قلب المؤمن
لا يزال قلب المؤمن بين صبر ورضا وشكر.
وأسباب الصبر كثيرة. ينزل البلاء بالإنسان المؤمن وغير المؤمن، في ماله ونفسه وأحبابه... والمؤمن يعلم أن الأمر مقدّر عليه من الله، وأن عليه أن يدفع أسباب البلاء بما يستطيع، وأن يصبر على ما يقع عليه، وأن الله مع الصابرين.
ثم إن المؤمن وهو يعلم أن ربّه حكيم، عليم، ودود، كريم... يجزي الصابرين أجرهم بغير حساب... يرى قلبه قد رضي بما قدّر له ربّه مِن نِعَم ومِن بلاء، ويرى أنه يتعامل مع الله الكريم الرحيم فيرضى وتهون عليه كل مصيبة.
ثم إنه يعلم أن ما رآه مصيبة كان خيراً في حقّه، كفّر عنه ذنوبه، ورفع له درجاته، وأجزل له في الأجر... فإذا لسانُه يلهج بالحمد والشكر، وإذا قلبُه يطمئن إلى إنعام الله فيما كان ظاهره بلاء، فضلاً عما هو نعمة ظاهرة، وما أكثر نِعَم الله تعالى، يعجز المؤمن عن إحصائها، فكيف لا يعجز عن شكرها!.
والله سبحانه غني عن شكر الشاكرين، يرضى من العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها، فهو سبحانه كريم شكور.
وإذا كان الصبر لدى كثير من الناس يمثل حال الضرورة بحيث لا يجد العاقل، مؤمناً أو غير مؤمن، مندوحة عن الصبر مع اتخاذ كل الأسباب لدفع البلاء... فإن المؤمن يرتقي، كلما راقب الله، وفَهِمَ عن الله، في مدارج الرضا، فيصبح الصبر هيّناً عليه، بل يستشعر نسائم الرحمة والحكمة والعطاء في كل ما يَعرِض له، وإذا بلغ ذلك أو قاربَهُ فإنه يُحسّ فضل الله عليه وإنعامَه، فيرتقي إلى مرتبة الشكر، وهي المرتبة التي جعلها الله سبحانه الغايةَ الأسمى في التكليفات الشرعية، وفي التذكير بنِعَم الله. وكثيراً ما نقرأ في كتاب الله: (لَعلّكم تَشكرون).
وهو في كل أمره كذلك بين رجاء يرجو به رحمة ربه، وبين خشية لله وتعظيم وخوف من عذابه، وبين حب له يملأ شغاف قلبه، ويَظهر ذلك ذِكْرا يلهج به لسانه، واستقامة توجّه سلوكه، فإذا هفا أو أذنب ذنبا صغيرا أو كبيرا أحسّ بالخجل من خالقه، وبالخوف من عقابه، وبالخزي الذي يلقى به ربه الذي غمره بالإحسان، وأنعم عليه نعمه الظاهرة والباطنة ... فسارع إلى التوبة والاستغفار، وأقبل يُتبِع السيئة الحسنة، ويرجو من الله القبول. إنه مع الله، وظنه بالله أنه كريم ودود غفور رحيم، يجزي الحسنة بأضعافها، ويعفو عن السيئات، ويفرح بتوبة التائبين... فكيف لا يكون راجيا عطاءه، شاكرا نعماءه، صابرا على ابتلائه، راضيا بقضائه؟
نسأل الله أن يُلهِمَنا الصبرَ والرضا والشكر. (وقليلٌ مِن عِبادي الشّكُور). {سورة سبأ: 13}.
وسوم: العدد 935