بيني وبين الصين أسرارُ عنها تزول الآن أستارُ

ü   مبدأ الاستبدال بالتكتل

ü   كنت وما زلت أحب للعرب أن يستعينوا ببعض التكتلات السياسية العالمية على بعض؛ فلسنا مضطرين إلى المشاركة في تكتل لا نستفيد منه. ولأنني عرفت مبلغ نجاح الصين في تنمية قدراتها الداخلية والخارجية، رأيت أن من مصلحتنا مشاركة الصين في كل ما نستفيد منه تحريك تنميتنا الداخلية والخارجية كذلك.

ü   الطريق إلى الصين

ü   وقد عبرت عن هذا الوعي بتوجيه ابنتي الكبرى ريم (شاكويان)، أواخر عام 2008، إلى قسم اللغة الصينية من كلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم شجعتها أواخر عام 2010، على دراسة بعض سنوات الليسانس في الصين من خلال برنامج الدراسة الجامعية المشتركة، فقضتها في جامعة داليان. وقد ارتاحت ابنتي لدراستها -وهي الموهوبة موهبة لغوية كبيرة- وأتقنت مشاغلها كثيرا، حتى كان قسمها دائما يستعين بها في منافسة غيره من الأقسام على جوائز متعددة مختلفة، ولم تكن تخذله. ولقد تخرجت متفوقة، ولم تحظ في قسمها بوظيفة معيدة التي كنا نرجوها لها، ولكنها حظيت عام 2014، ثم عام 2017، بمنحتين صينيتين، لدراسة الماجستير ثم الدكتوراة في جامعة بيكين، وكانت الصين باب نعمة الله عليها بزوجها التركي النبيل، الذي تعامله بخمس لغات من أهمها اللغة الصينية.

ü   مسؤولو الصينية في القاهرة

ü   لقد تيسر لي من خلال ابنتي الحبيبة، أن أتعرف إلى الدكتورة رحاب رئيسة قسم اللغة الصينية بكلية الآداب من جامعة القاهرة، ، وإلى الدكتور لي شينغ يونغ (علي) رئيس معهد كونفوشيوس بالقاهرة، وزوجته الفاضلة الدكتورة وو (زكية)، اللذين توثقت لي بهما علاقة أُسْرية طيبة مهمة، كان من ثمارها زيارة قسم اللغة العربية بكلية اللغات الأجنبية من جامعة بيكين أواخر عام 2010، والمحاضرة فيه.

ü   زيارة بيكين أول مرة

ü   في هذه الزيارة، حاضرت المتخصصين من طلاب الدراسة العليا بقسم اللغة العربية بكلية اللغات الأجنبية، في رحلة اللغة العربية في بحور الشعر، وقد شاركت بهذه المحاضرة مرة أخرى في مؤتمر الخليلِ بن أحمد عبقريِّ العربية، منوها بأنها كانت إجابةَ دعوةٍ صينية كريمة. ثم حاضرت المتثقفين بجامعة بيكين، في مستويات العربية المعاصرة في مصر. ثم حاضرت المبتدئين من طلاب جامعة بيكين، في مهارة الكتابة العربية. وقد كان من آثار هذه الزيارة، إرسالُ بعض طلاب اللغة العربية من جامعة بيكين إلى كليتَيْ دار العلوم والآداب، بجامعة القاهرة.

ü   تعريب الصين

ü   وقد وصفت هذه الزيارة بكلمتي "تعريب الصين"، من كتابي "في الطريق إلى الأستاذية"، الذي نشرته عام 2013، ومما قلته فيها: "لقد كان من حسن سياستهم أن يُقدِّموا الترفيه على العمل -وإن لم يمكن للوقت مهما طال أن يستوعب طرفا من مَبَاهر الصين ومَفَاخرها- حتى إذا ما قام قائم العمل عرف المحاضر مَنْ يُحاضر وكيفَ يُحاضر، وأَنَّه إِذْ يعلِّم يَتعلَّمُ أكثرَ مما يُعَلِّم! كيف أصفُ سورَ الصين العظيمَ الذي مَنْ لم يَزُرْه فليس برجل، كما يقولون في أمثالهم (...)! وقفتُ أُباري مَساحر جامعة بكين بمساحر اللغة العربية، أُطْلِع شُهودي على رحلتها من قديم إلى حديث، وفيهم طلابُ الليسانس والماجستير والدكتوراة والأساتذةُ والمسؤولون وبعضُ من يدرس هناك من المصريين"!

ü   تقدير الزيارة

ü   وقد تقدمت إلى عميد كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، بتقرير عن هذه الزيارة مشفوعا بكتاب رسمي، ثم سلمت لجنة الجودة بالكلية، تسجيل الزيارة مسموعا مرئيا!

ü   مسقط (سلطنة عمان)

ü   ثم لما ألمَّ ببعض البلاد العربية ما سُمي ثورات الربيع العربي، فاز بعضُ طلابِ جامعة بيكين الجددِ المتخصصين للغة العربية، بجامعة السلطان قابوس. وفي قسم اللغة العربية وآدابها من كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بهذه الجامعة الحبيبة، التي قضيت فيها ربع قرن متجزِّئًا، استقبلتهم، ودرَّست لهم المهارات اللغوية، وتردَّدوا عليَّ، حتى اختار التلفاز الصيني محاضرتي أكثر من مرة، لعرض مسيرة الطلاب الصينيين الدراسية، في تقريره عن العلاقات الصينية العمانية!

ü   استقبال وفد جامعة بيكين

ü   ثم أواسط عام 2017، تشرفت ضمن إدارة جامعة السلطان قابوس، باستقبال وفد جامعة بيكين الذي كان فيه معالي نائب رئيس الجامعة -وحظيتُ منه بربطة العنق الأنيقة جدا التي ألبسها الآن، وعليها شعار جامعة بيكين- ومعه سعادةُ نائب عميد كلية اللغات الأجنبية، الدكتور فو تشي مينغ (أمين)، صديقي العزيزِ جدا، الذي لقيته وحده قبل اللقاء الرسمي في الفندق، وبعده في مكتب رئيس قسم اللغة العربية، حيث جاءه وفد الطلاب الصينيين يسلمون عليه.

ü   زيارة بيكين مرة أخرى

ü   وأواخر عام 2017 دعاني الدكتور فو تشي مينغ (أمين)، إلى زيارة قسم اللغة العربية بكلية اللغات الأجنبية من جامعة بيكين، والمحاضرة فيه، فلبيت دعوته عن جامعة السلطان قابوس سعيدا بها، وحاضرت طلاب الدراسة العليا فقط، في "مناهج التأليف في اللغة العربية"، ثم في "صفات العلاقات النحوية".

ü   تمثال محمد مكين

ü   "من غرفة محاضرات قسم اللغة العربية بكلية اللغات الأجنبية من جامعة بيكين الصينية العريقة، لمحت تمثالَ محمد مكين المهيبَ في الغرفة المقابلة، بعدما حاضرتُ صباح الاثنين 25/12/2017، في "صفات العلاقات النحوية (حياة العلاقات)"؛ فأبيت أن أمضي حتى أصوَّر عن يساره وعن يمينه البروفيسور فو تشي مينج (أمين)، صديقي الكبير، أستاذُ كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية والإسلامية بجامعة بيكين، يقول لي: لقد نُحت له هذا التمثال النصفي وهو في مثل سنك الآن! المسلم الصيني الأصيل (أخو طائفة الخوي المسلمة الصينية الأصيلة غير الوافدة)، خريج كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عام 1939، الذي أسس قسم اللغة العربية المذكور آنفا، وترجم القرآن الكريم إلى الصينية، وتمكن من عقول الصينيين وقلوبهم حتى اصطحبه ماو تسي تونج زعيمهم الخالد الذكر، إلى مؤتمر باندونج، قائلا فيه للقادة المسلمين: هذا المسلم مترجمي، الدكتور محمد مكين، رحمه الله، وطيب ثراه!" وقد جعلت كلمة هذه، فصلا للدكتور محمد مكين، من كتابي "دَرَاعِمُ"، المنشور عام 2020.

ü   تلميذتي الصينية النجيبة

ü   في تلك الأثناء كانت لينغ لي وانغ الشابة الصينية النابهة، المحاضرة بجامعة الدراسات الأجنبية في تيانجين، قد غامرت بترك وظيفتها، من أجل تحصيل الدكتوراة بقسم اللغة  العربية وآدابها من جامعة السلطان قابوس، ودرست عليَّ بعض المقررات العليا! نعم؛ وكان القسم قد اطلع على مسيرتي الصينية المشار إليها آنفا، فأسند إلي الإشراف على رسالتها العلمية. طالبة شابة جميلة ذكية لطيفة لبقة تجيد العربية والإنجليزية، وترتاح للشعر، لم يكن يجوز أن أضيع فرصة توظيف طاقتها في الموازنة بين إيقاعي الشعرين الصيني والعربي، من خلال شعري لي باي والمتنبي، وكلاهما في لغته بمنزلة صاحبه. ولقد اجتهدت الطالبة اجتهادا كبيرا، ولم يكن أسهل علي من الإشراف عليها؛ إذ كانت تفهم سريعا عني وعن أخي الحبيب النجيب النبيل الدكتور طارق النعناعي المشرف المساعد، حتى لقد ألفت في أثناء دراستها دون اضطرار، أول كتاب صيني في علم العروض العربي! وبعد أن استطاعت الوقوف على ما بين الإيقاعين من جوامع إنسانية وفوارق بشرية، دعوتُ إلى مناقشتها أكبر الأٍستاذة العرب والصينيين: الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح، والدكتور فو تشي مينغ، وكان معهما من القسم الدكتور فضل يوسف، وقد أشادوا جميعا بعملها، حتى وصفه الدكتور سعد بأنه فوق الممتاز، وحظي في 6/1/2021، بأعلى درجات الدكتوراة. وقد انتشر إعلاميا خبر إنجاز الطالبة الكبير، حتى تكرم سعادة ناصر البوسعيدي سفير عمان في الصين، بالاحتفال بها، احتفالا كبيرا، شارك فيه موظفو السفارة جميعا.

ü   مشروع الوقت

ü   والآن أتشرف بالإشراف على ترجمة كتاب "تاريخ نقد الشعر الصيني"، إلى العربية، مشروع جامعة هيلونغجيان الصينية، الذي يخشى تعنُّت الناشر!

ü  ألا ترون أنها تجربة تستحق التمسك بها والمحافظة عليها.

وسوم: العدد 1010