صورة اجتماعية : العودة إلى بيت الطاعة
ولأن الملح كان كثيرا أو قليلا في الطبخة ، أو لأنها قد نسيت بعض تعليماته الأولية ، وهي تكنس وتمسح وتغسل وتطبخ ، وترعى ثلاثة أطفال أنجبتهم رشا بين الواحد والواحد سنة ، وبطنها منتفخ بالرابع ؛ لكل ذلك نسيت أو غفلت أو قصرت ، فكان جزاؤها مسبةً وشتيمة ولكمة ازرقت لها عينها ، ولأنها صرخت واستغاثت ، ثار دم الرجولة في رأسه فركلها برجله على وجهها فأطاح بها أرضا ، ثم داسها مرة ومرتين وثلاثة حتى نهنها ...
ثم وجدت نفسها تقصد بيت أبيها ، وتدخل تجر أبناءها ، وأبناء المرأة قطعة منها ، ويستقبلها أبوها وأمها وأخوها وزوجته المقيمة مع أمها وأبيها ، وألوان جسدها أحمر أزرق أخضر ..
يجلس الأب والأم أمام ابنتهما يشعران بالانكسار والذلة ، ويصفر وجه الأخ وهو يرى أخته في الحالة التي هي فيه ، فيحاول أن يتحرك ، فتقول له أمه : اخز الشيطان فيخزيه ، ويختلط أولاد الخال بأولاد العمة وترتفع الأصوات في البيت الضيق ، واللعب جزء من حياة الأطفال ..
وتمر الليلة ويمر اليوم ويمر الأسبوع ، ويزداد البيت الضيق أصلا على أهله ضيقا ، ويضيق معه عبء الخرج والصرف ، وتضيق أكثر أخلاق الأب والأم والأخ وزوجة الأخ .. ولا يكتم أحد منهم ضيقه بأولاد هذا الزوج ناكر الجميل الذين هم أولاد الأم نفسها ، وهذا يحتاج إلى دواء ، وذاك يحتاج إلى حليب ، والثالث يحتاج فوط ويقول الأب " وزوجت بنتي لأخلص من بلاها اجت وجابتلي وراها " وتسمعها بأذنها فتعض على يدها من ألم ..
وذات صباح تقول لها أمها : اسمعي يا ابنتي الرأي عندي أن تعيدي له الأطفال ، فهم أطفاله وهو أولى بهم ، وتطفر من عينها الدموع ..
وتحاول في مقامها الضيق المؤقت أن تعطي من نفسها أكثر ، فتتحول إلى شبه خادمة في البيت ، فقط لتتقي لسان زوجة أخيها الذي ينشر على الطالع والنازل ، ولتتقي ضجر أخيها الذي لا ينقطع من شغب الأطفال وضجيجهم ..
وتتفاقم الأمور ، ويتزايد الضيق ، وبعد شهر أو يزيد يخطر لحماتها أن تمر لتكشف خبر كنتها وأبناء ابنها ، فتمر متظاهرة أنها لا تدري ولا تعلم ما جرى وما كان ،.,. تطبع قبلة باردة على خد كنتها : تقبريني قومي معي إلى بيتك وزوجك وأبو أولادك.. فتجد أن الفرج قد نزل عليها من السماء ، تضع الغطاء على رأسها ، وتسحب أولادها عائدة إلى بيت الطاعة حيث الذي علمت والذي تعلمون ...
ويقولون ما أكثر ما يعتمد علم السياسة على علم الاجتماع ...
وسوم: العدد 909