(وَعَسَى أن تَكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم، وعسى أن تُحبّوا شيئاً وهو شرٌّ لكم).
أي: عسى أن تكرهوا شيئاً كالقتال في سبيل الله تعالى وهو خير لكم إذ فيه إحدى الحُسنيين: إما الظفر والغنيمة في الدنيا مع ادخار الجزاء الأخروي، وإما الشهادة والجنة. وعسى أن تحبّوا شيئاً كالقعود عن الجهاد وهو شر لكم في الواقع لما فيه من الذل ووقوعكم تحت طائلة الأعداء.
وقال القرطبي: والمعنى: عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وهو خير لكم في أنكم تَغلِبون وتظفرون وتغنمون وتؤجرون ومَن مات منكم مات شهيداً، وعسى أن تحبّوا الدَّعة وترك القتال وهو شر لكم في أنكم تُغلَبون ويذهب أمركم.
وأنشد أبو سعيد الضرير:
رُبَّ أمـــــــرٍ تتّــــــــقـيــــــه جــــرّ أمراً ترتضيه
خفي المحبوب منه وبــــدا المكـروه فيه
وهذا الكلام الذي كتبه الإمام القرطبي من مئات السنين يثير في النفس شجوناً وآلاماً، فإن المسلمين ما هانوا وضعفوا إلا عندما تركوا الجهاد في سبيل الله، وتثاقلوا إلى الأرض، ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها، وآثروا متع الدنيا وشهواتها على الحياة العزيزة الكريمة.
وبذلك نرى أن القرآن الكريم لا ينكر على الناس مشاعرهم الطبيعية، وأحاسيسهم الفطرية من كراهية للقتال، ولكنه يربّي نفوسهم على الاستجابة لأوامر الله العليم بالغايات المطّلع على العواقب، الخبير بما فيه خيرهم ومصلحتهم، وبهذه التربية الحكيمة بذل المؤمنون نفوسهم وأموالهم في سبيل رضى خالقهم عن طواعية واختيار، لا عن قسر وإجبار.
وسوم: العدد 938