في مواطن إباحة الغيبة
وعلق على إفادتي بالأمس ، عن حرمة إشاعة الفاحشة بين ظهراني المسلمين، معترضا بنقله من متون العلماء ...
القدح ليـس بغيبة في ستة ... متظلم ومعرف ومحـذر
ومجاهر فسقا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
وأقول ومنظومات العلماء يقرؤها العلماء. وهذه المواطن الستة المومى إليها ربما يشرحها كتاب ..
وأول ما يذكر من أمر الغيبة قوله تعالى ( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ )
وأكرر في وصف المغتاب أنه الرجل يذكر أخاه بما يكره ، وهو صادق ، وإلا فهو صاحب بهتان.. وضابط الغيبة ضحيتها، فربما يكره رجل أن يذكر بشيء ولا يكرهه آخر ، فالذي يكره أن يذكر بأمر ، هو ضابط الحل والحرمة. وبعض الناس مثلا يكرهون أنهم أن يذكروا أنهم مرضى ، أو ان في بيوتهم ولد مريض أو بنت مريض، فليس لمتفكه بأعراض الناس أن يذكر ذلك عنهم.
وأعود إلى المتن المذكور ، وقد تعددت فيه صياغات الفقهاء، وأقف عند عناوينه على قدر الوسع والجهد، وودت لو عالما " صاحب اختصاص" كفى الناس من أمر دينهم الأهم فالمهم ...
قالوا :
القدح ليس بغيبة في سـتة ... متظلـم ومعرف ومحذر
ومجاهر فسقا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
وقولهم ومتظلم ، يعنون متظلم عند قاض يطلب النصفة، أو متمكن من إزلة الظلم يزيل ظلامته، وينتصف له من غريمه. وليس عند بياع الكوسا وفي مجلس الحي، وعلى صفحات الفيس بوك.
والمتظلم - فاعلمن - في وصفه الشرعي صاحب دعوى، أي مدع بالظلم على من يظنه ظالمه؛ وقد يكون محقا وقد يكون غير ذلك، فلا يهتك أعراض الناس بدعوى أنه مظلوم، ثم عند التحقيق يظهر أنه في كل ما قال مدع إما متوهم وإما كذاب ..
وكم يميل الناس إلى تصديق قول القوي في الضعيف، والعزيز بالذليل، والغني في الفقير ، بدون تحقيق ولا تدقيق ولا مراجعة. ونتمدح بقول سيدنا أبي بكر " القوي فيكم ضعيف... والضعيف فيكم قوي...." وفي رسالة القضاء لسيدنا عمر " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم" فلا يغرنّك أن تقول إنني مظلوم أو متظلم ...
قالوا "ومعرف" : والمعرف إنسان يسأل عن إنسان من أجل مصاهرة أو شراكة أو جوار أوصحبة سفر ونحوه ، فيجيب المسئول على ذلك بقدر الحاجة ومما يخص موطن السؤال ، ففي المصاهرة يجيب بما يكتفى به بمثلها، وفي رفقة السفر يجيب بما يقتضيه حالها، وفي التعامل بالمال بنحوه ، مما هو مطلع عليه أكيد منه ، وليس عنعنات أبناء المقاهي ..وإذا كان سبب واحد يكفي السائل أو يشفيه، فلا يذكر ثانيا ولا ثالثا ولا سابعا...( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ )
قالوا و "محذر ": وعند هذه تنقطع الأعناق ، وصاغها الإمام الغزالي " إذا رأيت طالب علم يتردد إلى مبتدع "وليت شعري، مَن يحكم على مَن؟؟ بأنه مبتدع ، مسألة على صحتها وحقيقتها عويصة، ومع ذلك يمكننا أن نقول فيها على وجه الإجمال في هذا العصر، إن المتزلفين للسلاطين في كل عصر هم موضع ريبة فلا تقبلوا منهم ولا تقاربوهم ، وإن منكري السنة النبوية على اختلاف طبقاتهم مبتدعون فاحذروهم، وإن الذين يتمارون في كتاب الله فينزلون آياته على غير سياقاتها، مبتدعون فاحذروهم وأعفي نفسي من ذكر الأسماء ففي التعريف العام عن الخاص غنى ..إلا أن تلج القضية ويكون لا بد من التشخيص فتشخص، وضابط المسألة والمقام ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ )
قالوا : و "مجاهر فسقا " ، وتذكره للحاجة فيم جاهر به فقط من الفسق ، فرجل يدخل الحي كل ليلة سكران ، ويوقظ أهل الحي على صوته يترنح ويتعتع ، فيذكر بسكره وشربه للخمر ويستر عليه ما دون ذلك مما ابتلي به في نفسه أو في آل بيته فاعلم هذا وقف عند حد الله ..
قالوا " ومستفت " والمستفتي إنما يستفتي المفتي، ويكون عن الشخصنة في غنى، إلا أن يقول الرجل زوجتي وتقول المرأة زوجي ، ويقول الوالد ولدي وتقول الابنة ابني..أما الاستفتاء على صفحات الفيس وعلى الهواء وتذكر فيه أسماء أشخاص أو أوصافهم على الظن والافتراض والشك فهذا بابه مغلق في وجه مشيعي السوء بين المسلمين .
قالوا : "ومن طلب الإعانة في إزالة منكر "، وهذه أيضا بقدرها ، فالعون يطلب ممن يقدر عليه. وليس من كل أحد ، ويجهر في وسط الناس ينادي على سامعي الصوت : في بيتنا صائل أو لص ...لينجدوه، وعلى المسلم يبلغه صريخ مستنجدة ومستنجد أن يجيب..
إن إشاعة السوء والفحشاء مثل السوس ينخر بنية المجتمع، ولذا حتى المواطَن التي يضطر فيها الإنسان لطلب " العلاج " محدودة موصوفة مقدرة منضبطة، وإنما ابتلينا بمتتبعي الرخص، وتتبع الرخص ينم على ما لا يحمد ولا يرضى ، وكتبته مستعينا بالله ، على بعد عهدي بالمقرر في علوم النجباء من الفقهاء ...
وسوم: العدد 936