لقطات من معاناة معتقل -16 + 17-

تحت عنوان "من تدمر إلى هارفارد" كتب الدكتور براء السراج، الأستاذ في قسم زراعة الأعضاء في كلية الطب في شيكاغو، مذكراته عن سجن تدمر. ونسجّل هنا بعض فقرات من مذكراته الغنية، في حلقات قصيرة متتابعة:

28 نيسان 1991م:

في أحد أيام أيار أُخرِجتُ كمُعلَّم من الليلة الماضية، وكانت العقوبة التعفيس بالبسطار على أرض الباحة، بقيتُ مضعضعاً بعدها لعدة أيام. ومع ذلك فقد خف التعذيب، أو كنا نعتقد أن لمهاجع الفرز معاملة مخففة، كما كثُر الطعام وتحسنت نوعيته، ورأينا البامية لأسابيع حتى باتت كبيرة ومملوءة بالدود الميت المطبوخ. كانت الزيارات للسجناء لا تنقطع، إلا أن الكثير من الثياب كانت تُسرق ويستبدلون بها ثياباً عليها آثار توزيع الطعام والشحم الأسود، علامة لباس السجناء القضائيين.

التقيتُ بشاعر رائع من دمشق، وكان قد صاغ قصيدة طويلة يحاكي فيها قصيدة هاشم الرفاعي، الشاعر المصري صاحب قصيدة "رسالة في ليلة التنفيذ". بقي منها في ذاكرتي عدة أبيات تصف السجن وأحواله:

كم من عصا فوق الضلوع تحطّمت   أن أنقذوني من يد السجّان

كـم لكـمـــــــةٍ أو ركــــــــــلـةٍ فقئت بهــــــا     عينٌ وأودى الصفع بالآذان

كم من سجين بات على الطـــوى     فطعامه قـد قـيــــــس بالفنجان

كم من مريض لا دواء له سوى       دعوات صدق من أخ حنان

مـا للمـشـــــــــانق كلمـــــــــا ألقمـتــــــها       فوجاً من الشهدا بلا أكفان

ضجّت تهزّ حبالها نهـــــماً إلى       فوج جديد سابغ الإيمــــــــــــان

هبّ الشــباب فأعلنوها صرخةً       الله أكبـــــــــــــر فوق كل مكان

لقطات من معاناة معتقل

-17-

تحت عنوان "من تدمر إلى هارفارد" كتب الدكتور براء السراج، الأستاذ في قسم زراعة الأعضاء في كلية الطب في شيكاغو، مذكراته عن سجن تدمر. ونسجّل هنا بعض فقرات من مذكراته الغنية، في حلقات قصيرة متتابعة:

11 حزيران 1991م:

توفي اليوم علاء البابا، طالب فيزياء من حلب، نتيجة الضرب لسنوات، فقد كان معلماً لفترة طويلة منذ أن دخل سجن تدمر. في حفل الاستقبال التفتَ إلى الشرطة وصاح بهم: "شو نحنا يهود ليش بتضربونا؟".. فأصبح معلماً من وقتها وتعرّض لضرب دائم حتى في الليل. كان علاء وسيماً لطيفاً لبقاً مؤدباً، لكن الضرب أثر عليه وعلى عقله. كنتُ الحارس الليلي وقد أشار إليّ طالباً الإذن بالذهاب لدورة المياه، لكن ما إن أتى الصباح حتى ساءت حالته ودخل في سبات. دققنا الباب طالبين الإسعاف، لكن الشرطي أجاب: "بس يفطس بتدق الباب ولا". توفي علاء ظهراً، فأتى طبيب السجن لأخذ المعلومات: علاء البابا، مواليد 1964م...

الأول من آب 1991م:

كان التعذيب على أشدّه بمناسبة يوم الجيش، وتم جلد العديد منا عراة الظهور انتقاءً عشوائياً. منذ هذا التاريخ أصبح تعذيب يوم الجيش سنّة. طبعاً لم يتوقف التعذيب ليلاً، وكانت أصوات التعذيب تأتينا من بقية مهاجع باحة الإعدام التي نقع في وسطها. أحد الأساليب المفضلة كانت بأمر الحارس الليلي بصفع سجين ما، ينتقيه الشرطي، بشحاطة البلاستيك، أو تعريته إلا من الشورت وصبّ الماء عليه وعلى النائمين حوله، وإبقائه بتلك الوضعية حتى الصباح، ثم ضربه صباحاً ثانيةً، أو أمر الحارس الليلي بسحب إبرة الخياطة على جلد الظهر ثم فرك الجروح بالملح حتى يرتوي الشرطي من نوعية الصياح المصاحبة لعملية الفرك.

الأول من كانون الثاني 1992م:

وكالعادة، رأس كل سنة أخرجونا لحفلة تعذيب إشعاراً بعام جديد، وزاد من شدة المعاملة يقين الشرطة أننا لو كنا مواطنين صالحين لخرجنا ولم نبق هنا إلا لعِظَم جرمنا، وليس لانعدام عدالتهم.

وسوم: العدد 985