العلاقات السورية - الروسية بين المبادئ والمصالح
إلى أيّ مدى يمكن أن تتمسَّك روسيا بما أعلنته من المبادئ حين تدخّلها في الملفّ السوريّ؟
ذاك هو السؤال الذي طالما كان مثار النقاش في أوساط المراقبين والمعنيين في الشأن السوريّ.
هل يمكن أن تمضي روسيا في تغليب المبادئ والمُثُل والجوانب الأخلاقية، التي تمّ التسويق لها حين تدخلها في هذا الملف، حين استدعائها قبل (5) سنوات، أم أنّها ستنظر إليه على أنّه من جملة المحطات التي التقت فيها مصالح الدولتين، على غرار ما كان بينهما منذ ستينات القرن الماضي؟
هل يأتي زمانٌ يُنظر فيه إلى تدخّلها على أنّه مثلٌ يُحتذى به في العلاقات الدولية؛ بتغليب الجانب الأخلاقيّ على التفكير المادي، الذي بات مهيمنًا على الحياة السياسية، فأصبحت فيها اليد العليا للمصلحة وحدها، في مقابل الأخلاق والمبادئ، التي غدت حبيسة التصريحات والبيانات المنمقة، التي لا تتجاوز الحناجر، حينما أصبحت السمة الغالبة على السياسيين وعلى جملة المواقف التي يعلنونها، هي لوك معسول الكلام، ومعرفة من أين تؤكل الكتف، حتى لو كانت كتف إنسان جار عليه الزمان، وغلبت عليه المصائب والرزايا، وجعلته غير صالح للأكل والمضغ، مهما كانت حدة الأنياب ومتانة الأضراس التي ستلوكه.
هل سيخرج الرئيس بوتين عن النهج الذي اختطه لينين في مقولته الشهيرة: " إذا اقتضى الأمرُ أن نسير إلى النصر زحفًا على البطون؛ فليَكُنْ "، أم أنّه سيسعى للمحافظة على صورة البطل الذي كرّمته الكنيسة؛ حينما عرّض نفسه للمهالك؛ كي يتمثَّل رأي الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط: " لا يمكن للسياسة الحقيقية أن تتقدم من غير أن تُكرِّم الأخلاق، إذ عليها أن تنحني أمام الحق ".
إنّ السوريين في كلا طرفيّ المعادلة لينظرون إلى العلاقة بين الدولتين بكثير من السلبية، وبقليل من الإيجابية؛ لما تمّت ملاحظتُه من طريقة تعاطي الروس في عدد من المحطات، التي مرّ فيها الملفّ السوري في أزمته، التي قاربت العشر سنوات، منذ 2011.
ليس آخرها قيام شركات روسية بإلغاء (6) عقود لتوريد القمح إلى سورية، في وقت تعاني فيه مناطق سيطرة النظام من أزمة غير مسبوقة من شحّ الدقيق؛ ما جعل المواطنين ينامون على أبواب الأفران في ليالي الشتاء القارص.
لا تكاد سورية تتعافى من أزمة، حتى تتلوها أزمة أشدّ وأمضى، فبالكاد خرج السوريون هناك من أزمة البترول الخانقة قبل أسابيع قليلة، حتى ولجوا في أزمة الخبز، ومن قبلهما أزمة الكهرباء والمياه المزمنتين؛ حتى بات حديث السوريين: ليت روسيا تتبرع لنا بالكلفة التشغيلية لقاعدة (حميمييم) الجوية، التي تتجاوز ( نصف مليون دولار) مع شروق كل شمس في الساحل السوريّ، وهي تناهز ( 2 ) مليون في حال كانت هناك أعمال عسكرية، تجاه أبناء جلدتنا في إدلب، إنّها لو أقدمت على ذلك لكنّا في حال تحمدُها عليها الأرض والسماء.
حبذا لو كانت طائرات (اليوشن) تشحن بآلاف الأطنان من المواد الغذائية عوضًا عن شتى صنوف الأسلحة التي اختبرتها وزارة الدفاع الروسية في الأراضي السورية، وحبذا لو أقدمت البنوك الروسية على وقف تدهور القيمة الشرائية لليرة، على غرار ما فعلت قطر حينما اشترت ( 10% ) من بورصة استنبول في مسعى منها لوقف تدهور الليرة التركية.
تلك هي نوعية العلاقات الاستراتيجية بين الدول، فهل يمكن أن تشهد العلاقات الروسية - السورية بعضًا من فصول هذه العلاقات؟.
وسوم: العدد 907