قطوف من خلاق الدعاة
ما أسعد من خصه الله بهذا النداء الرباني، فيكون ضمن فريق العمل الذي اختاره الله ليكون في ركب قطار الدعوة إلى الله، يدعو إلى الله ،يدعو إلى الخير على بصيرة .
فيا فرحة من يهزه هذا النداء العلوي، فيلبي نداءات الله ، فيقبل هذا الواجب الرباني عن طيب نفس ، يقبل إلى الله مجيبا دعوته .
يقول عز وجل: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
، ومنها: قوله جل وعلا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، ومنها: قوله عز وجل: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
ومنها: قوله سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} .
و الدعوة إلى الله ليس لها جنس مخصص أو فئة محددة، فكل مسلم يعد داعية إلى الله ، فالإمام داعية ، و الأستاذ و المعلم داعية، و الطبيب و المهندس داعية ، و الفلاح و أصحاب الحرف داعية ، و الطالب و الرجل و المرأة و الشيخ و الصغير جميعهم دعاة ، يشملهم الخطاب الرباني شرط أن يكونوا من أصحاب البصيرة و الوعي ، و الفهم الصحيح للإسلام و شرط تحقيق القدوة العملية الصحيحة لما يدعو إليه .
قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} .
و العالم اليوم يشهد ثورة لا مثيلة لها من الوسائط التواصلية لم تكن متاحة من قبل ، فقد أصبحت أمور الدعوة اليوم جد ميسرة ، و بطرق كثيرة، و من خلالها يتم إيصال الخير للناس ،عن طريق وسائل العصر الحديثة .
و مع قدسية هذا الواجب الرباني، للأسف يقابل هذه المهمة النبيلة أخطاء قاتلة و جهل بأساليب الدعوة إلى الله وجهل بأساليبها، و طرق القيام بها واضحة، لا غموض فيها، وردت تفاصيلها في القرآن الكريم وسنة المصطفى.
وليس أوضح و أجلى من قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
آية واضحة لا لبس فيها فبالحكمة و الموعظة الحسنة تكون الدعوة إلى الله، و مدلول كلمة الحكمة واسع متسع، و مدلول الموعظة الحسنة معروف، وعظ بلا تعنيف، و دون مس كرامة المدعو أو التقليل من شأنه ، وعظ لا ينشأ عنه فتنة ، يكفي أن باب الإحسان متسع تكلم فيه العلماء ببسط واسع ، و إحاطة بأساليب الحوار و المجادلة ، فيجب أن يكون الحوار بلا تعصب لمذهب أو رأي أو لشيخ ، و يكون الحوار مساره بيان الحق و إقامة الحجة فقط .
و ضرب الله لنا مثلا للدعاة حق لنا التآسي بهم و السير على خطاهم ، و من مثل الأنبياء قدوة لنا ، جاء النموذج الأول في السياق القرآني لنبي الله موسى وهارون عليهم السلام حين أرسلهما إلى فرعون مدعي الألوهية ، فكان التوجيه أن يقولا ل لفرعون كلاما لينا ليس فيه خشونة أو تعنيف مع طغيانه و جبروته ، قال الله جل وعلا: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} .
وفي السياق نفسه نتلقى التوجيه و بيان أسلوب الدعوة الصحيح من الله لرسوله محمد عليه الصلاة والسلام يقول الله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}
من خلال هذا التوجيه نستخلص كلمات مفتاحية لها دلالات في الدعوة حاجة الدعاة للرحمة في التعامل و اللين في القول و الخطاب ، فالتركيبة الانسان ترفض الغلظة و خشونة المعاملة ، بل من الطبيعي أن يقابلها الصدود و الرفض أو المواجهة العنيفة كردة فعل طبيعية لأسلوب المغالي و المتشدد .
فواجب الدعاة التحلي بالحكمة بمعرفة أحوال المدعوين ، فواجبهم تحبيب الإسلام للناس لا تنفيرهم منه ، واجبهم بيان الحق بالحسنى و الكلم الطيب ، واجبهم تأليف القلوب على المحبة و الأخوة الإيمانية فالمؤمنون إخوة ، واجبهم البعد عن دوائر المختلف و الصراع ، واجبهم استيعاب المخالف لا جعله خصما و عدوا ، واجبهم أن يدعو للتسامح و التعايش في رحاب سماحة الإسلام و عدله ، واجبهم أن يكونوا دعاة خير لا قضاة يصدرون الأحكام على المخالف ، و ليس واجبهم توقيع العقوبات و اثباات التهم على المخالف ، حسبهم بيان الخير و تدليل الطريق للمخالف ، ليكونوا لبنات و دعائم يقوى بهم الصرح ،فالإسلام دعوة هداية و رشاد و فلاح و نجاة .
و في ختام المقال علينا بالعلم، فالعلم فريضة، و علينا بالفهم الصحيح فهو نجاة ، و علينا بالتيسر لا تعسير فهو اعتدال ، و علينا بالرفق لا التعنيف فهو رحمة ، و علينا تغيير المنكر بالحسنى ، و عليننا بالصبر و تحمل الأذى فالأجر بالصبر و المصابرة ، و علينا تحصيل الأجر و التواب لا الوقوع في الأخطاء و المعاصي .
هذه بعض قطوف أخلاق الدعاة التي ينبغي - بل يجب - أن يكون عليها الدعاة، فالعمل في ركب الدعوة عبادة ، تجلب السعادة لأصحابها ، نسأل الله أن نكون قدوة صالحة لأسلامنا، حتى لا يضرب الإسلام من خلالنا .
وسوم: العدد 977