من أثمن كنوز الدنيا
الصَّداقة كلمةٌ عظيمةُ المدلول ،عميقة المعنى ،جميلة الحُضُور، عزيزةُ الغِياب ،أثيرةُ الرُّوح،رفيقة الوجدان
هي أشواق الفؤاد ،وهُتافاتُ الأعماق ،ونداءاتُ الحَنايا، هي حديث الرُّوح ونجواها ،واشتياقات الفؤاد ومهواها ،حيث يكون صاحِبُكَ معك في غيابه ، وتكون معه في غيابك، هي عقلٌ وروحٌ واحدةٌ في جسدين مختلفين لكنَّهما يبقيان على صلة ،وإن فرَّقَهُما المكان ،وباعد بهما الزَّمان ، تراهُ يذكرُكَ في حِسِّهِ ودعائه ، وتلقى نفسَك تُقيم معه في وجدانه وكيانه ،كلٌ يقيم مع الآخر ليصبح بمكانة النَّفس منه حساً ونبضاً إخلاصاً ووفاءً.
وللصُّحبةِ حقوقٌ وواجبات والتزامٌ ومسؤوليات كلٌ تجاه الآخر وكلٌ يحفظ الودَّ، ويرعى العَهد ،ويُقيمُ الأَوَدَ، كُلٌ يُقيمُ مع الآخر بحِسِّهِ ونفسه ونبضه وروحه ليُضْحي كأنَّهُ معه ويدافع عنه في غيابه كأنه في حضوره.
هذه هي الصَّداقةُ الحقيقيةُ تُحفةٌ شُعُوريةٌ لاتُقَدَّرُ بثمن ،وتزداد تألُّقاً كلَّما مرَّ عليها الزَّمَن ،لاتوزن بميزان لأنها أثقل من كل شيء ،وليس لها أثمان لأنها أثمن من كل شيء، هِيَ نِعْمَةٌ عظيمةٌ جليلة المكانة لاتُعادلها الدُّنيا بكلِّ مافيها .
هي قصرٌ منيفٌ بديعٌ يشتاق الصديق الصادقُ إليه ومفاتيحه بيديه مكتوبٌ على بابه دوامُهُ بالودَّ والوفاء،وبقاؤه ُ بالمُسامحةِ والإغضاء يمتلكه الأصفياء الصادقين،
والصَّداقة الحَقَّةُ هي بمثابة العين للعيْن تناغماً وتعاوناً وتفاهُماً هكذا هي بالنسبة للمرء ،والبعض يشبهها كالعلاقة بين العين واليد، إذا تألَّمتِ اليد دَمَعَتِ العَيْن ،وإذا دَمَعَتِ العَيْن مَسَحَتْها اليد وكفكفت دموعها ،هي بحق أعني الصَّداقة أجمل مافي الحياة ، أجل والله معرفة الرجال ثروةٌ حقيقيةٌ، أولئك الأصحاب المُخلصين، والرِّجال الصَّالحين فهم الذُّخْرُ والعَوْن في الحياة ، والأمانُ والضَّمان لحسن الختام بصلاحهم وتقواهم ، وهم السَّعادة والفرحة والبسمة والبهجة لما يخلعون عليها من حُلل السرور والحبور، وهم الفائدة والزيادة بما يضيفونه لك في الحياة من عبرٍ وحكم ،وهم العَوْنُ والسَّنَدُ واليدُ والعَضُد في الشِّدَّةِ واللأواء ،وهم أي الصَّحبُ من أثْمَنِ كُنُوز الدُّنيا
فلنحسن اختيارهم وصُحبتهم ،ولنحافظ عليهم فهم الكنوز الحقيقية يقول الحسن البصري رحمه الله: ( تواصلوا مع أصحابكم فالصاحب الوفيّ مصباح مضيء ، قد لا تدرك نُوره إلا إذا أظلمت بك الدنيا) رزقنا الله وإياكم حسن الصحبة ،وحسن الاختيار،وحسن الختام والحمد لله رب العالمين.
وسوم: العدد 935