حوران و»الدكتور»: أحقاد لم تخمد وأخرى تتجدد
للنظام السوري مع منطقة حوران عموماً، ومدينة درعا بصفة خاصة، ثارات عديدة تراكمت سنة بعد أخرى، لا تقتصر على أنّ الحوارنة كانوا سباقين إلى التظاهرات الأبكر، أو أنّ تلاميذها خطّوا على الجدران تلك العبارة الفريدة: «أجاك الدور يا دكتور» في إشارة إلى أوان رحيل بشار الأسد، أو أنّ أبناءها بذلوا أوّل الدم وأوائل الشهداء. وحين اندلعت انتفاضات العرب، وتفاخر الأسد بأنّ نظامه «ممانع» و»محصّن»، توجّه مع ذلك إلى المخابرات الروسية يستفتيها حول المناطق السورية الأكثر عرضة للانتفاض تأثراً بموجة البوعزيزي في تونس؛ فكان الجواب قاطعاً: الأخطر ريف دمشق، والأكثر ولاءً (وبالتالي تأخراً في الالتحاق بالاحتجاجات) ريف حوران ومدينة درعا.
خيبة الأسد الشخصية، إزاء انتفاض المنطقة على نقيض نبوءات المخابرات الروسية، ترجمها على الأرض العميد عاطف نجيب رئيس شعبة الأمن السياسي وابن خالة الأسد، الذي أكمل موبقات المحافظ وليد عثمان والد زوجة صيرفي النظام رامي مخلوف؛ وثمة، في سجلات انتفاضة حوران، ما تشيب له الولدان حقاً من أفانين التوحش والحقد والتنكيل والإذلال، الجماعي دائماً، بحقّ أبناء المنطقة، ولم تكن مأساة الطفل حمزة الخطيب سوى واحدة منها منكشفة ومفتضَحة. وأمّا أحدث خيبات «الدكتور»، الذي لم يطل الوقت حتى استحق ألقاب «الكيماوي» و»مجرم الحرب» و»البراميلي»، فقد كانت عزوف المنطقة الصريح والجسور والبطولي عن المشاركة في مساخر «انتخاب» الأسد.
عير أنّ للمنطقة امتيازاتها الجيو – سياسية التي حتمت أن تتجاوز معادلاتها أحقاد النظام، وثارات الأسد وخيباته الشخصية، بدليل أنّ وضعها تحت تصنيف مناطق «خفض التصعيد»، بموجب اتفاق 2018، لم يشارك في صياغته النظام وروسيا وإيران/ «حزب الله» فقط، بل حضرت أيضاً الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي والأردن؛ فتوافق الجميع على ترقية نظام قاتل الأطفال وراجم البراميل والأسلحة الكيميائية وراهن سوريا إلى خمس احتلالات في آن معاً، إلى مصافّ وكيل محلّي يخدم رعاة الاتفاق كافة، في حوران وتخومها. ولهذا يصعب على الحوارنة أن يتخيلوا، فما بالك أن يهضموا، أيّ مساع روسية للتوسط أو ردع ميليشيات إيران و»حزب الله» وذئاب الفرقة الرابعة؛ أو، في المقابل، أن يقبضوا جعجعة معتادة بلا طحن، تصدر عن البيت الأبيض أو الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة.
إلى هذا سجّلت حوران سابقة من طراز آخر، ليس أقلّ اتصافاً بالجوهريّ الفارق، هو محاسن ومساوئ صفقات «مصالحة» مع النظام يمكن أن يبرمها عسكر «الجيش الحرّ» برعاية فريق ثالث؛ وليس، للإيضاح المفيد، على غرار تسويات الغوطة أو القلمون أو حلب أو دير الزور. ذلك لأنّ حصيلة صفقة حوران، للعام 2018، فشلت حتى في اكتساب جدل الربح والخسارة أو موازين الأخذ والعطاء والتفاوض، وليس الدليل الأوضح سوى الحال الراهنة التي يعيشها اللواء الثامن وقائده أحمد عودة، الذي لا حول له ولا طول غير الاقتداء بالوسيط الروسي، والقيام أحياناً بما يشبه وظائف هلال أحمر حوراني يشرف على تبادل الأسرى والجثث!
غير أنّ التفصيل الذي لا يصحّ أن يكون عابراً في المشهد الحوراني الراهن هو وضع الفرقة الرابعة، ليس عسكرياً فقط بل سياسياً أيضاً؛ لأنّ كتائبها، الأفضل تسليحاً والأعلى امتيازات و»الأنقى» من حيث التركيب الطائفي/ العشائري، سجلت هزائم جلية أمام ما تبقى من فصائل مسلحة معارضة، كما كشفت مقدار الانشطارات التي بلغها جيش النظام بين موالاة قطيعية، وأخرى مرتبطة بـ»الحرس الثوري» الإيراني، وثالثة تتعامل مع الضباط الروس، ورابعة توالي النظام عبر مؤسسة أمنية مثل المخابرات العامة وليس وزارة الدفاع أو رئاسة الأركان.
ورغم ما يعانيه أهلها من عذابات الحصار والتهجير والتجويع والدمار، فإنّ حوران تواصل الأمثولة؛ وإذْ لم تخمد أحقاد «الدكتور» بل تتجدد، فعلى منوالها تتعاقب شرارات آذار (مارس) 2011، التي منها اندلع اللهيب.
وسوم: العدد 941