يريدون مسلمين بغير إسلام
[قبل نحو عشرين سنة ]
البعض يريدون مسلمين بغير إسلام، يرحبون بالناس وينفرون من المعتقد والقيمة. يعتبرون أن استحضار الإسلام يعقد الأمور ويستدعي مشكلات نحن في غنى عنها.
حجتهم في ذلك أن إظهار الهوية الإسلامية يثير الحساسية ويمثل عنصراً طارداً للآخرين. ثم إنه يختزل القضايا الكبرى في رموز دينية ضيقة. ويفتح الباب لحروب دينية استئصالية ضد "اليهود"، تقوّض إمكانية التعايش السلمي معهم. والحل يتمثل في إخراج الإسلام من الموضوع، وتنقية الصراع من "شوائبه"، وتنحية ما هو ديني لمصلحة ما هو إنساني وعلماني.
هذا الكلام قرأته في كتابات نُشرت مؤخراً، جاءت في سياق حملة مطاردة حضور الإسلام في المجال العام، التي يقودها نفر من المثقفين، إذ حذّرتْ تلك الكتابات من فكرة "أسلمة الصراع"، التي قصد بها الانطلاق من المرجعية الدينية في مواجهة العدو.
ثمة ملاحظتان جوهريتان على هذا الخطاب:
- الأولى أنه ينطلق من رؤية نافرة من الإسلام بالأساس. وهي معنية بإقصائه عن الصراع بأكثر من عنايتها بالصمود في مواجهة العدو أو كسب الصراع.
ذلك أنهم حين يعتبرون الإسلام مؤدياً إلى استبعاد الآخرين، فإنهم يصدرون حكماً متأثراً بأجواء التعبئة السياسية والإعلامية الراهنة، التي اختزلت الإسلام في أداء بعض جماعات التطرف والإرهاب.
وهذا القصور في النظر يُضعف الموقف العربي ولا يخدمه، فالغيورون والمخلصون حقاً يحرصون على لملمة الصفوف وتوسيع دائرة الاحتشاد في مواجهة العدو، ولا يلقون بالاً لمعايير الخصم والإقصاء، أما أن تطالب أي جماعة بالتنازل عن منطلقاتها، بعضها أو كلها، فذلك مما ينطبق عليه قول الجاحظ أنه سُقم في العقل وسُخف في الرأي، لا يتأتيان إلا بخذلان من الله سبحانه وتعالى.
- الملاحظة الثانية لا تخلو من مفارقة، ذلك أن هذا الكلام يصدر في حين تتصدر القوى الإسلامية صفوف المجاهدين المناضلين في ساحة الصراع. وهي التي تدفع الثمن الأكبر في ساحة المواجهة.
ذلك ينسحب على حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، ومقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق.
فالإسلاميّون هم المقاتلون والمحاصرون والشهداء والأسرى. صحيح أن هناك جماعات وطنية شريفة تقف إلى جوارهم في الساحة، لكن أحداً لا يُنكر أن القوى الإسلامية تقف في الصف الأول كما أنها تدفع الثمن الأكبر.
ولا أعرف كيف يمكن لعاقل أن يطل على ساحة الصراع، ليدعو تلك القوى الإسلامية لأن تتنازل عن منطلقها الجهادي بدعوى عدم إثارة حساسيات الآخرين.
كما أنني لا أعرف كيف يمكن أن ندعو الشباب إلى الجهاد والموت في سبيل القضية، إذا لم نقل لهم: إنهم حين يقدمون أرواحهم فداءً لوطنهم ودفاعاً عن قضيته العادلة، فإن ذلك يُعدّ جهاداً في سبيل الله، وباباً للفوز بجنته ورضاه.
المدهش في الأمر أن الذين يأنفون من ذكر المرجعية الدينية في الصراع، لا يقدمون بديلاً ينهض بمسؤولية مواجهة العدو، في حين ينشغلون بتجريد القوى الإسلامية من أمضى أسلحتها وأكثرها فعالية..
إن خطاب مناهضة الاتكاء على الهوية الإسلامية يغيّب تماماً الحس التاريخي. ويتجاهل خبرة الإسلام في التعامل مع العالم طوال 14 قرناً، في حين حاكموه بما تنشره الصحف عن بعض جماعاته وما تروّجه تقارير مباحث أمن الدولة.
وسوم: العدد 903