفى 4 أطفال في كل ألف نسمة. وهذا راجع لقلّة استخدام الأدوية وانعدامها حتى أن بعض الأطفال أصبح لا ينفع معهم العلاج بسبب افتقاد أهم المواد الغذائية من النظام الغذائي لهم وهي الحليب، والبيض، واللحوم مع انخفاض المساعدات الغذائية المُقدمة والتي لا تتجاوز 13 كلم من الدقيق للعائلة الواحدة في الشهر.
2- تدهوُر الوضع الاقتصادي: أصبح المجمّع لا يوفر إلا 4% من حاجيات المواطنين بسبب دخول معظم أراضيهم في نطاق المناطق المحرمة وهو ما أدى إلى انتشار البطالة في صفوة الفلاحين بنسبة تصل إلى 90%
3- الوضع الاجتماعي: أكّد على أنّ معظم سكان المحتشدات من الأطفال والنساء. ففي كل 1200 شخص هناك 900 طفل وأصبح الكبار لا يتجاوزون في أغلب الأحيان 40%.
هذه السياسة الإجرامية التي طبّقتها فرنسا الاستعمارية على الجزائريين بهدف القضاء على جيش التحرير من خلال قطع يد العون المقدمة إليه من طرف الشعب المسلوب حريته ، فقنبلة المداشر والقرى بدون سابق إنذار وإخلاء السكان أصبحت سمة عادية للجيش الفرنسي، فيكفي أن يشتبه بأي منطقة حتى تمطرها الطائرات بقنابل تزن أطنانا، فيهلك من يهلك ويفر الباقي إلى أحضان المحتشدات أو كما تُسمى مراكز الموت.
ومن أهم المناطق التي تعرضت للتشريد نجد:
- حملة التشريد التي تعرض لها بعض سكان الشمال القسنطيني:
بعد أن أدرجت عدد من القرى والمداشر الواقعة بالشمال القسنطيني ضمن المناطق المحرمة، أقدمت القوات الفرنسية في 03 حزيران 1957م على طرد سكان المداشر الواقعة بالقل والميلية والذين قُدر عددهم بـ: 17 مشتلة وقدّرتهم السلطات الفرنسية بقرابة 9 آلاف جزائري. ودامت عملية ترحيلهم بالقوة والتهديد مدة 14 يومًا نحو المحتشدات ومراكز التجميع، وفي 17 حزيران من نفس السنة إنتقلت نفس القوات إلى إجلاء سكان المداشر الواقعة حول غابات جيجل والطاهير ومصادرة أرزاقهم بحجة كونها مؤن لأفراد جيش التحرير، وانعكست هذه العملية سلبا على السكان.
- تشريد سكان المناطق الحدودية:
بعد موافقة المجلس الوزاري الفرنسي يوم 19 شباط 1958 على إنشاء منطقة محرمة عبر كامل الحدود الشرقية، وتمتد من شرق مدينة عنابة عبر خط السكك الحديدية المكهربة إلى مدينة تبسة ومسايرا للخط المكهرب موريس الذي أنشأه الجيش الفرنسي في نهاية 1956 لعزل الحدود التونسية عن الجزائرية ، وبذلك قامت القوات الفرنسية بعملية إجلاء معظم السكان المتواجدين بالأرياف والقرى باستثناء التي يقطنها المُعمرون في كل من ” القالة ” ”و تبسة” و ” الونزة ” و” مرسط ” وشملت العملية عددا كبيرا من سكان هذه المناطق البالغ عددهم الإجمالي 2.851.942 نسمة، وإذا أخذنا عدد المشردين حسب المصادر الفرنسية (80 ألف).
والى جانب هذا الإجرام قامت القوات الفرنسية بسلسلة من المداهمات منها:
– المداهمات التي مسّت إحياء القصبة ما بين 18 ديسمبر 1956 الى سبتمبر 1957 .
– مداهمة إحياء قسنطينة 27 أبريل 1958 .
– مداهمة مخيم اللاجئين الجزائريين على الحدود 03 ديسمبر 1958 .
– مداهمة المعتقلات مثل معتقل ” بوسوي ” سيدي بلعباس في سبتمبر 1959 .
وفي معتقل سيدي الشحمي بضواحي وهران قامت وحدة عسكرية من اللفيف الأجنبي في شهر جوان 1962 بمداهمة هذا المعتقل وقتل عدد غير محدود من السجناء والتمثيل بجثثهم.
- محاولات مسخ الهوية الوطنية
كانت الألقاب الجزائرية قبل الاستعمار الفرنسي ثلاثية التركيب (الابن والأب والجد)، وفي حالات أخرى خماسية التركيب، بحيث تضاف لها المهنة والمنطقة.
أصدرت الإدارة الاستعمارية الفرنسية في 23 مارس 1882 قانون الحالة المدنية أو قانون الألقاب الذي ينص على استبدال ألقاب الجزائريين الثلاثية وتعويضها بألقاب لا ترتبط بالنسب. وسبق صدور هذا القانون محاولات متواصلة لطمس الهوية الجزائرية، أهم ملامحها إجبار الأهالي -وهو التعبير الشائع لتوصيف الجزائريين- على تسجيل المواليد الجدد وعقود الزواج لدى مصلحة الحالة المدنية الفرنسية، بعدما كانوا يقصدون القاضي الشرعي أو شيخ الجماعة.
والغاية من استبدال ألقاب الجزائريين الثلاثية وتعويضها بألقاب لا ترتبط بالنسب هو تفكيك نظام القبيلة لتسهيل الاستيلاء على الأراضي، وإبراز الفرد كعنصر معزول، وتغيير أساس الملكية إلى الأساس الفردي بدلا من أساس القبيلة، وطمس الهوية العربية والإسلامية من خلال تغيير الأسماء ذات الدلالة الدينية وتعويضها بهوية هجينة، وإحلال الفرد في المعاملات الإدارية والوثائق مكان الجماعة، وأخيرا تطبيق النمط الفرنسي الذي يخاطب الشخص بلقبه وليس باسمه.
وبموجب هذا القانون لم تكتف السلطات الاستعمارية بتغيير أسماء وألقاب الجزائريين بصفة عشوائية بل عوّضت العديد منها بأسماء مشينة ونابية وبعضها نسبة لأعضاء الجسم والعاهات الجسدية، وألقابا أخرى نسبة للألوان وللفصول ولأدوات الفلاحة وللحشرات وللملابس وللحيوانات ولأدوات الطهي. ولم يكن هناك أي منطق في إطلاق الألقاب على الأشخاص، وكل ما هنالك هو رغبة في تحطيم معنويات الجزائريين، من خلال منح الفرصة لترديد أسمائهم بصورة مشينة طول الوقت وعلى مرّ الأزمان. وما يزال الأبناء والأحفاد يتوارثون هذه الأسماء منذ عام 1882 وهي أسماء لم يختاروها هم ولا آباؤهم، وإنما أُجبروا على حملها حتى اليوم.
ومن الأمثلة الحية على الألقاب المشينة التي تحملها عائلات جزائرية اليوم ويتم تداولها في كل المحررات والوثائق الرسمية لقب "حمار"، ولقب "بوذيل"، ولقب "خاين النار"، ولقب "مجنون"، ولقب "بومعزة"، ولقب "كنّاس" ولقب "بومنجل".
كما يذكر التاريخ قصة الجزائري "الحاج البخاري بن أحمد بن غانم" وله أربعة أولاد: محمد وعبد القادر وأحمد والحبيب، فقد خسر هذا الشخص أرضه بعد رحيله إلى سوريا، وبعدما قامت الإدارة بتغيير ألقاب أولاده حيث أصبحوا "محمد عسّال، وعبد القادر بووشمة، وأحمد البحري، والحبيب ندّاه.
- الاعتداء على الحقوق اللغوية
في 8 مايو 1936 م أصدرت الحكومة الفرنسية قرارًا باعتبار اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر، ويأتي هذا القانون في سلسلة قوانين سنَّها الاحتلال الفرنسي لمحاربة اللغة العربية، وحتى اللغة الأمازيغية، وجعل اللغة الوحيدة للبلاد هي اللغة الفرنسية. وكان لهذه الفوانين الاثر الشديد في المجتمع الجزائري ، وتحويل لغة الادارة والحكم إلى اللغة الفرنسية.
- التعدي على حرمات المساجد ودور العبادة
قام المستعمر الفرنسي بالاعتداء على المساجد والزوايا ودور العبادة ومصادرة الأوقاف الإسلامية برغم أن اتفاقية استسلام الجزائر العاصمة كانت تدعو إلى احترام الحرية الدينية للأهالي. إنّ وحشية الاستعمار الفرنسي لم تقتصر على تدمير المساجد أو تحويلها إلى كنائس. بل قامت بقتل المصلين المعتصمين بها ومثال ذلك قتل أربعة آلاف مسلم اعزل معتصم في مسجد كتشاوة قبل تحويله إلى كنيسة. وسجن المعتقلين السياسيين حل حزب الشعب بهدف التعاون مع ألمانيا القاء القبض على مصالي الحاج بعد مذبحة 8 مايو التي ارتكبها الفرنسيون في الجزائر عام 1945م تلتها مذابح وأهوال؛ ففي شهر يوليو سنة 1948م أحرق الجند الفرنسيين ورجال البوليس القرى وأتلفوا المؤن والأرزاق، وهاجم رجال الدرك عام 1949م قرية "سيدي علي بوناب" بدعوى التفتيش عن رجل هارب من الجندية ودام العدوان 15 يوماً.
إلى السيّد ماكرون (12) جرائم إبادية متفرّقة من الهولوكوست الفرنسي في الجزائر
*قصّة صورة: هكذا تمّ سحل الشهيدة "زوليخة الشايب" بسيارة عسكرية قبل إعدامها برميها من طائرة هليكوبتر!
تعود هذه الصورة إلى يوم 15 أكتوبر1957 .. وهي للشهيدة الجزائرية ''زوليخة الشايب'' مربوطة إلى سيارة عسكرية فرنسيه بعد القبض عليها .. و قد تم سحلها و تعذيبها أمام الملأ لترويع الشعب وكان ينادى في الشعب بأن كل من يتمرد على فرنسا هكذا يكون جزاؤه ، وأنّ فرنسا لن ترحم أحدا و لو كُنّ نساءً او حتى أطفالاً ، إلا أن زليخة لم تصرخ ولو بكلمة واحدة. وقد تم تعذيبها 10 ايام دون انقطاع قبل أن يتم اعدامها رمياً من طائرة هيليكوبتر في 25 اكتوبر 1957. منذ ذلك اليوم لم يُعثر على جثتها أبدا حتى عام 1984، عندما تذكّر أحد الفلاحين أنه دفن جثة امرأة وجدها مهشّمة تماماً على حافة الطريق. أشار إلى المكان ، وبعد الحفر، وجدوا عظام امرأه وقطعة من قماش فستان ... إنّها الشهيدة زوليخة الشايب .. وقد تم إعدام زوجها وابنها في نفس الشهر بقطع رأسيهما بالمقصلة.
- اغتيال الطالبة حميدو بتلمسان
لم تقتصر عمليات التقتيل الفردي على رجالات الثورة والأشخاص والزعامات البارزة في حمل مشعل الجهاد بل عممتها السلطات الفرنسية ليمس لهيبها الأطفال بالمدارس.
وكنموذج على هذه السياسة ما تعرضت إليه الطالبة حميدو في 18 أفريل 1985م، حيث عمد بعض الجنود الفرنسيين في مدينة تلمسان أثناء خروج التلاميذ من أحد المدارس إلى إطلاق النار على هذه الطالبة فأردتها قتيلة، هذه الحادثة التي أدّت الى مظاهرات عمّت كل أنحاء المدينة.
- شهادة عميد كلية الحقوق بالجزائر جاك بيروقا “JACK- BIREUGA “ حول القتل الفردي
من أهم الشهادات التي سجلها الفرنسيون والتي تثبت تورط السلطات العسكرية والسياسية الفرنسية في ممارسة التقتيل الفردي المنظم على الجزائريين ما سجله السيد ” جاك بيروقا ” عميد كلية الحقوق بجامعة الجزائر في رسالة وجهها إلى وزير الدفاع الفرنسي بتاريخ 18 مارس 1957م ، والتي نسجل فيها نماذج عن القتل العمدي المحبوك. وهذا مقتطف من ما جاء في الرسالة:
” … سيدي الوزير لقد قرأتُ بيانكم حول ما نُسب للجيش الفرنسي من وحشية ورأيت فيه أن كل من يسكت عن الإدلاء بالشهادة يُعتبر شريكا في الجريمة، وإذا أردنا أن لا تُنسب إلينا أعمال النازية ، ها هي الوقائع التي لا أريد أن أكون شريكا فيها بسكوتي… ففي مدينة بوخارى في بداية شهر فيفري1959م أوقف البوليس والجند عند نهاية إضراب 8 أيام، ثمانية مسلمين معروفين وأخذوهم إلى السجن وهم بيجاوي وبن ناصر (معلمان) وبن يلس وطرابلسي وبشير وهم (تجّار)، وبعد بضعة أيام من ايقافهم جاء الجنود الى السكان في بوخارى وطلبوا أن يدفنوا جثث مواطنيهم ، وأخرجوا لهم من السيارة العسكرية جثثاً مُشوّهة من الضرب والتعذيب…”
ومجمل القول أن جرائم القتل الفردي للجزائريين ماهي إلا عيّنة من أعمال الوحشية التي لا حصر لها. فالقتل العمدي الذي تمّ الاتفاق على تجريمه في محاكمات دولية جنائية بداية من محكمة نورمبورغ سنة 1946م والتي جرّمت فيها فرنسا كبار رؤوس النازية بتهم الإبادة والقتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد، لم تمس هذه الاتفاقية الجزائريين، ولا نعلم لماذا، هل أن الفرنسيين الذين سقطوا نتيجة الاجتياح الألماني سنة 1940م هم بشر وشهداؤنا (غير ذلك) أم ماذا؟ حقيقة إنكِ يا فرنسا لن تكوني سوى ما قال لك الألمان على لسان بسمارك: ”إن فرنسا مجرد قطعان من الماشية". وماذا يمكن لشعب همجي كالغول والفرانك أن يعلموا ما الحضارة وما معنى الإنسانية التي لا تتوقف عند حدود ميناء طولون…!!!.
- قصة الطفلة التي فُقعت عينها
جاء في اعترافات أحد أفراد الجيش الفرنسي أنه أُلقي القبض على طفلة لا يتجاوز عمرها تسع سنوات يوم 26 كانون الثاني 1956م بأحد ضواحي الجزائر العاصمة، حيث تم حجزها من طرف الاستعلامات، وفي ليلة 28 كانون الثاني وأثناء استكانتي للنوم سمعتُ صوتا يشبه عواء الذئب بطريقة مفزعة، فدفعني ذلك للخروج للتأكد من مصدر الصوت. وأمام تواصل إصدار الصوت توجهتُ إلى الغرفة التي تُحتجز فيها الطفلة، فوجتها ترتطم بجدار الحائط بسبب أن الجنود فقعوا عينها، لماذا ؟ لا نعلم!"
* قصة المجاهدة مليكة قريش: الضابط الذي عذّبها أصبح رئيس أركان الجيش الفرنسي عام 1987
أُلقي عليها القبض في منتصف نهار 07 آب 1957م وعمرها 27 سنة من طرف وحدة مظلية بالجزائر العاصمة، وتمّ تحويلها إلى مدرسة ساروي (SAROUY) الواقعة إلى الشرق من حي القصبة المتخصصة بالتعذيب بتهمة الاتصال بالمجاهدين ونقل الأسلحة، وتم تجريدها من الملابس لتبدأ فصول تعذيبها التي تستمر لمدة 15 يوما، وقد أُسند تعذيبها لنقيب يدعى سميث وكانت بداية استنطاقها بتكليف ثلاثة جنود بربطها فوق طاولة حديدية للتعرض للتعذيب بالكهرباء، وأمام صمتها تم إدخال قضيب حديدي في جهازها التناسلي، أحدث لها أضرارا جسيمة استمر على أثرها الدم يسيل من فتحة الشرج لمدة يومين كاملين. وتعرضت للتعذيب بالنار ثم حُولت للمحكمة حيث حُكم عليها بالمؤبد وقضت 5 سنوات بين سجن طولون و تولوز، وعلى فكرة فإن الضابط سميث كان ضمن كتيبة الصاعقة لبيجار ورُقّي إلى جنرال في سنة 1985م ، وصار قائد أركان الجيش الفرنسي من سنة 1987م إلى 1991م مكافأة من فرنسا على أعماله البطولية !!
إلى السيّد ماكرون (13):
هذا الكتاب المهم: "جرائم فرنسا في الجزائر" - جنرالات فرنسا قتلوا عشرة ملايين شهيد منذ احتلالهم الجزائر- الجزائر بلد العشرة ملايين شهيد وليس المليون شهيد
محمد سيف الإسلام بوفلاقة
نشر في البلاد أون لاين يوم 16 - 04 – 2012
يكشف الأستاذ سعدي بزيان في كتابه «جرائم فرنسا في الجزائر» الصادر عن منشورات «دار هومة»، عن كثير من الجرائم الشنيعة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ويُقدم طروحات غاية في الأهمية. كما يفند جملة من الأباطيل التي نشرها جنرالات فرنسا وهدفوا من خلالها إلى تزييف حقائق الجرائم المرتكبة، ويُورد شهادات حية لشخصيات وكتاب وسياسيين وأناس عايشوا الجرائم واكتووا بنارها. ويتحدث في المقدمة عن الدواعي التي جعلته يؤلف الكتاب، فيتطرق إلى الضجيج الإعلامي الذي أثير في فرنسا عن الجرائم التي ارتكبها الجيش الفرنسي بهدف القضاء على ثورة نوفمبر 1954، والاحتفاظ بالجزائر الفرنسية، ويذكر أن الهدف الرئيس لقادة فرنسا، من سياسيين وعسكريين، هو الإبقاء على الجزائر فرنسية. وفي سبيل ذلك فإن جميع الأعمال تهون، ومن هنا انطلقت سيول الدماء، ومسلسلات الجرائم الشنعاء التي مورست ضد الشعب الجزائري، فكانت جرائم الجنرالات «ماسو» و«سالان» و«جوهر» و«بيجار» و«أوساريس» و«موريس بابون» وغيرهم. ويُوجه الباحث انتقادات لاذعة لثقافة النسيان التي خيمت على الساحة الجزائرية في السنوات الأخيرة، ويُورد الكثير من الحوادث والمفارقات العجيبة، كما يستعرض تصريحات لبعض الشخصيات الفرنسية المنصفة في قول الحقيقة.
ويستعرض مسلسل الجرائم الفرنسية المرتكبة ابتداء من سنة 1830، إلى غاية 1962. ويؤكد الكاتب أن جرائم فرنسا لم تبدأ مع ثورة نوفمبر، بل هي سلسلة متواصلة من الجرائم ضد الإنسانية خلال قرن وربع، وما تلاها من جرائم ارتكبها الاحتلال في مستعمرات عديدة. وعندما سُئل الكاتب والمناضل الفرنسي «فرانسيس جانسون» وهو صاحب كتاب «الجزائر الخارجة على القانون»، عن التعليق على ما ورد في اعترافات الجنرال «بول أوساريس» في كتابه «أجهزة خاصة»، أجاب قائلا إن «مسألة التعذيب مرتبطة بالمسألة الاستعمارية، وأعتقد أنه على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة معا الذهاب إلى الأمام في تصريحاتهم التي سمعناها حتى الآن حول مأساة شعب، وعلى المسؤولين اليوم طلب السماح من أولئك الذين عانوا خلال حرب التحرير، وأقصد بالضبط طلب الاعتذار والسماح من الشعب الجزائري فيما لحقه من جرائم من طرف الاستعمار الفرنسي». ومن الذين ارتكبوا جرائم شنعاء العقيد «بيليسي» الذي أصدر أوامر لجنوده بإضرام النار في مغارة التجأ إليها أفراد من الشعب هروبا من جحيم الاستعمار وفي ظروف مأساوية قل نظيرها اختنق هؤلاء في المغارة وماتوا جميعا. وعن الجنرال «بيجو»، فمنذ أن حلّ بالجزائر سنة1841، تبنى سياسة الحرب الشاملة ضد الشعب الجزائري، وكانت الإستراتيجية الأساسية التي اعتمدها هي حرب الإبادة، وهي في نظره وحدها الكفيلة بالقضاء على مقاومة الشعب الجزائري وإضعاف قدراته القتالية والنضالية.
- المجازر والحرائق ل«تركيز الهيمنة»
ومما صرح به الجنرال «سانت أرنو»، وهو أحد معاوني الجنرال « بيجو» في مذكراته «لقد كانت حملتنا في الجزائر حملة تدميرية أكثر منها عملاً عسكريا، ونحن اليوم وسط جبال مليانة لا نطلق إلا قليلا من الرصاص، وإنما نمضي وقتنا في حرق جميع القرى والأكواخ، وإن العدو يفر أمامنا سائقا أمامه قطعان غنمه». أما وزير الحرب الفرنسي «جيرار»، فقال إنه «لا بد من إبادة جميع السكان العرب، إن المجازر والحرائق وتخريب الفلاحة هي في تقديري الوسائل الوحيدة لتركيز هيمنتنا». وأما الجنرال «بيجو»، فقال أمام البرلمان الفرنسي «أينما وُجدت المياه الصالحة والأرض الخصبة، يجب إقامة المعمرين بدون استفسار من أصحاب الأراضي هذه». وبعد أن استحضر المؤلف العديد من التصريحات الإجرامية لمسؤولين فرنسيين عسكريين وسياسيين، يُشير إلى أن هناك مؤرخا فرنسيا واحدا خالف جميع المؤرخين الفرنسيين وهو «جاك جوركي» الذي أكد أن «الفرنسيين قتلوا منذ الاحتلال مرورا بالثورات والانتفاضات التي قام بها الوطنيون الجزائريون إلى غاية الاستقلال عشرة ملايين شهيد». وتطرق الكتاب إلى مذكرات الجنرال «بول أوساريس»، ذلك الذي يتفاخر ويتبجح بجرائمه التي يندى لها الجبين، وإن أصدق وصف ينطبق على مذكراته ما وصفها به المؤرخ الفرنسي «فيدال ناكي» حين قال «إنها مذكرات مجرم حرب». وانطلاقا من جرائمه في مدينة سكيكدة، ثم في معركة الجزائر، بدأ الدور القذر لهذا الجنرال، فهو يعترف بأنه قد قتل أربعة وعشرين شخصا من سجناء الحرب، كما أعطى أوامر لتذبيح وقتل المئات من المشتبه بهم دون محاكمة.
ويعترف بأنه أشرف على تعذيب مشبوه جزائري إلى أن مات لأنه رفض الاعتراف، ويذكر بأنه لم يتأثر إطلاقا لوفاته، بل إنه يتأسف لموته دون أن يُدلي له بالاعترافات. ويؤكد عدم خجله من ذلك ولا شعوره بالذنب، كما اعترف بأنه المشرف الشخصي على قتل الشهيد علي بومنجل، حيث ثم رميه من أعلى عمارة في شارع «كليمانصو» في «الأبيار»، أعالي الجزائر العاصمة. ومما يذكره أنه قتل خمسمائة مشبوه في مدينة سكيكدة لوحدها، ومما قاله «أوساريس» أن «الأعمال التي قام بها في الجزائر هي أعمال جيدة، وكل ما قمت به من أجل خدمة مصالح بلدي».
إلى السيّد ماكرون (14): ألبوم لقطات فريدة تجسّد كيفية غدر وقتل الفرنسيين للمواطنين الجزائريين العُزّل من فيلم قديم عرضته قناة الجزيرة
أوّلاً-قتل مواطن جزائري أعزل والإجهاز عليه برصاصة "الرحمة"
(جندي فرنسي يقترب من مواطن جزائري بدوي أعزل ويطلق عليه النار)
(يقترب فرنسي مسلّح آخر للتأكّد من موت المواطن الجزائري)
ثانياً-قتل مواطن جزائري غدرا من الخلف وبلا سبب:
(جندي فرنسي يطلق الرصاص على مواطن جزائري أعزل من الخلف ويسقطه).
وسوم: العدد 902