(المقتسمون الذين جعلوا القرآن عِضين)
قرأ الإمام اليوم في صلاة الفجر قوله تعالى من سورة الحجر الآيتين (كما أنزلنا على المقتسمين ، الذين جعلوا القرآن عِضين)(90-91).
فأحببت أن أعرض معنى (الاقتسام والعضين):
فمما قال ابن كثير رحمه الله تعالى في معناهما :
- هم المتحالفون أي تحالفوا على مخالفة الأنبياء وتكذيبهم وأذاهم كقوله تعالى إخبارا عن قوم صالح أنهم " قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله " ليقتلوهم ليلاً .:
- وهم الذين لا يؤمنون بالبعث والنشور:" وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت "
- ومنهم الذين أقسموا ان الله لا يرحم المؤمنين الداعين إلى الحق: " أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة "
- وكأنهم كانوا لا يكذبون بشيء من الدنيا إلا أقسموا عليه فسموا مقتسمين . وفي الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير العريان فالنجاء النجاء فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا وكذبه طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق " .
ومما قال القرطبي:
اختلف المفسرون في " المقتسمين " على أقوال سبعة . وهي ستة فقد كرر القول الأول:
الأول : هم ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا أعقاب مكة وأنقابها وفجاجها يقولون لمن سلكها : لا تغتروا بهذا الخارج فينا يدعي النبوة ; فإنه مجنون , وربما قالوا ساحر , وربما قالوا شاعر , وربما قالوا كاهن . وسموا المقتسمين لأنهم اقتسموا هذه الطرق , فأماتهم الله شر ميتة , وكانوا نصّبوا الوليد بن المغيرة حكما على باب المسجد , فإذا سألوه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صدق أولئك ( يقصد الستة عشر).
الثاني :هم قوم من كفار قريش اقتسموا كتاب الله ( من القِسمة لا القَسم)فجعلوا بعضه شعرا , وبعضه سحرا , وبعضه كهانة , وبعضه أساطير الأولين .
الثالث : هم أهل الكتاب آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه .
الرابع : أنهم سُمّوا مقتسمين لأنهم كانوا مستهزئين , فيقول بعضهم : هذه السورة تقصدني وهذه السورة تعنيك .
الخامس : أنهم قسموا كتابهم ففرقوه وبددوه وحرفوه .
السادس : هم قوم صالح , تقاسموا على قتله فسُمّوا مقتسمين ; كما قال تعالى : " تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله " [ النمل : 49 ] .
أما معنى ( عضين): فمما قال ابن كثير فيه:
" الذين جعلوا القرآن عضين "
- فقد جزءوا كتبهم المنزلة عليهم فآمنوا ببعض وكفروا ببعض.
- وقال بعضهم : (العَضَهُ السحر) بلسان قريش يقول للساحرة إنها العاضهة .
- وقالوا العضينُ ( أصناف من الكهانة و أساطير الأولين والجنون). واحتجّوا أن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش وكان ذا شرف فيهم وقد حضر الموسم فقال لهم يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسم وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذبَ بعضُكم بعضا ويردَّ قولكم بعضه بعضا فقالوا:أقم لنا رأيا نقول به قال : بل أنتم قولوا لأسمع. قالوا : نقول كاهن قال ما هو بكاهن قالوا فنقول مجنون قال ما هو بمجنون قالوا فنقول شاعر قال ما هو بشاعر قالوا فنقول ساحر قال ما هو بساحر قالوا فماذا نقول ؟ قال والله إن لقوله لحلاوة فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل وإن أقرب القول أن تقولوا هو ساحر ; فتفرقوا عنه بذلك وأنزل الله فيهم " الذين جعلوا القرآن عضين " أصنافا .
وأما بعضُ ما قال القرطبي:
- واحد العضين عضة، وعضيت الشيء تعضية: فرقته. فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض.
- وقيل : فرقوا أقاويلهم فيه فجعلوه كذبا وسحرا وكهانة وشعرا.وأهل مكة يقولون للساحر : (عاضه) وللساحرة عاضهة . وفي الحديث : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم العاضهة والمستعضهة , وفسر : الساحرة والمستسحرة .
- وقيل : العضهُ النميمة والبهتان. قال الكسائي : العضة الكذب والبهتان , وجمعها عضون.
- ويقال : آمنوا بما أحبوا منه وكفروا بالباقي , فأحبط كفرُهم إيمانَهم .
- وقالوا إنه مأخوذ من العِضاه, وهي شجر الوادي ويخرج كالشوك .
والله أعلم
وسوم: العدد 916