ربيع الشعوب العربية كربيع الطبيعة يأتي إذا حان أوانه ورهانها على الإسلام قناعة راسخة لا تتزحزح عنها قيد أنملة

إن الله عز وجل قد رضي للشعوب العربية الإسلام دينا لما بعث سيد المرسلين وخاتمهم بالرسالة الخاتمة للعالمين في شبه جزيرة العرب ، وأوكل إلى أهلها تبليغ رسالته لكل أمم الأرض لإخراجها من ظلمات الكفر والشرك إلى نور الإيمان والتوحيد .

 ولقد اختار الله سبحانه وتعالى العرب لهذه المهمة العظيمة دون غيرهم من الأمم، فكانوا أول من خضعوا لتجربة الإسلام  الذي أخرجهم من ظلمات جاهلية لم يكن من اليسير عليهم التخلي عنها وقد تشرّبوها زمنا طويلا .

وبنجاح تجربة خاتمة الرسالات مع الجنس العربي على ما كان عليه من تشبث شديد بجاهليته ، تأكد أن نجاحها  سيكون حتما مع كل الأجناس والأعراق مهما بلغ جهل جاهليتها التي لا يمكن أن تتعلق بغبار جاهلية العرب كما وصفها القرآن الكريم وهو أصدق القول  .

والله سبحانه وتعالى الذي رضي لسلف العرب الإسلام دينا لا يمكن أن يرضى لخلفهم دينا غيره حتى تقوم الساعة ، ولهذا إن كل من يحلم بأنه سيأتي يوم يتخلى فيه العرب عن الإسلام  فهو واهم أو حالم .

 أجل قد يخالط  المنافقون العرب المسلمين حقا كما كان الحال في عصر النبوة وما تلاه من عصور ، ولن يعدم عصر من عصور العرب وجود منافقين بينهم إلا أن الإسلام سيظل باقيا فيهم، وفي غيرهم من الأمم حتى تقوم الساعة، وهي نبوءة سيد المرسلين الصادقة عليه الصلاة والسلام القائل :

 " لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين ، لعدوهم قاهرين ، لا يضيرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمر الله وهم كذلك " .

بهذه النبوءة الصادقة  وعده ربه سبحانه وتعالى ، فلن تثنيهم اللأواء وهي الشدة عن تشبثهم بالإسلام حتى تقوم الساعة . والعقلاء من الناس من استوعبوا حقيقة هذه النبوءة ، وانصرفوا عن وهم أو حلم انتظار يوم يتخلى فيه العرب عن الإسلام ، وأما السفهاء منهم فلهم أن يتوهموا أو يحلموا بما شاءوا من أوهام وأحلام  .

ولقد علّم القرآن الكريم الطائفة الظاهرة على الدين من أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى قيام الساعة كيف يجدد الله عز وجل لها أمر دينها حين يتوهم الواهمون والحالمون أنه قد بلي أو خلق وانتهى أمره، فضرب لهم مثلا بقوله تعالى : (( وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج )) ، ففي هذه الآية الكريمة تذكير للإنسان بأنه يجري عليه ما يجري على أمه الأرض التي خلق من ترابها . ومعلوم أن زمن اهتزاز الأرض وربوّها وإنباتها هو ربيعها الذي قدره الله تعالى تقديرا ، وللإنسان ربيعه أيضا لأنه يكون في حكم الميت وهو خارج دائرة الإسلام ، فيحييه الله تعالى بالإسلام  مصداقا لقوله عزّ من قائل  : (( أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها )) . والإنسان كأمه الأرض يصيبه الموات كما يصيبها  ثم يحيى بالإسلام  تماما كما تحيى هي بالماء فتهتز وتربو وتنبت.

 وكما أن للأرض ربيعها الذي يتكرر كل حول ، فإن للإنسان ربيعه الذي يتكرر ويعود أيضا  لكن  ليس بالضرورة كل حول بل قد يعود كل  قرن كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها" ، وقد  يعود  إذا شاء الله تعالى في أقل من قرن إما في عشرية أو في ضعفها  أوفي ربع القرن أوفي ثلته أو في نصفه أو يزيد عن ذلك أو ينقص حسب  زمن موات الأمة وحسب فعل تجديد الإسلام فيها والذي يكون فعله كفعل الماء في الأرض الموات . وهنا  أيضا على الأكياس من الناس أن يستوعبوا جيدا نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتأكدوا أن الذي يحيي الأرض بعد موتها يحيي القلوب بعد مواتها ،أما الغافلون أو السفهاء منهم فلهم أن يتوهموا أو أن يحلموا بأن ربيع الأمة بالإسلام  لن يعود أبدا كما يعود ربيع الطبيعة  .

ومعلوم أن العرب وهم من أمة الإسلام  قد عاشوا  بعد عصر النبوة عبر تاريخهم الطويل تجارب تجديد أمر دينهم على رأس كل مائة عام كما أخبر بذلك عليه الصلاة والسلام ، وكان بعض الناس حين يتأخر ربيعهم يظنون ألا ربيع لهم بعده أبدا ، فإذا بهم كالأرض في ربيعها لهم  أيضا اهتزاز وربوّ وإنبات حين يقيّض لهم الله تعالى من يجدد لهم أمر دينهم .

ومعلوم أنه ليس كل من ادعى القدرة على تجديد أمر دينهم قادرا على ذلك بل القادر عليه هو من أقدره الله تعالى  واختاره لهذه المهمة ، وأعطاه مفاتح أبواب التجديد تماما كما أعطى سر إحياء الأرض الموات لماء معيّن في وقت معين ،ذلك أن الأرض الموات لا تهتز ولا تربوا ولا تنبت  لنزول كل ماء مهما كان عليها بل لا بد لها من ماء معلوم في وقت معلوم بمشيئة الله عز وجل .

وبناء على ما تقدم ،فإن ربيع الأمة العربية عائد لا محالة، وعلم عودته عند الله عز وجل ، كما أن رهانها على الإسلام قناعة راسخة لديها  لا يمكن أن تتزحزح عنها قيد أنملة ، و أنا ستصدق لا محالة الله عز وجل ما عاهدت عليه، ولن تبدّل تبديلا ،و يكون ذلك حين يأذن الله تعالى ببعث من يجدد لها أمر دينها .

ومن شاء أن يزعم ألا ربيع لها بعد آخر ربيع مرّ بها ، فله أن يقول ما شاء ، وما المشيئة إلا ما شاء الله تعالى القائل : (( وما تشاءون إلا أن يشاء الله  رب العالمين )) صدق الله العظيم ووهم الواهمون والحالمون وكذبوا إذ زعموا ألا ربيع لهذه الأمة من بعد .             

وسوم: العدد 947