وتم دحر الوجود الألماني في المونديال… ماذا عن قناتهم العربية؟!
ما الحكمة من إطلاق ألمانيا محطتها التلفزيونية الناطقة باللغة العربية، والقوم في حالة استعلاء على المنطقة وتقاليدها وقيمها، على النحو الذي ظهروا به في المونديال؟!
لا نعتقد أن الألمان لديهم وفرة في المال كانت سبباً في اطلاق القناة، وفي استمرارها إلى الآن، أو أنهم من المؤمنين بالفن من أجل الفن، والإعلام من أجل الإعلام، بدون أن تكون لديهم رسالة أو هدف يتجاوز ذلك، فالمحطة الناطقة بلغة الضاد، أطلقت في مرحلة بدا فيها الغرب حريصاً على أن يثبت حضوراً في المنطقة، فكانت «الحرة» في واشنطن، و»فرانس 24» من باريس، واستهدفت القناة الأمريكية تبييض الوجه الأمريكي، بعد غزو العراق، إذ كانت ضمن مشروع كبير للحضور، تمثل في تمويل بعض الصحف في العالم العربي، ولم تنجح في شيء من هذا، فماذا تفعل الماشطة في هذا الوجه الأمريكي المتعالي!
«الحرة» الاسم الأكثر شهرة بين القنوات الغربية التي تخاطب المنطقة، وإن لم تنجح في اختراقها، فلن تجد من يهتم ببرامجها، أو ما يبث فيها، وإن كانت لها محاولات في البداية لإثبات الوجود، في وقت كان يقاطعها فيه كثيرون، لكنها حاولت أن تنافس من خلال نقل الحراك السياسي في مصر، ونجحت في كسر المقاطعة، وكان من نتيجة ذلك، أن يقدم فيها إبراهيم عيسى، المحسوب على المعارضة، برنامجه، بينما لا نجد من يستنكر ذلك ممن كانوا يتبنون مقاطعتها من النخبة المعارضة!
منذ البداية كنت ضد مقاطعتها، وكتبت في هذه الزاوية أطلب من المعارضة أن تعتمدها وسيلة لفك الحصار الإعلامي في زمن مبارك، وتستغل لصالحها عدم قدرة النظام على اغلاق مكتبها أو التنكيل بموظفيها، فالعين لا تعلو على الحاجب، لكن هذه الدعوة، ذهبت وقتئذ أدراج الرياح!
القناة الثانية، من حيث الشهرة، هي «فرانس 24»، وهي محطة رضيت بالهامش منذ اليوم الأول، فليس لها حضور يُذكر على أي مستوى عربي، أما القناة الألمانية فقد ولدت ميتة، وتبدو كما لو كان أولو الأمر في ألمانيا أطلقوها ثم نسوها، وتركوها لمن يعملون فيها يتصرفون فيها تصرف المالك في ما يملك، فبعد برنامج يسري فودة، ليس فيها ما يُشد الرحال اليه، وفي اعتقادي أن تغيير القيادات، الذي لا يقوم على هدف، ستكون نتيجته كنتيجة التغييرات الكثيرة داخل القناة التركية «تي أر تي» باللغة العربية، والتي انتهت إلى أن تكون «محلك سر»، مع أن في تركيا ما ليس في ألمانيا، فقد تولد في العقد الأخير اهتمام عربي غير مسبوق بما يحدث هناك، فلم تنقل تركيا للعرب، ولم تنقل قضايا العرب على شاشتها، لتصبح وغيرها مشروعاً للضمان الاجتماعي!
وعندما أجريت الانتخابات الأمريكية الرئاسية الأخيرة، كانت «الجزيرة» هي القناة الأولى التي رابط أمامها المشاهدون، بدلاً من أن تستغل «الحرة» هذا الحدث وتبني حضورها في المنطقة!
التذكير بالاستعمار القديم
ما سبق ليس هو الموضوع، فموضوعنا أنه في الوقت الذي تبدو فيه ألمانيا معنية بالمنطقة، ولهذا كانت قناتها الناطقة باللغة العربية، فإنها جاءت للمنطقة باستعلاء ذكرنا بالاستعمار القديم، ومنتخبها يريد أن يفرض على العرب قيمه الخاصة، ومعتقداته التي تخصه، من خلال تبني قضية المثليين، وهي قضية ليس عليها اجماع في الغرب نفسه، ولو أجمع عليها الغرب بكل أطيافه، فسوف تكون مرفوضة في العالم العربي، ومن هنا لن نفهم معنى لهذا الاستفزاز، الذي مارسته ألمانيا حكومة ومنتخباً في مونديال قطر!
قبل انعقاد المهرجان بدأت وزيرة الداخلية الألمانية في التحرش بقطر، من خلال تصريحات تقطر استعلاء وكبراً، وكأنها تتحدث عن منطقة تحت الوصاية، وعن شعوب لم تنل استقلالها بعد من الاستعمار القديم، وكما لو كانت نائمة واستيقظت للتو على خبر تنظيم قطر لكأس العام في دورته هذه، وفي قطر كان لها كلام مثل «الاتجاه المعاكس»، فقد أشادت بها، ثم عدلت عن هذه التصريحات مرة أخرى عندما سافرت إلى بلادها، وكأنها كانت في معركة ابتزاز، تقدم التصريحات وعكسها لتنال المراد، حتى إذا كانت المباراة الأولى للمنتخب الألماني، إذ بالمنتخب بدلاً من أن يهتم بالمباراة، ظهر كله في صورة جماعية وقد وضعوا أيديهم على أفواههم، وكأنهم يشيرون إلى تكميم الأفواه، فات المنتخب الباسل، أن ما يدعون إليه لا شأن له بالأفواه، فالتكميم لموضع آخر هو الأولى بموضع الأيدي المحتجة، وأن بلادهم الحرة تتستر على جريمة اعتقال 60 ألف معتقل في مصر، وكانت صفقة تجارية مع شركة سيمنس الألمانية كفيلة بتغيير الموقف الألماني من الانقلاب العسكري!
تسلل الوزيرة الألمانية
وفي ذات المباراة تسللت الوزيرة الألمانية بشارة المثليين إلى داخل استاد كرة القدم، وأخفتها بمعطفها الذي تخلصت منه بالداخل، مخالفة بذلك قرارات الفيفا، وتقاليد البلد الذي يستضيف المونديال، في تصرف أهوج، الأمر الذي لم يحدث قبل أربع سنوات عندما نظمت روسيا المونديال، وموقفها المعارض لهذه الفوضى التي يتبناها الغرب معروف، ويعبر عنه الرئيس بوتين بنفسه، فلماذا الاستعلاء هنا؟! وهو الاستعلاء الذي مثله مدرب الفريق الألماني عندما قال إنه في حالة فوزهم بالكأس فلن يحتفلوا بذلك في قطر!
لقد كانت فرحة المنطقة لهزيمة المنتخب الألماني عارمة، حتى إذا كان خروجه بشكل كامل من المنافسة، بدا كما لو كان المونديال ينفي خبثه، والفرحة تعم أرجاء العالم العربي، وكأنه تم دحر العدوان على كأس العالم وعلى قطر، ولا أعرف كيف يمكن للألمان قراءة هذا المشهد، وقد جاءوا لاستفزاز العرب والمسلمين، على المستوى الرسمي ممثلا في الوزيرة، والمستوى الشعبي ممثلاً في المنتخب ومدربه؟!
ولما كانت محطتهم التلفزيونية الموجهة للعرب، ما داموا يحملون لهم هذا القدر من الاحتقار، بعدم احترام قيمهم المستمدة في الأصل والفصل من تعاليم دينهم؟!
ذهبت للقناة الألمانية هذه فوجدتها كالعادة في واد آخر، فهل أطلقها الألمان لمخاطبة العرب، ثم غلبت عليهم غلظة المستعمر، فتجاوزوا عن الهدف من وراء القناة، إلى السلوك الفج للوزيرة والمنتخب ومدربه؟! وقد كان المستعمر قديماً يحاول ألا يصطدم بعادات المستعمرات وتقاليدها وقيمها العليا، ونماذج النفاق في هذا الجانب معروفة!
يبدو أن القوم غيروا الهدف، وفي المقابل نجد قناة «الحرة» تفتح استوديوهاتها لمن يقدمون رؤية دينية على المقاس الأمريكي، ومن إبراهيم عيسى، إلى إسلام البحيري، وكأن هناك قوة سفلية تلزم المشاهد بمشاهدة الحرة، رغم أنفه ورجله فوق رقبته، تعبيراً عن الخضوع، دون أن يفكروا أن هذا تسبب في موت هذه القناة بالسكتة القلبية، واذا كان هناك رد فعل غاضب، فهو من مقاطع الفيديوهات لبرنامج عيسى عبر منصات التواصل الاجتماعي!
لقد تغيرت طريقة التعامل.. فلماذا الإصرار على بقاء المحطات التلفزيونية هذه؟!
أرض – جو:
كنت أعتقد أن حالة الفتى الطائر أحمد الطاهري تعني بداية مرحلة جديدة، لظهور عشرات من الأذرع الإعلامية، التي تمت صناعتها في المصانع الحربية، وقد قال الجنرال إن صناعة الذراع تستغرق عشر سنوات. أتمهن بحمد الله!
ففضلا عن أن الفتى يرأس تحرير مجلة روزا اليوسف، ومسؤول عن قطاع الأخبار في الشركة الأمنية المستحوذة على الإعلام، فإنه يقدم برنامجاً في قناة «سكاي نيوز»، وآخر في محطة إذاعية، وأوكلوا له مهمة التأسيس والإشراف على قناة «القاهرة الإخبارية»!
لكن يبدو أن هذه الدفعة لم يتخرج منها سوى الطاهري، فقد تم الإعلام عن عودة محمود سعد إلى قناة «النهار»، وكانت لعنة الآلهة قد أصابته فأوقفوه، ليقتصر تقديم برنامجه على «يوتيوب».
إذا أفلس التاجر فتش في دفاتره القديمة.
وسوم: العدد 1009