متى تتجرّع الأطرافُ السوريّةُ السُّمَّ؟
"ويلٌ لي لأنني ما زلتُ على قيد الحياة، حتى أتجرّع كأس السُمّ بموافقتي على اتفاقية وقف إطلاق النار، لَكَمْ أشعر بالخجل أمام تضحيات هذا الشعب".
تلك هي كلمات الإمام الخمينيّ، في خطاب له بتاريخ: 18/ 7/ 1988، أعلن فيه قبول إيران قرار وقف إطلاق النار رقم 558، لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية.
أليس حريًّا بأطراف الأزمة السورية، أن تجلس مع نفسها في جلسة يغلب عليها الصدق مع الذات، لتعلن في قرار جريء إنهاء هذه المأساة، التي قاربت العشر من السنوات، أتتْ على كلّ مقدّرات البلد، وجعلت سورية تخرج من التصنيف العالميّ للدول، وجعلتها ترزح تحت مديونية تتجاوز (400) مليار دولار لإعادة الإعمار والتأهيل، وفترة زمنية تتجاوز (50) سنة؟
هل هذه الأطراف في وضع أفضل من وضع إيران بعد (8) سنوات من الحرب مع العراق؛ ما جعل الإمام الخمينيّ يخرج في ذاك الخطاب الشهير، ليتجرّع كأس السُّمّ، بإعلانه قبول وقف إطلاق النار، ويتحمّل تبعات هذا القرار المصيريّ؟
هل ما زالت هذه الأطراف متشبثة بمواقفها في المضيّ قدمًا في هذه المأساة، في الخروج منتصرة من طرف واحد، ألمْ تدرك بعدُ أن هذا الخضّ في جرّة هذه الحرب قد جعلت الدسم كلّه يصبّ في مصالح الدول المتدخِّلة: ابتداءً وانتهاءً، وجعلت الخزينة السورية فارغة بعد أن أتت أزمة البنك المركزي اللبناني فقط، على (42) مليار دولار من خزينة البنك المركزي السوريّ، على حدّ تصريح الرئيس الأسد.
ها هي أمريكا قد أمسكت بملفات المنطقة بفضل ذلك، وتموضعت قواتها في المثلث (العراقي- السوريّ- التركيّ)، وجعلت منها قوة يصعب على أيّ من دول المنطقة أن تتجاوزها بعد الآن.
وها هي روسيا قد عادت إلى المياه الدافئة، واتخذت من شواطئ المتوسط السورية قاعدة لها ولمدة تتجاوز (40 سنة)، بموجب الاتفاق الموقع بين البلدين في: 26/ 8/ 2015، وجعلت من سورية، على سبيل المثال، بؤرة لمادة (vx)، التي تعدّ من المواد التي تستخدم في الحروب لتدمير الجهاز العصبي للإنسان ومن ثم الوفاة، إنّها على الرغم من تحريمها دوليًّا سنة: 1993، ما تزال تظهر آثارها بكثرة في الجغرافية السورية، بعد إقدام روسيا على تجريب جلّ انتاجها العسكريّ فيها، بحسب ما كشف وزير الدفاع، سيرغي شويغو، من أن وزارته قد جرّبت ما يُقارب 400 سلاح في سورية، خلال السنوات الأربع الأخيرة، وأنها قامت بتطوير هذه الأسلحة لتتلاءم مع كافة الظروف وبمختلف العمليات العسكرية، مثلما أوقفت تطوير وإنتاج (12) نوعًا من هذه الأسلحة بسبب إثبات فشلها.
أمّا إيران هي الأخرى، فلم تفقد من عناصرها سوى القليل القليل، فجلّ قتلاها من المليشيات غير الإيرانية، التي استغلت عواطفها وظروفها للزجّ بها في أتون الحرب السورية، وجعلت ميزانية البنك المركزي العراقي في خدمة مشروعها التوسعي في عدد من دول المنطقة ومنها سورية.
فقد أعلنت لجنة النزاهة في البرلمان العراقي أنّ حجم الأموال العراقية المهرّبة إلى الخارج منذ: 2003، تقدّر بنحو (240) مليار دولار، وبنحو (680) مليار أخرى لتعاقدات وهمية مع الخارج، وجلّ التقارير تشير إلى أنّ هذه المبالغ كانت تحت تصرّف الحرس الثوريّ، والمسؤولين الموالين لإيران.
في حين أن تركيا قد عادت حركة التجارة النشطة مع الشمال السوريّ، وبلغ حجم الصادرات التركية ذات المؤشر قبل سنة: 2011، فبلغت نحوًا من (3) مليار دولار سنويًا.
إنّ هذه الدول المتدخِّلة في الملف السوريّ قد توافقت على تثبيت مناطق النفوذ والتهدئة، وبعضها أبلغ المعارضة صراحة بأنّ إزالة النظام لم يعُد أولويّة لها، مثلما أبلغ بعضها الآخر أنّ هزيمة المعارضة خطٌ أحمر لا تقبل به؛ وهذا يعني أن القضية السورية على أبواب عملية سياسية طويلة الأمد، على طريقة أوسلو، وربما تستمر الأمور على الحال ذاتها لمدة قد تصل إلى ما بين (10-15) سنة.
لقد أضحى حال السوريين في طرفي الأزمة، كحال لاعبيّ كرة السلة السُّود، إنّهم بارعون وممتازون في لعبهم، ومن غير أن يكون منهم مدرِّب واحد للفريق، على وصف الرئيس أوباما.
إنّ طرفي الأزمة السورية مدعوون إلى وقفة كوقفة الرئيس أوباما، في اجتماع له في قاعة البلدية في جنوب ولاية فلوريدا سنة: 2009، عقب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ضربت الولايات المتحدة، عندما اِلتقى وجهًا لوجه بواحدة من ملايين الأمريكيين الذين يعيشون على الكفاف، فقالت له السيدة هنريا هيوز: "إنني بحاجة ماسّة إلى المساعدة، إنني عاطلة عن العمل، وإنني وأسرتي نعيش بلا مأوى، إننا نعيش في مركبة صغيرة، وسلطات الإسكان في الولاية تطلب منّا الانتظار سنتين حتى توفّر لنا منزلاً نعيش فيه، إننا نحتاج إلى أكثر من حدائق نعيش فيها، وإلى أكثر من سيارة، إننا نحتاج إلى مطبخ خاص بنا ، وإلى حمام نستحمّ فيه، أرجوك ساعدنا".
فكان جوابه: إنني أصغيتُ إليك، وإننا سنبذل ما في وسعنا لمساعدتك، وإيجاد حلّ لمشكلتك، وسأطلب من مساعديّ كي يتحدّثوا إليك هنا بعد هذا الاجتماع في قاعة البلدية، اتفقنا. هل أنت راضية، وستبقين تدعين لي في صلواتك كما اعتدت".
وسوم: العدد 910