خفافيش الأوهام والأحلام
لن أتحدث عن عدد المنازل التي توجعت من جائحة (كورونا)، ولن أتكلم عن عدد الوفيات التي خلفها هذا الوباء الفتاك..
فرحمة الله وسعت كل شيءٍ ترتبت عليه حياتنا ومماتنا.
ما سأتحدث عنه من واقعنا ومحيطنا أعظم من تلك الدموع والآهات، وكذلك تعداد القبور التي خلفها القدر في ملامحنا وصدورنا.. ليأتي بعض المرتزقة يوزع أوهامه على بعض من تعرض للإصابة، أو من مرَّ بحالة نفسية جراء هذه الأيام وفي تلك الأعوام الماضية.. حيث يتصل بأحدهم أخي وجارك، وكذلك عمي وخالك على مقام هذا السيناريو المرسوم للواقع الصادق بالسخرية وعمق اللهجة!
جاري: السلام عليكم
هو: وعليكم السلام مولاي
جاري: أخبار جنابكم وأحوالكم
هو: بخير ولله الحمد
جاري: أحس بضيقة في صدري وطفشان
هو: وأكيد حرارتك تزيد بالليل وما تشتهي تاكل وترجيع وأسهال وجسمك متبهدل
جاري: ما شاء الله عليك إي رحم الله والدي من عطاني رقمك
هو: بخدمتكم عزيزي بس عطني اسمك واسم الوالدة
جاري: ميخالف بس الوالدة توفت من كورونا
هو: إي عادي أيش اسمها؟
جاري: أوك، أسمها نعمة أو غصة على رواية جدتيه، وأبوها معتوق ولد القايلة، وساكنين بصكة شبة الزيزي، جنب بيت جمعة بن سعد الخباز
هو: عجيب عجيب
طيب إذا شربت ماي تحس بمرورة بالبداية أو النهاية
جاري: إي والله
هو: امممم هذا ضرر، وأمره ما يعوق
جاري: تكفى الله يرحم والديك، متى أمرك تشوف حالتيه
هو: بخدمتك أيش دعوة، أنت حدد الوقت والمكان، وأنا أجيك إلى مكانك
جاري: أجل بكرة
هو: لا بكرة عندي أكثر من ثلاث حالات خلها بعد بكرة؛ بس أرسل لي الموقع على الوتساب
جاري: أبشر طال عمرك
هو: بخدمتكم
نعم، تمر الدقائق على جاري وكأنها ساعات، والساعات كأنها أيام..
إلى أن يأتي الوقت المحتوم بالتمام والتوقيت دون تأخر أو تسويف!!
هو: ألو السلام عليكم عليكم
جاري: وعليكم السلام عيني عليك باردة مضبوط بالوقت
هو: بخدمتك أنا عند الدوار وين أجيك؟
جاري: خلك مكانك أنا جاي لك ألحين لا أحد يدري ما أبي أحد يشوفك!
خرج جاري مهرولاً كالنعامة رغم تعبه..
حتى أنه نسي باب البيت مشرعاً للقطط المشردة، والكلاب المتوقدة بنباحها وجوعها!!
فأدخله جاري مجلس شقته التي تطل على نخلة الخلاص الحساوية، وأخذ الآخر يُدير نواظره ورأسه بكل الجدران الشاردة والواردة!!
هو: من زمان ساكن بهذه الشقة؟
جاري: مو واجد لي أربع سنين بس فيها؛ تخبر الأجارات غالية هنا
هو: أكيد تحس بحرارة وضيقة إذا جلست عند الدريشة الغربية بالظهر؟
جاري: إي والله حتى أضلوعية تشخص عليّه وراسيه
هو: أها، أمرك سهل على يديه بإذن الله
جاري: تكفى لا تقصر عاد عليك الله، طلع معاك شي؟!
هو: إي المجلس مسكون، وفيه ضرر!
جاري: تكفى فكني منه الله يرحم والديك!
وبعد ممارسة تلك الطقوس في ذلك الليل الشاحب بأذياله وسكينة هواه، أتت ساعة التوديع بينهما..
جاري: ما قصرت أحس براحة الحين بعد ما فضفضت لك وتكلمت باللي معاي، وخاطريه صار زين عقب ما قريت عليه..
هو: أمرك بإذن الله سهل بس استمر على العلاج اللي قلت لك عنه
جاري: أبشر لا توصي حريص..
سار جاري خلفه إلى أن أوصله لسيارته المتواضعة المحلية، فمد جاري يده لجيبه واقتلع منها 300 ريال من أجرة مسكنه وأعطاها إياه، ووجه جاري يتصبب عرقاً للتقصير بحقه!
تبسم الآخر في وجه جاري وقال:
"أنا ما آخذ فلوس من أحد، فقد نذرت نفسي لخدمة الناس والمؤمنين لله وأهل البيت"
.. فضم جاري صدره إلى صدره بقوة، وقبل رأسه وكل أرجاء لسانه تلهج له بالدعاء والتوفيق
وبعد ثلاثة أيام اتصل جاري "بالروحاني" وطلب منه أن يأتي له مرة أخرى لعلاجه والاستشفاء على يده..
وكالعادة حدد الوقت للحضور، وساعة ما حضر تمتم بكلمات، وأدار عينه بالبيت كالرحى، وأوهنه بحرارة الجنية التي تسكن ناحية النافذة الغربية ساعة جلوسه تحتها بالصيف والظهرية!!
وساعة توديعه عند باب سيارة العرفاني، تبادل كل واحدٍ منهما القُبُلات.. عدا جاري (أعرفه عدل وزين) زاد في تقبيل رأسه ولعق صمصام أنامله وأسطح خواتمه.. فرفض الآخر قيمة أجرته، وكرر بأنه لله وأهل بيته!!
الشاهد بعد فترة ليست بالطويلة اتصل الجار "بالروحاني"، بعدما أن أسدل بستار أوهامه وإعجابه المعسول على عظمة هذا "الروحاني" وراحة استماعه لشكواه وعلته وسبب (الكورونا) التي ألمت به على زوجته ونسيبه وأمه وخالته.. حتى صار جاري العزيز يوزع ضرر الجناني بقرش في كل محيطه بالكرامات والأحلام لصالح روحاني الخواتم!!
وبعد أسبوع على وجه التحديد خاف أحد أصدقاء الجار على (جاري)، وطلب منه أن يرافقه لزيارة أحد قرابته الذين قد فتك بهم (الكورونا) وبأسرتهم
فاستجاب لطلبه لتلك الزيارة بإلحاح مفرط!!
وساعة ما أطنبهم صوت فناجين القهوة البنية اللون الداكن بمرارتها.. وللسوالف المتباعدة فيما بينهم وبين أخشاب مقاعدهم، استطردوا برواية أعراض
(الكورونا).. فتلون وجه جاري وصرخ: أيا ابن العطره (طوط طوط).. يعني كل اللي انصابوا مثليه ومثل بعض بأعراضهم؟!!
فأجابه الآخر: نعم
وصاحبك هذا من (الهيلق) في شبابه وإلى يوم أمس في منطقته، وأغلبهم يتظاهرون بالتدين والسمت القويم باللبس ووو..
وساعة ما يأتي إليك ولغيرك يطلب منك السرية حتى يتحقق المراد ويربط الجنية بحبال الأحلام والأوهام التي افترشتها أنت وغيرك بعقلك وألباب أهلك وناسك مع الأسف!!
فقال الجار: ليش يسوي كذا؟؟!!
فأجابه: عشان يجيك كل مرة على هذا المنوال وأنا ناذر نفسي وبخدمتكم.. وإذا ما عطيته الرزمة والحباصي بعنوان الهدية.. أوغل في عقلك وعاطفتك أن علاجكم عند
صاحبه الصدوق"راعي أدوه وحده بوحده" واللي يسكن في منطقة بعيدة عنكم، وهو راح يساعدك بإحضار العلاج المرتقب بتكسي الغفلة..
ويعوض قيمة الطلعات اللي لك البلوشي وكل ما دفنته فلوس تحس روحك مقصر تجاه الله وأهل بيته!!
وسوم: العدد 909