موسم الهجوم على الشيخ الشعراوي في إعلام السلطة المصرية!
إنها فرصة طيبة، سنحت لكي نعرف اسم وزيرة الثقافة في مصر، فعلى الرغم من مرور أكثر من خمسة أشهر على تعيينها في هذا المنصب الرفيع، إلا أنها لا تزال نكرة، فهي المرة الثالثة التي يُعيّن فيها وزير للثقافة من خارج دائرة الفكر، وكان نصيب دولة الانقلاب العسكري بعد 30 يونيو/حزيران 2013، وزيرتين، أما الحالة الأولى فكانت في عهد مبارك، عندما عيّن فاروق حسني وزيراً للثقافة!
تعيين فاروق حسني قوبل بعاصفة من الرفض من جانب قمم الثقافة في هذه الفترة، الأمر الذي جعل صحيفة محافظة مملوكة للسلطة كـ «الأهرام» تسمح بنشر مقالات لكبار الكتاب الذين يرفضون الهبوط بالدرجة الوظيفية، ليشغلها فنان تشكيلي مغمور، وهو المنصب الذي شغله من قبل؛ فتحي رضوان، وثروت عكاشة، وعبد القادر حاتم، ويوسف السباعي، وأحمد هيكل، وجمال العطيفي، وكلهم من القمم المرموقة، وحتى عندما انتقل الأداء في عهد السادات لاختيار بعض الشخصيات من خارج هذه الدائرة مثل عبد الحميد رضوان، ومنصور حسن، فقد كانوا من الشخصيات ذات الحضور الطاغي في الحياة العامة!
وما يسري على فاروق حسني، يسري على إيناس عبد الدايم، عازفة الفلوت؛ ذلك أن مثقفي الحظيرة، كما وصفهم فاروق حسني صاحب مقولة أنا أدخلت المثقفين في حظيرة الوزارة، اندفعوا يهاجمون علاء عبد العزيز الذي عيّنه محمد مرسي وزيراً للثقافة، لأنه عزل خالدة الذكر إيناس عبد الدايم، من رئاسة الأوبرا، وعلى نحو اعتقدنا حياله أن من لم يدافع عن عودة إيناس عبد الدايم، فإنه بحاجة لمراجعة وطنيته، وهي الحملة التي شاركت فيها شخصيات لم تتخرج في هذه الحظيرة مثل صنع الله إبراهيم، والذي بدا في المشهد كالأطرش في الزفة، وتسري عليهم مقولة السادات «أولادي المغرر بيهم»! فالذين تخرجوا في الحظيرة يدافعون عن أوضاعهم المستقرة، فمال صنع الله إبراهيم يخوض معركة هؤلاء؟!
شغل المواقع بالنكرات:
ولهذا عندما عيّن السيسي «إيناس عبد الدايم»، بدا كما لو كان هذا استحقاقاً ثورياً للثورة المضادة، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً، فلما تم عزلها كان هؤلاء الذين دافعوا عن شرف الأمة ممثلاً فيها، قد أكلوا سد الحنك، ولاذوا بالصمت، ليأتي بواحدة مجرد موظفة، شغلت منصب المرؤوسة لإيناس عبد الدايم في دار الأوبرا، وعملت راقصة بالية، ضمن سياسة شغل المواقع الشاغرة بالنكرات، فلا تكون هناك قيمة لمسؤول ولو كان رئيس الحكومة، وإنما القيمة للحاكم الفرد، ومن يقربه لإثبات أن النجاح أصله عسكري، وكما نراه عبر الشاشة، قم يا كامل، اقعد يا كامل، تكلم يا كامل، وأما كامل هذا فهو الفريق كامل الوزير، وزير النقل!
بيد أن هناك مناسبة مهمة لظهور النكرة وزيرة الثقافة، فهذا موسم الهجوم على الشيخ الشعراوي، فلا يكاد يمر عام منذ أن تبين فشل سياسات أهل الحكم، إلا ونكون مع موعد للهجوم على الشيخ الشعراوي استغلالا لمكانته لدى الناس، ولأن الحديث في البداية كان حول تقديم مسرحية عنه على المسرح القومي، وهو ضمن مرافق وزارة الثقافة، فقد كان مناسبة لأن تنفي «نيفين الكيلاني» وزيرة الثقافة (فخامة الاسم تكفي) تقديم مسرحية عنه وتعلن أن لها على الشعراوي تحفظات كثيرة، وذلك عبر قناة «القاهرة والناس»، ومع الإعلامية «كريمة عوض»، وهي مناسبة لنعرف أن هناك مقدمة برامج في مصر اسمها «كريمة عوض»، ولا شك أن مصر تغيرت كثيراً منذ أن تركتها فصارت فيها وزيرة اسمها «نيفين الكيلاني»، وإعلامية اسمها «كريمة عوض»، لا يضرهما أنني لا أعرفهما فلا يعذر المرء بجهله، فهذا تقصير مني على كل حال!
بداية الحملة عندما استدعت «المصري اليوم» الناقد الفني «طارق الشناوي» فاندفع مهاجماً أن يعرض المسرح القومي مسرحية عن الشيخ الشعراوي، لأن «طارق» وباعتباره مثقفاً كبيراً له رأي في فكر الشعراوي الرجعي!
لنكتشف بهذا الحضور الكريم لـ «طارق الشناوي» راعي الحداثة في مصر وضواحيها، أننا أمام حملة منظمة يديرها إعلام السلطة، والبداية بـ «المصري اليوم»، التي نعرف أن السلطة وضعت يدها عليها بعد التنكيل بصاحبها رجل الأعمال صلاح دياب، وهي التي اختلقت قصة المسرحية هذه، ليتبين إنها أمسية، والوزيرة كانت في مداخلة عبر قناة «القاهرة والناس» التي آلت ملكيتها للسلطة أيضاً، وتحتفي بتصريحاتها جريدة «الدستور» التي وضعت السلطة يدها عليها بعد إرهاب مالكها «رضا إدوارد»!
عزة تركب الناقة:
وركبت «عزة مصطفى» الناقة وشرخت، ووقفت على ثغرة من ثغور المدنية ضد الفكر الرجعي، وعبر قناة «صدى البلد»، ووجهت حديثها إلى الوزيرة وإلى مدير فرقة المسرح القومي، «لو أفكاركم ومشاريعكم في 2023 عرض مسرحية عن الشعراوي محتاجين نعرف ليه الشيخ الشعراوي». وعادت من جديد في أمر المسرحية، فكيف للمسرح القومي أن يقدم مسرحية عن الشعراوي الذي أفتى بقتل تارك الصلاة، وحرم فؤاد البنوك، وما زال مريدوه، يضعون فلوسهم في بيوتهم وليس في البنوك، وتساءلت من فوق الناقة الشارخة: هل ستعرضون إبرامه اتفاقاً مع شيوخ الصحراء على نشر الأفكار السلفية؟!، تقصد شيوخ الخليج وعلى وجه التحديد شيوخ المملكة العربية السعودية!
ضائعة عزة هذه، وهي في ضياعها تذكرنا بأن القوم في التسريبات الخاصة بالسيسي كانوا على حق وهم يصفونها بـ «البت عزة» استخفافاً بها، وهي معاملة لم تعاملها الرفيقة الدادة أم عطيات في فيلم «السفارة في العمارة»، ويبدو أن ضياعها هذا هو من دفع من يدير الحملة لتكليفها بكل ما هو فج، فتقول كلاماً لا يسري البتة على الشيخ الشعراوي، الوزير السابق ورجل الدولة، والسلفيون يتهمونه بالقبوري لتصوفه، فمتى كان إبرام الاتفاق هذا مع شيوخ الصحراء، هل يمكنها أن تبرز صورة الاتفاق المبروم؟!
ولم تنتبه «عزة مصطفى» إلى أن الشيخ الشعراوي كان يقدم تفسيره في تلفزيون الدولة، وفي القناة الأولى المصرية، وعندما تولت رئاسة هذه القناة كان الشيخ الشعراوي قد توفى وظل برنامجه على القناة في موعده بعد صلاة الجمعة، وإذا كان هذا رأيها فيه فلماذا لم توقفه؟ وإذا كانت إذاعته بتوجيه من السلطة في زمن مبارك، فهل يعني أنها تهاجمه الآن لأنها سياسة الجمهورية الجديدة؟ وأنها هناك رضخت لسياسة الدولة وهنا تردد خطاب الدولة، باعتبار أن هناك اختلافا بين الدولتين؟ دولة مبارك ودولة السيسي؟!
لقد وجد الفنان كمال أبو رية مولداً منصوباً فقرر أن يشارك فيه، وعبر إحدى القنوات التلفزيونية التي لم أتبين اسمها على وجه التحديد، فقد قرأت خبر المداخلة على أحد المواقع، وقال إنه ضد تقديم شخصية الشعراوي على المسرح القومي وإنه مع تقديم شخصيات أخرى مثل طلعت حرب، و زويل، في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، ولا نعرف ما علاقة الظروف الحالية بالموضوع، إلا من حيث اتصالها بطلعت حرب، والدعاية له والتذكير به ينال ممن يدير الدولة على خلافه تماماً، ونقصد به شخص الحاكم الضرورة، فهل تتحمل الأوضاع السياسية ذلك؟!
فرصة إبراهيم عيسى:
وكان لازماً أن يجدها إبراهيم عيسى فرصة فيندفع مهاجماً شعبية الشعراوي، التي يراها خاطئة، وأن جماهيريته مردها إلى عاميته في الخطابة، قال هذا في برنامجه على قناة «القاهرة والناس»، المملوكة للسلطة كما ذكرنا، وإذا كانت هذه الشعبية مردها الى عاميته في الخطابة، فلماذا لم ينل عيسى مثل هذه الشعبية، وهو يتحدث ويكتب بالعامية، وله مساحات عبر الهواء أضعاف مساحة الشيخ الشعراوي؟!
إنها حملة ضد الشيخ الشعراوي، برعاية من يديرون ملف الإعلام في السلطة، ليس لأنها تعادي الدين أو شيئاً من هذا القبيل، ولكن لأنها تريد أن تنال من كل الرموز المصرية، فلا يكون هناك سوى العدم، فالحاكم الضرورة، يريد أن يثبت أنه نبي هذا الزمان، وقد انتقل مؤخراً من كونه سيدنا سليمان «ففهمناها سليمان» إلى أن يكون سيدنا يوسف بترديد دعائه دون نسبته إليه «رب قد أتيتني من الملك، وعلمتني من تأويل الأحاديث..». ولهم في ذلك مآرب أخرى، فهذا خطاب في أكثر الظروف الاقتصادية بؤساً، ومع انهيار جديد للجنيه، وتمكين الإمارات من حديقة الحيوان، ومن موانئ مصر!
إن أحداً من الذين يتطاولون على الشعراوي لا يمكنه أن يهاجم أصغر مسؤول في مصر!
وسوم: العدد 1014