«الشرق» و«الشرق».. و«الكعكة في يد اليتيم»!
«موعود بالعذاب» والموعود هذه المرة ليس «العندليب الأسمر» عبد الحليم حافظ، لكنه صاحب قناة «الشرق» التي تبث من تركيا أيمن نور!
فقبل عدة شهور نشر أن هناك قناة أخرى تحمل الاسم نفسه سيتم اطلاقها، وقد اعتقدت أنه يريد بذلك التأكيد على أن نجاح «شرقه» أغرى آخرين بالسطو على اسمها، فما معنى أن تطلق قناة تلفزيونية باسم قناة قائمة بالفعل، وكأن هناك شحا في الأسماء، مع وجود عشرات من الأسماء التي يمكن أن تكون أكثر جاذبية من هذا الاسم التقليدي، الذي اختاره لها المؤسس الأول للقناة باسم خفاجي، وعندما عرضه علي لم أتحمس له، لأني في مسألة أسماء الصحف والقنوات التلفزيونية لست ميالاً لاستخدام أسماء تحتوي على حروف تنطق بأكثر من طريقة، والقاف في نهاية الاسم وهي من حروف القلقلة ستنطق في الريف المصري بشكل يختلف عن الحضر، والقناة موجهة بالأساس للمصريين، ولن ينطقها بشكل سليم إلا «أزهري» أو «درعمي» نسبة للكلية الرائدة «دار العلوم»!
بيد أني في المقابل أؤمن بأن عدم ألمعية الاسم ستنتهي مع الرواج والتداول، وقد كان اسم «المصري اليوم» ثقيلاً في البداية، نظراً لوجود صحيفة سابقة تحمل اسم «مصر اليوم» وربما استغل من اختبر الاسم انتشار أغنية «مصر اليوم في عيد» على العكس من «المصري اليوم» التي تمثل واحدة من التنويعات على لحن الجريدة الأكثر شهرة تاريخياً وهي «المصري» لصاحبها الأخوين محمود وأحمد أبو الفتح، وهي الصحيفة التي أغلقها جمال عبد الناصر، لأنها انحازت للديمقراطية ضد توجه حركة ضباط الجيش، وعرفت مصر تنويعات أخرى استغلت هذا اللحن التاريخي قبل «المصري اليوم» مثل جريدة «السياسي المصري»!
ونجاح قناة «الشرق» كان سبباً في تجاوز حرف القلقة في نهايته، وهذا النجاح لها ولقناة «مكملين» كان سبباً في عودة كثير من قوات الاحتياط بعد أن سرحهم النظام العسكري، وقد عادت لميس الحديدي و إبراهيم عيسى لشاشات «مولانا ولي النعم» بعد سنوات من الابعاد، ولك أن تتصور أن ترسانة من القنوات التلفزيونية، والصحف في مصر، ليس لها من دور إلا الهجوم على قناتي «مكملين» و»الشرق» والعمل على تشويه مقدمي البرامج فيها!
وإذا لم يكن للقناتين تأثير كبير على المشاهد المصري، فلماذا حملة الإبادة الإعلامية، التي إن لم تكن بسبب النجاح في المهمة فإن مثل هذا الهجوم في كل ليلة يمثل سفها مطاعاً، لأنه يعد دعاية مجانية عبر هذه الحملة المسعورة؟!
«الكعكة في يد اليتيم»
ويأتي إطلاق قناة سعودية تحمل الاسم نفسه «الشرق» تأكيداً على أنها قناة ناجحة إلا إذا كان القوم يتباركون بالاسم من «البركة» ولأن برنامج «التوك شو» بها يقدمه معتز مطر، فكان المقابل له في «الشرق» الأخرى، معتز الدمرداش!
تصرف غريب في الواقع، أن يتم انتحال اسم قناة تلفزيونية، لتكون قناتين باسم واحد، وليست «الشرق الأولى» قناة محلية، فكونها فضائية وليست أرضية، وكون مقرها في إسطنبول، جعلها قناة خاصة في المنطقة ومن ينتمون لها ويعيشون في خارجها، وهل النجاح يكون فقط في الاسم، إذن لماذا لم يطلقوا عليها «الجزيرة»؟! بدلاً من التعامل وفق المثل المصري الدارج «الكعكة في يد اليتيم عجبة» وهذا اليتيم موعود بالعذاب!
فعندما أسس «اليتيم» حزب «الغد» وأصدر صحيفة «الغد» وكانت واسعة الانتشار، دفعت السلطة في عهد مبارك من ينازعه على رئاسة الحزب، وأصدر الصحيفة نفسها «الغد» في اليوم نفسه من كل أسبوع، وبالإخراج نفسه، واللون الإضافي نفسه، وهو اللون «البرتقالي» وذلك بهدف ادخال الغش والتدليس على القارئ، الذي كان أذكى مما تعتقد السلطة وأجهزتها الأمنية، فكان يطلب من الباعة «غد أيمن نور» فساهمت السلطة وأجهزتها في المزيد من الدعاية لاسم من خاض الانتخابات الرئاسية ضد مبارك، وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر فإن صاحب «الغد الأخرى» هو من تم استدعاؤه لينافس السيسي في انتخاباته الرئاسية الأخيرة!
ولا يريد أصحاب «الشرق الأخرى» أن يقتنعوا أن النجاح ليس في أن تكون قناتهم باسم «الشرق» وأن يكون لديهم «معتز» في مواجهة «معتز» فلن ينجحوا بذلك ولو في مهمة افشال «الشرق الأخرى» فما يحتاجه الإعلام السياسي للنجاح، ليس فقط عراقة الاسم وتوافر الإمكانيات المادية، وإلا لنافست «العربية» «الجزيرة» ولكن في توافر الحرية، بجانب اختيار العاملين على قواعد مهنية، والمهنية مع المال تكفي للنجاح للقنوات غير السياسية مع حد أدنى للحرية، لذا فقد نجحت قناة «أبوظبي» في البداية، ثم انتهت سريعاً، بعد أن زهد فيها أصحابها، وضاقوا بالحرية في سقفها المنخفض، فأوقفوا برنامج حمدي قنديل، على النحو الذي رواه في مذكراته «عشت مرتين»!
وكانوا في «أبو ظبي» تعاقدوا مع «قنديل» ليقدم برنامجه نفسه الذي كان يقدمه على التلفزيون المصري وتم وقفه وانتقل به لقناة «دريم» لكن السلطة ضغطت على صاحبها أحمد بهجت فأوقف البرنامج!
ومن هنا نعرف الفارق بين القناتين «أبو ظبي» و»الشرق الأخرى» فالأولى استغلت نجاح حمدي قنديل، ليقدم برنامجه، والثانية جلبت باسم يوسف ليقدم برنامجا في «الأكل النباتي» وهو اختيار كاشف، عن أنها لن تمثل قيمة مضافة عن قناتي «العربية» و»الحدث» ولنا أن نعلم أن من شاركوا في تأسيس «العربية» هم أنفسهم من شاركوا في تأسيس «الجزيرة» فلم تنجح، لأن شرط النجاح مع توافر الإمكانيات المالية والمهنية هو سقف الحرية المرتفع، والتمسك بالموضوعية، والتنوع. لكن لا حياة لمن تنادي!
فمتى يطلقون قناة «مكملين الأخرى»؟!
وسوم: العدد 904