مطارحاتٌ شِعريَّة
ـ 14 ـ
{بين جرير والفرزدق والأخطل وأعرابي في حضرة عبد الملك بن
مروان}
رُوِيَ أنَّ أعرابيًّا من بني عذرة دخل على عبد الملك بن مروان
يمتدحه بقصيدةٍ، وعنده الشُّعراءُ الثَّلاثةُ: جريرٌ والفرزدقُ
والأخطلُ، فلم يعرفهم الأعرابيُّ، فقال عبد الملك للأعرابيِّ: هل
تعرف أهجى بيتٍ قالته العرب في الإسلام؟ قال: نعم. هو قول
جرير:
فغضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ من نُمَيْرٍ فلا كعـبًـا بـلَـغـتَ ولا كِلابا
فقال: أحسنت. فهل تعرف أمدح بيْتٍ قيل في الإسلام؟ قال: نعم. هو
قول جرير:
ألستمْ خيْرَ مَن رَكِبَ المَطايا وأنـدى العـالَـمـيـن بُـطـونَ راحِ؟
فقال عبد الملك: أصبتَ. فهل تعرف أرَقَّ بيْتٍ قيل في الإسلام؟ قال:
نعم. هو قولُ جريرٍ:
إنَّ العيون الَّتي في طرفِها حَوَرٌ قـتَـلْـنـنا ثـمَّ لمْ يُحيينَ قـتلانا
فقال: أحسنتَ. فهَلْ تعرف جريرًا؟
قال: لا واللهِ. وإنِّي إلى رؤيته لمشتاقٌ.
قال: فهذا جريرُ، وهذا الفرزدقُ، وهذا الأخطلُ. فأنشأ الأعرابيُّ
يقولُ:
فحـيَّـا الإلـهُ أبـا حَـزْرةٍ وأرغَـمَ أنـفـكَ يـا أخـطلُ
وَجَدُّ الفرزدقِ أتعِسْ بهِ وَدَقَّ خيـاشيمَه الجَـنـدلُ
فأنشأ الفرزدق يقول:
قد أرغــمَ اللهُ أنـفًـا أنـتَ حـامِـلُـهُ يا ذا الخنا ومَقالِ الزُّورِ والخطَلِ
ما أنتَ بالحكَمِ التُّرضَى حُكومَتُه ولا الأصيلِ ولا ذي الرَّأيِ والجَدَلِ
ثم أنشأ الأخطلُ يقول:
يا شرَّ مَن حمَلَتْ ساقٌ على قدَمٍ ما مِثْلُ قوْلِكَ في الأقوامِ يُحتَمَلُ
إنَّ الحكومةَ ليْسَتْ في أبيكَ ولا في مَعشَرٍ أنـتَ مِنهمْ إنَّهُمْ سَفَلُ
فقام جريرٌ مغضبًا وقال:
شَتَـمْـتـما قـائلًا بـالحـقِّ مُهـتـديًا عـنـد الخلـيفةِ والأقـوالُ تَـنـتضِلُ
أتشتمانِ سَفـاهًا خـيْـرَكُمْ نـسـبًـا؟ ففيكما ـ وإلهي ـ الـزُّورُ والخطَلُ
شتمْتماه على رَفعي ووضعِكُمَا لا زلـتُـما في سَـفـالٍ أيُّها الـسَّـفَـلُ
ثم وثب جريرٌ، فقبَّلَ رأسَ الأعرابيِّ، وقال: يا أميرَ المؤمنين،
جائزتي له، وكانت خمسةَ آلافٍ، فقال عبد الملك: وله مِثْلُها من
مالي، فقبض الأعرابيُّ ذلك كلَّه وخرج.
(كتاب مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ج6 ، ص 41 ـ 42
بتصرُّف)
وسوم: العدد 923