إذا كانت القدس هي القربان فلتلغ الانتخابات
سواء ألغيت الانتخابات، أو أجلت، فلنجعل من القدس الشرارة التي تشعل الانتفاضة الثالثة، كما كانت الشرارة التي أشعلت نار الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) في28 سبتمبر/أيلول2000 ردا على تدنيس أرييل شارون زعيم المعارضة في كنيست الاحتلال في حينها، لباحات المسجد الأقصى.
ليس معروفا بعد إن كانت الانتخابات التشريعية الفلسطينية المقررة في 22 مايو/أيار المقبل، ستجري في موعدها المحدد، أم لا؟ والسبب هو قدس الأقداس التي تحاول سلطات الاحتلال منع أي نشاط انتخابي فيها، في محاولة لشطبها من البرنامج الفلسطيني. والتمسك بحق أهل القدس في هذه الانتخابات، ترشيحا وانتخابا ودعاية، يكاد يشق الساحة الفلسطينية، بل يشقها طوليا بين فريق رافض بالقطع لفكرة التأجيل، ويحذر من المجهول، ويدعو لإيجاد الوسائل والسبل، وفريق ثان وأنا من هذا الفريق، رغم قناعته بأهمية إجراء الانتخابات في الأراضي الفلسطينية كافة، باعتبارها مصلحة فلسطينية عليا، من أجل تجديد الديمقراطيات في المؤسسات لمواجهة التحديات السياسية، رافض بالمطلق لأي انتخابات على حساب القدس.
ويشدد الفريق الرافض لإلغاء الانتخابات أو تأجيلها على ضرورة إجرائها في موعدها، أيا كانت الظروف، وجعلها معركة مفتوحة مع دولة الاحتلال، والبحث عن حلول خلاّقة لهذه المشكلة، هذا كلام جميل لكن كيف؟ لا أدري، إذا كان القرار في الوقت الحاضر بيد دولة الاحتلال؟ ويشيرون إلى أن يوم الانتخابات يجب أن يكون يوم اشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي حال عرقلها، ونحن نضم صوتنا إلى أصواتهم ونقول، يجب أن نجعل من كل أيام السنة أيام اشتباك مع العدو. ولا بد لهؤلاء من البحث عن بدائل ضاغطة على الاحتلال، الذي من المؤكد أنه لن يذعن للضغوط، لأن إلغاء الانتخابات أو تأجيلها يصب في مصلحته من جميع الجهات، خاصة تعمق الشرخ الفلسطيني.
يذكر أن كل الأبواب، التي طرقت حتى الآن وهي عديدة، ومنها أبواب الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى بريطانيا، لم تفلح في إرغام دولة الاحتلال على تنفيذ الاتفاقات السابقة، وإجراء الانتخابات في القدس، على غرار انتخابات 1996 و2005 و2006.
إلغاء الانتخابات أو تأجيلها يصب في مصلحة نظام الاحتلال من جميع الجهات، خاصة تعمق الشرخ الفلسطيني
وأصحاب هذا الرأي يقترحون بديلا لتجاوز العراقيل التي يضعها الاحتلال، كوضع صناديق الاقتراع تحت إشراف لجنة الانتخابات في المسجد الأقصى والكنائس. ويقولون أيضا، لا يجوز بأي حال أن نعطي الاحتلال أي ذريعة أو مبرر، بأن يحرف البوصلة عن القدس أو الانتخابات. ويرد مؤيدو التأجيل أو الإلغاء، إذا دعت الحاجة في حال لم يسمح للمقدسيين، بتثبيت حقوقهم السياسية والقانونية في المدينة، عبر الترشح والانتخاب وممارسة الدعاية الانتخابية، بالتساؤل، إذا ما أنهينا يوم الاشتباك، من دون أن نفرض الموقف الفلسطيني، فما العمل؟ هل نذعن للنتيجة ونواصل الانتخابات من غير القدس، رغم ما يعنيه ذلك من انتقاص من حقوق الفلسطينيين القانونية والسياسية في المدينة؟ أم نلغي الانتخابات في حينها وتكون الأوضاع أكثر تعقيدا وفوضوية. وبالنسبة لوضع صناديق الاقتراع في المساجد والكنائس، يقول مؤيدو التأجيل، إنها لن تكون بعيدة عن أيدي سلطات الاحتلال، التي لا تحترم حرمة الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، وستكون قادرة على عرقلة الوصول إليها. والمشكلة الحقيقية الآن هي صعوبة الجمع بين أصحاب هذا القول، أو ذاك في الوقت الحاضر، وإلى أن تركز كل الأطراف الفلسطينية المختلفة جل جهودها لإيجاد الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات في القدس، فلا بد من تأجيلها. وبقدر أهمية الانتخابات، بل كونها في غاية الأهمية، وشرطا أساسيا لتجديد وإنعاش النظام السياسي الفلسطيني، الذي اعتلاه الصدأ، ونفح روح جديدة فيه، تظل قضية القدس أهم من هذه الانتخابات. ولا يمكن القبول بالإصرار عليها في موعدها على حساب القدس. إن تأجيل الانتخابات، أو حتى إلغاءها، لحين خلق الأجواء والأرضية الملائمة، هو الحل الأمثل حتى لا نضطر لتقديم القدس قربانا لهذه الانتخابات. ولننتظر إلى حين تهيئة الظروف النضالية والسياسية لخوض معركة حقيقية في المدينة المقدسة، تشارك فيها كل الفصائل والسلطة الفلسطينية، بعيدا عن المزايدات وتسجيل الأهداف، تكون قادرة على فرض عدم عرقلة عقدها في القدس، على حكومة الاحتلال. وهذا يتطلب أولا وأخيرا توحيد الصفوف والجهود، ووقف المزايدات، وتحديد الأهداف، قبل العمل على تجنيد دول العالم والشرعية الدولية، ووضعها أمام واجبها لكي تفرض ذلك على دولة الاحتلال.
وفي هذا السياق أقول، إنه كان من الخطأ أصلا الربط بين إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، والانتخابات، وكأن هذه الانتخابات ستكون عصا موسى السحرية التي ستصحح كل الأمور المعوجة، وتزيل تراكمات نحو 14 عاما بل أكثر. فالمصالحة وانهاء الانقسام مصلحة وطنية، تحتم على الجميع العمل من أجل تحقيقها بعيدا عن الانتخابات. وأقول أيضا إن الجميع مذنب في تجاهل وإهمال موضوع القدس بالمجمل ولا استثني أحدا، وتركه للحظات الأخيرة.
قرار الإلغاء أو التأجيل، هو بالتأكيد قرار صعب وثقيل، ومن هو القادر بمفرده على أن يتحمل مسؤوليته؟ ولكن قرار المضي قدما في إجراء الانتخابات على حساب قدس الأقداس، أشد ثقلا وأكثر خطورة من الناحية السياسية والوطنية، القرار في كلا الاتجاهين أكبر من أي شخص، مهما علا شأنه، أن يتحمل عبء مسؤولية اتخاذه بمفرده، لا بد أن تكون المسؤولية جماعية لا فردية. من الأصل ما كان يفترض أن يدعى إلى الانتخابات قبل ضمان حقوق أهل القدس في الترشح والانتخابات، وممارسة حق الدعاية الانتخابية، وقبل ضمان نجاح الضغوط الخارجية على حكومة الاحتلال. ولا أدري لما كانت العجلة ولما وضعت الانتخابات أصلا كشرط أساسي للمصالحة وإنهاء الانقسام. باختصار فإن الأمر لا يتعلق بعدد الناخبين في القدس وحقهم في المشاركة في الانتخابات وحسب، بل بالاعتراف الإسرائيلي بأن القدس والمقدسيين هم ضمن النسيج السياسي والوطني الفلسطيني، وكذلك الالتزام بالاتفاقيات الموقعة التي تسمح للمقدسيين بالانتخاب والترشح ضمن حدود مدينتهم ومحافظتهم. ولتكن القدس الشرارة التي تنطلق منها الانتفاضة الثالثة، التي أصبحت الآن ضرورة ملحة، لدحر الاحتلال وغطرسته ومواجهة قطعان المستوطنين، الذين استأسدوا على مزارعينا وفلاحينا، يستبيحون آثارنا التاريخية ومواقعنا الدينية ومقدساتنا الإسلامية والمسيحية ليل نهار.
ونختتم بآخر أخبار ناصر القدوة مؤسس الملتقى الوطني الديمقراطي الفلسطيني رئيس قائمة الحرية، التي أدت إلى فصله من اللجنة المركزية لحركة فتح. فقد وقع الدكتور ناصر مرتين بزلة اللسان، التي جعلت الكثيرين يتساءلون عن مشكلته مع قائمة الحرية التي يترأسها، ففي مقابلتين منفصلتين يشير إلى قائمته بقائمة المستقبل. ووقع القدوة في زلة اللسان الأخيرة في مؤتمر صحافي لدى عودته إلى غزة، بحثا عن أصوات لم يتذكرها في السنوات الـ15 الماضية، وفيه يقول «قائمة المستقبل زي ما بتعرفوا ومعاي هون أخوات وأخوة، (وهنا تدخل بعضهم ليصححه وتذكيره باسم قائمته) قائمة الحرية عفوا، وهاي من 2005 لاصقة معانا». هذه الزلة وغيرها التي إن دلت على شيء فإنما تدل على عدم قناعة ناصر، كما يبدو بالخطوة التي أقدم عليها ولا بالقائمة التي شكلها بالتنسيق مع مروان البرغوثي، ودفع ثمنها باهظا. ولمن لا يعرف قائمة المستقبل فهي قائمة محمد دحلان، التي يتصدرها ساعده الأيمن سمير مشهراوي، الذي عاد في الأيام الأخيرة، كما القدوة وغيره من قيادات جماعة دحلان إلى «أرض الوطن لإنقاذه والعناية بأهله المحاصرين ووضع حد لمعاناته». ويحتل المركز الثاني في هذه القائمة سيئ الصيت والسمعة، سري نسيبة الممول، كما دحلان من محمد بن زايد الذي ارتبط اسمه في الآونة الأخيرة ببيع4 عقارات في القدس.
وزلات اللسان هذه وغيرها وتعليق القدوة عليها لم تعجب غسان جاد الله، أحد كبار جماعة دحلان، أو ما يسمونه تجاوزا تيار الإصلاح الديمقراطي، الذي أصر على تسميته بجماعة دحلان، فهم ليسوا أكثر من جماعة منتفعة من ملايين دولارات دحلان ومحمد بن زايد، فهذه الجماعة، أو معظم أفرادها لا هي إصلاحية ولا ديمقراطية. فكيف يمكن أن تكون تيارا إصلاحيا، وأموال بن زايد هي التي تحركها، ولا هي ديمقراطية، فاين هي الديمقراطية ودحلان كغيره من الذين ينتقدهم، لا يزال على رأسها منذ سنوات من دون انتخابات، ويتحدثون عن سلطة فاسدة وكبيرهم/ زعيمهم الذي علمهم السحر هو شيخ الفاسدين. والله على ما أقول شهيد.
وسوم: العدد 926