كيفَ نَحْتَفي بمَولدِ الهُدى؟

الاحتفاءُ بمولد خير خلق الله كلهم، وخير من طلعت عليه الشمس، وغربت.. والفرحُ، والسرورُ، والابتهاجُ، بمولد من أضاء بطلعته السنية، آفاق الأكوان، وعم نوره أجواز الفضاء، وبدد بشعاعه دياجير الظلم، والظلام، والجهل، والاستعباد.. لهو من علامات الإيمان بالواحد الديان، وبرسوله المصطفى المختار. 

ولكن كيف يكون هذا الاحتفاء، والابتهاج، ومتى؟ 

أيكون كما أمر به ذلك الدَّعِيُ العبيديُ المعزُ لدين العبيديين الكافرُ، المارقُ، الآبقُ، وكما حدده هو حسب هواه في الثاني عشر من ربيع الأول، من كل عام مرة، وكما يسير عليه عامةُ المسلمين الجهلة، ومشايخُهم، وعلماؤهم، الأكثر جهالة، وضلالة منهم؟!   

نحن الذين نفرحُ، ونطربُ، ونبتهجُ، ونُسَرُ بمولد سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم.  

وكيف لا نفرحُ بمولده، وهو الذي أرسله الله لنا رحمة كما قال: (وما أرْسَلناك إلا رَحْمَةً للعالمينَ)؟! 

وكيف لا نبتهجُ بمولده، وهو الذي كان الهادي للبشرية جمعاء، لإخراجها من الظلمات إلى النور؟!  

وكيف لا نطربُ بمولده، الذي لولاه، لما كنا مسلمين، ولبقينا أبد الدهر نعبدُ الأوثانَ، والأصنامَ، ونهيمُ في وثن على وثن، ونعيش كالأنعام، لا نعرف رباً، ولا ديناً، كما قال شوقي: 

أتيتَ والناسُ فوضى ، لا تمرُ بهم ......... إلا على صنمٍ ، قد هام في صنمِ   

والخــلقُ يَفْتِــك أَقـواهم بـأَضعفِهم ........ كــاللَّيث بـالبَهْم، أَو كـالحوتِ بـالبَلَمِ 

وكيف لا نُسر بمولد الحق، والدين، والأخلاق، والمجد، والعلم؟!  

وكيف لا نُغردُ، وننشدُ، وننتشي بمولد الإنسان الحر، الكريم، العزيز، التقي؟!   

فنحن الذين نحتفي بسيد الأنام، ونعيشُ سيرته العطرة في كل آنٍ وحينٍ، ولا يغيبُ ذكرُه عن ألستنا، في أي لحظة من ليل أو نهار، ونمشي على طريقته تطبيقاً، وعملاً، آناء الليل وأطراف النهار، وليس في السنة مرة، كما يفعل الجاهلون، وأتباعُ العبيدين، وصبيانُ الصوفيين المنحرفين.   

ونحن الذين نشدو شدو البلابل في أكنانها، ونترنمُ ترنم الطيور الوالهة العاشقة، طرباً، وفرحاً، وسروراً، بمولد أحمد خير البرية صلى الله عليه وسلم، في كل وقتٍ، وفي كل حينٍ..  

نصحو على ذكره، وننامُ على ذكره، والصلاة عليه، طوال أيام السنة، وليس في يوم الثاني عشر من ربيع الأول فقط ، والذي زعموا زوراً وبهتاناً، أنه فيه وُلد.. وما وُلد فيه يقيناً، ولا حقاً، ولا صدقاً.. ولكنه ماتَ فيه يقيناً، وحزن عليه الصحابة حزناً شديداَ.  

ونحن الذين، تصدح أصواتنا بكلام التقى، والعفاف، والهدى في كل آنٍ وحينٍ، من ليلٍ أو نهارٍ:  

وُلدَ الهدى .. فالكائناتُ ضياءُ ....... وفمُ الزمانِ تَبسمٌ وثناءُ 

ولا نغني غناء المهرجين، والراقصين، والمتمايلين، والمترنحين، والمعربدين كعربدة المولوية، والصوفية الضالين، المضلين.  

وإذ نحن نفرحُ، ونغتبطُ ، بمولد خير الأنام صلى الله عليه وسلم... نمقتُ، ونكرهُ، ونبغضُ، من يفتري على الله، وعلى رسوله، الكذبَ جهاراً، وعياناً.. بأن يحدد زوراً، وبهتاناً، يوم الثاني عشر من ربيع الأول هو يوم مولده. 

ويعمل على إقامة المهرجانات، والاحتفالات، وإنشاء السرادقات، ونصب الخيام، ونشر الموائد، وتوزيع الطعام على من لا يستحق الطعام، وكأنها احتفالات أعراس، مع الدبكة، والرقص، والغناء.. زاعمين أنهم فرحون، ومسرورون بمولد الهادي صلى الله عليه وسلم.  

كذبوا، وخسئوا، وانتكسوا، وضلوا، وأضلوا.. ما هكذا يكون الفرح بمولده! وما هكذا فعله صاحب المولد في حياته، ولا صحابته من بعده، ولا التابعون، ولا تابعيهم حتى عام 359 هج. 

 ما كان أحد من المسلمين في الشرق ولا في الغرب، يعرف هذه المهازل، والسخريات، والسفسفطات، والترهات، والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان.      

الدينُ يمقتُ، ويكرهُ، ويُشَنِّعُ، ويستنكرُ على من يُسمون أنفسهم بعلماء الأمة، الذين غرهم بالله الغرور، فينعِقون بما لا يسمعون، إلا دعاءً ونداءً، صمٌ، بكمٌ، عميٌ، فهم لا يعقلون، والذين ساروا وراء ذلك الدَّعِي الخبيث، الزنديق، الكافر، معز دين العبيدين، الذي هو أول من حدد ذلك التاريخ المكذوب على الله، وعلى رسوله، بأنه يوم الميلاد، بعدما استولى على مصر، والشام، والحجاز في عام 359 هج، وأقام دولة الكفر، والشرك، ولعن الصحابة، وأمهات المؤمنين على المنابر، وإجبار المسلمين جميعاً على فعل ذلك. 

 ومن ثَمَّ أمر المسلمين، ودعاهم للاحتفال بالمولد، وبغيره من الأعياد التي أحدثها بالطريقة الجاهلية التي يريدها، ليُلهيهم، ويُخدرهم، ويُشغلهم عن جرائمه الشنيعة، وتحطيمه لدين الإسلام، وسفك دماء المسلمين المعترضين عليه. 

ألا يعلم – يا ترى - أصحاب العمائم واللحى، حقيقة ذلك الدَّعِي العبيدي الزنديق؟ إنهم بالتأكيد يعلمون حقيقته. 

فكيف إذن اتبعوه، ولا يزالون يتبعونه في هذه الأكذوبة، والخرافة، بمولد النبي صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر من ربيع الأول؟!  

أليس من أبجديات الدين، هو اتباع ما جاء من عند الله، ومن عند رسوله؟!  

طالما أن الله وحده فقط ، هو الذي يعلم يوم مولد رسوله صلى الله عليه وسلم، وطالما أنه لم يُبَلِّغ رسوله، ولا صحابته، بتاريخ محدد لذلك اليوم ، سوى إخباره، بأنه وُلد يوم الإثنين، فكان صلى الله عليه وسلم، يشكر ربه بصيامه من كل أسبوع فقط ، ولم يأمرهم بالاحتفال به على الإطلاق. 

 وبقوا على ذلك 359 سنة دون أن يُحدثوا أي أمر في دين الله، مما يعني ذلك، أن إخفاء تاريخ مولده، كان له حكمة جليلة، وعظيمة لا ينبغي لأي مخلوق كان، أن يخترق ذلك الغيب.  

ومن يفعل ذلك، فهو معتدٍ أثيمِ، عتلٍ زنيمٍ.. يريد أن يُبدل دين الله، وأن يُحدث فيه تخريباً، وإفساداً، وتقويضاً لدعائمه، وتمزيقاً، وتفتيتاً، وإلهاءً لهم عن عظائم الأمور، وشغلهم بسفاسفها، وتوافهها.  

ولرب قائل يقول: ولكن المشايخَ ومريديهم، يستغلون هذه المناسبة العظيمة، في جمع العامة على الحديث عن سيرة صاحب المولد، وحثهم على الاقتداء به، والسير على طريقته. 

هذا الكلام جميل! ولكن لِمَ يكون في هذا اليوم بالتحديد، حسبما حدده ذلك الدَّعِيُ البَغيُ الأثيمُ؟! لِمَ لا يكون الحديث عنه، طوال أيام السنة؟! ولِمَ لا يحملون الناس يومياً على التمثل بأخلاقه، وشمائله، وحياته، بشكل عملي، بحيث يكونوا محمداً، يمشي على الأرض؟! 

ثم إنَّ جمعَهم في هذا اليوم، لهو تصديقٌ لهذا الكذوب، المارق، الذميم، واعتمادٌ، وتأييدٌ، وموافقةٌ على افترائه على الله، بأنه ولد في ذلك اليوم. 

والحقيقة! أنه لم يولد في ذلك اليوم. فما ينبغي لطلاب العلم، والحق، أن يتبعوه، ويسايروه في أكذوبته الشنيعة، الفاجرة. 

 ولرب قائل يقول: ومن أنتم يا هؤلاء؟  

نقول: بكل وضوح، وبلا غرور، ولا استكبار، ولا استعلاء، ولا تكبر، ولا غطرسة، ولا تعالٍ على أحد من العباد.  

نحن ضميرُ الأمة النابض.. نحن المجدُ؛ والإباءُ؛ والشَممُ.. نحن الشُموخُ؛ والسُؤددُ؛ والحقُ.. نحن بابُ الحرية الحمراء؛ بكل يد مضرجة يدق.. نحن الأباةُ؛ والكُماةُ؛ والأُسْدُ (ضم الهمزة وتسكين السين) في عرينها، تزأرُ، وتزمجرُ، وتتأهبُ، وتتوثبُ، للانقضاض على الطغاة، والمستبدين.  

ونحن أصحابُ الفكر السليم؛ والفهم الصحيح لدين الله، دون زيادةٍ ولا نقصانٍ، والذي يسري في روح شباب الأمة، الذين تربوا، ونشأوا، وترعرعوا على الظلال، وأخواته. 

ونحن الذين إذا ذُكر اللهُ، وَجِلتْ قلوبُنا؛ وإذا تُليت علينا آياتُه؛ زادتنا إيماناً؛ وتسليماً، وتقىً؛ ويقيناً، وإذا ذُكرَ اسمُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، صلينا عليه، كما أمرنا ربنا، ثم حملنا لواء الجهاد – وليس لواء الرقص والغناء والإنشاد، كما يفعل أتباع العبيديين، وأتباع الصوفيين المبتدعين، الضالين، المضلين – وانطلقنا ركضاً إلى الهيجا، لنفتك بالأعداء فتكاً، ونمزقهم شر ممزق.  

ونحن الذين تتخضب نحورنا بدمائنا، في ساحات الوغى.. بينما غيرنا! تتخضب خدودهم بدموعهم، وهم عاكفون على كتبهم في صومعتهم، كسالى، وخاملون، ومستكينون للطواغيت، والجبابرة. 

ونحن الذين تعرفنا الخيلُ؛ والليلُ؛ والبيداءُ؛ والسيفُ؛ والرمحُ؛ والقرطاسُ؛ والقلمُ؛ وتعرفنا بطحاءُ القدس، والرملة، ودير ياسين، وأخواتها. 

ونحن الذين سرت دماؤنا الزكية، من أجسادنا الطاهرة النقية، تُروي تراب فلسطين، وحماة، وحمص، وجسر الشغور، وسواها لينبت زهرُ الحرية الفواح، وأقحوانُ العدل والحق، وينمو دَوْحُ السلام والأمان، فيستظل بظلاله الوارفة، البؤساء والفقراء والمستضعفون. 

ونحن الذين لا نهابُ الموتَ؛ ولا نخافُ العدا.. وإذا لقيناهم، أثخناهم الجراح، وضربنا أعناقهم ورقابهم ضرباً يفصل أجسادهم عن رؤوسهم، ويمزقهم تمزيقاً، ويفتتهم تفتيتاً، ويجندلهم جندلةً، ويصرعهم صرعاً، فلا يُبقي منهم أحداً، ولا أثراً.      

فهل عرفتم يا هؤلاء السائلين من نحن؟  

وسوم: العدد 951