قطوف من حياة رسول الله

حشاني زغيدي

هاهي نسائم الأيام المباركة تحمل عبير عطر الرسالة، تحمل أنوار ريح طيبة، نسائم تحملنا لنشد رحالنا لنسيج في روض سيرة خير الأنام، نستحضر المعاني و العبر، نستعرض في إيجاز قطوف عبر من سيرة رسولنا صلى الله عليه و سلم

فأول قطوف المناسبة  كيف  يعيش رسولنا الكريم اليتم ؛ فيحرم من الأب قبل ميلاده ، و يفقد الأم و لم يكمل ست سنين ، ثم يحرم كفالة الجد و هو ابن ثمان سنين  من العمر،  فتنتقل  كفالته لعمه   ذو العيال الكثير ، إنما  ذلك لحكمة فأثر تربية الأب و الأم و الجد لها أثرها في حياة الأبناء ، فرعايتهم  تكسب الأبناء القوة و المقدرة على تحمل الأعباء ، فمرفقة الأباء مهمة في المراحل الأولى في حياة الطفولة  ، لكن أن يحرم رسولنا الكريم  من السند ، يحرم رعاية الوالدين ؛ لتكون التنشئة و الكفالة التربية و التوجيه و الإعداد و الحماية لله تعالى وحده  مصداقا لقوله تعالى     {  ألم يجدك يتيما فآوى } سورة الضحى

إن حياة الرسول الله درس بليغ لليتامى ، بل هي تسلية لهم ، أن  يعيش قدوتنا حياة اليتم  ، يكمل مشوار الحياة راضيا محتسبا ، يقابل كل  ذلك بالعزم و التجلد ، يسير على رسم معالم طريق واضحة ، يجمله الصدق و الأمانة  و المعاشرة بالحسنى ، يشارك مع قومه  و يقاسمهم  ، يفرح لفرحهم و يحزن لحزنهم . 

إن حياة رسولنا كانت محطة أساسية للأمة  حتى تصحح المسار المعوج ، إن حياة رسولنا وقفة تأملية لكل صورة مشوهة ، تحملنا  لنصحح مسار سيرنا المعوج ؛ الذي شابه الدخل و الدجل و الخرافة ، إن مسار حياة رسولنا طبعتها عقيدة سليمة خالية من الأمراض ، زينتها عقيدة توجه الحياة ، تقودها لرفعة الدنيا و الآخرة ، إن مسار حياة رسولنا ترسم لنا حياة الرفعة في ظلال الطهر و النقاء ، طهر في الروح و البدن ، طهر في اللسان و الفرج ، طهر في البيع و الشراء ، حياة  بلا خداع و لا خيانة ،  حياة تصاغ بالعطاء ، حياة قوامها العلم و العمل ، قوامها الأخذ بالأسباب ، قوامها التوكل الصادق في الإقبال و الإدبار ، حياة تصوغها القناعة و الرضا ، حياة يطبعها التراحم و التكافل و المؤاخاة ، تلكم هي حياة رسولنا الكريم .

إن حياة  رسولنا الكريم  منهج تطبيقي واضح يرسم  المسار الصحيح  ،منهج  يوجه الأتباع لترقية كل المعاني الفاضلة  التي تؤسس لحياة الريادة  و الرفعة ، منهج يدفع الأتباع  لاستكمال النقص بالتربية الصحيحة  ، التربية التي قوامها   الإيمان الصادق  و العمل المخلص  المتواصل و إن قل ، التربية التي تدفع   لتعزيز الثقة بنصر الله لعباده  ،التربية التي  تدفع   لتكسير رواسب الخمول والجمود و التعصب و  الانزواء ، تحليها بالعطاء  ، تربية  تدفع الجميع   لتقوية اللحمة بالوحدة و التعاضد بين مفاصل المجتمع الواحد    . .  

إن حياة رسولنا منهج يعمق الحياة الإنسانية في أبعادها المتكاملة ، كونه منهج يوازن بين القوة التي تحمي البنيان ، و منهج الرحمة و التسامح  يعزز الوسائج و يقوي الأواصر ، كونه منهج  يعطي الحلم حقه ، فيعفو و يسامح ،كونه  منهج يحمي حقوق النساء ، فيشرع تكريمهن    و الإحسان لهن  ، كونه يستوعب  المكونات الإنسانية فلا يفاضل بين الأجناس و الأعراق ، كونه منهج تذوب فيه كل الفوارق ، فأصل الإنسانية واحد، تكون فيه المفاضلة  بالصلاح  و الخيرية   .

هذه بعض القطوف استلهمتها من وحي المناسبة ، قطوف نسأل الله أن يصلح حالنا لخير حال ، نسأل الله أن يردنا إليه ردا جميلا ، نحيي سنة نبيه و نستني يهديه الهادي إلى الحق.

وسوم: العدد 951