وزيرة مسلمة في النرويج
كاظم فنجان الحمامي
استكمالا لمساجلاتنا المفتوحة مع أعداء المرأة المسلمة, وتعقيبا على ما صرح به أحد المشايخ في مصر عن تخلفها وغبائها وسذاجتها وقدراتها الذهنية المحدودة, سددت النرويج ضربة قاضية لأعداء النساء المسلمات, عندما رشحت أصغرهن سناً لتبوأ منصب (وزيرة الثقافة) في حكومة (غينيس شتولتنبرغ), ثم جاءت الضربة الساحقة عندما أعلنت النرويج رسميا عن عمر ومؤهلات الفتاة المسلمة, إذ ظهر إن الوزيرة الجديدة (هادية طاجيك) لم تتجاوز العقد الثالث من العمر (29 سنة), ولم تغير عاداتها ولا تقاليدها الباكستانية, ولم تتنكر للقضية الفلسطينية, مثلما تنكر الكبار والصغار من عرب الشيخ برميل. .
فهادية, هداها الله, لا تعرف المراوغة ولا النفاق السياسي, بدأت حياتها العملية في مجال الإعلام, وتدرجت في سلم الرقي والتألق حتى أصبحت مستشارة لوزير العمل النرويجي, ثم صارت من أبرز قادة حركة (العمال والشباب) في البلاد الاسكندينافية, وانضمت الى المجموعة المدافعة عن (الحجاب), فنجحت في إقناع النرويج بالسماح للشرطيات بارتداء الحجاب أثناء العمل, ثم أصبحت عضوة في البرلمان النرويجي عام 2009 عن حزب العمل. .
قفزات هائلة حققتها هذه الفتاة الذكية في مدة قياسية, حتى جاء اليوم الذي صارت فيه أول وزيرة مسلمة في عموم البلدان الاسكندينافية, فوقفت على منصة التتويج لتعلن عن برنامجها, الذي ستراعي فيه التنوع الثقافي والتعددية الفكرية, وحماية حقوق الأقليات في المجتمع النرويجي. .
هادية طاجيك من مواليد الثامن عشر من تموز (يوليو) عام 1983, ولدت في قرية نرويجية صغيرة من أعمال مقاطعة (ستراند) لأبوين باكستانيين, أكملت دراستها الابتدائية والثانوية في النرويج, ثم توجهت إلى المملكة المتحدة لدراسة حقوق الإنسان في جامعة (كينغستون) فحصلت منها على شهادة البكالوريوس, ثم حصلت على شهادة جامعية أخرى من جامعة (ستافنغار) بالنرويج في الصحافة, توجهت بعدها إلى جامعة (أوسلو) لدراسة القانون فحصلت منها على شهادة الماجستير. .
كانت كتلة (النازيون الجدد) في النرويج الكتلة السياسية الوحيدة, التي أبدت انزعاجها وتذمرها على التطلعات التعددية في الفكر والثقافة, وربما جاءت ردود أفعال المجرم (أندريس بريفيك) كتعبير للنظرات العرقية الضيقة المتأصلة في البؤر القومية النرويجية, والمناوئة للتعددية الثقافية, فارتكب مجزرته الشنيعة, التي أطلق فيها النيران على الناس في شوارع النرويج, وقتل فيها (69) شخصاً احتجاجا على انفتاح النرويج على القوميات والديانات الأخرى. . .
لم تثن هذه التصرفات الشاذة رجال الدولة عن تحقيق أهدافهم المستقبلية, فجاء تنصيب (هادية) وزيرة للثقافة ليؤكد التزام تياراتهم السياسية الناضجة بعقيدة الانفتاح نحو الأمم المتحضرة. . .
في الوطن العربي آلاف السيدات ممن يتفوقن على (هاديا) في المؤهلات العلمية, وفي الكفاية المهنية, وفي غزارة الإنتاج الثقافي, لكنهن تعرضن للحرمان والتعسف في ظل السياقات المتحجرة, التي استغنت عنهن, ومنعتهن من الارتقاء في سلم المناصب العليا, وأجبرتهن على المكوث في العتمة. .
لقد سجلت الأقطار العربية فشلا ذريعاً في معظم معاركها الخاسرة, التي خاضتها على أرضها, بينما استطاعت حتى الآن تسجيل أقوى انتصاراتها ضد المرأة, فنجحت في تكبيلها بقيود الجاهلية الأولى, وحرمتها من استحقاقاتها المشروعة, في تناقض عجيب بين ما يتشدق به المتشدقون من رعاية وعناية واهتمام, وبين ما يحرض به المحرضون نحو تهميشها وإقصائها عن المواقع القيادية وصناعة القرار.