عبد الله الحامد يستحقّ جائزة نوبل
عبد العزيز كحيل
أطلقت " الجماعة العربية الديمقراطية " مبادرة لتسليم جائزة نوبل للسلام لعام 2013 للدكتور عبد الله الحامد عجّل الله فرجه ، وباشرت الاتصالات بالشخصيات والجهات المؤهّلة للترشيح بهذا الشأن ، وهذه خطوة إيجابية تستحقّ التنويه والثناء.
فالدكتور الحامد وجه بارز في حقل الدفاع عن حقوق الانسان و المطالبة بحياة سياسية جديدة في السعودية ، بدأ مشواره مهتما بالإصلاح الفكري وأعاد قراءة القرآن الكريم والسنة النبوية في ضوء علم الاجتماع السياسي ، وكان من حسن حظّه أن تخرّج من الأزهر بمصر ولم ينتمِ إلى المؤسّسة الدينية الرسمية في بلده ، والمعروفة بانحيازها الكامل وغير المشروط لنظام الحكم ، تُضفي الصبغة الدينية على كلّ مواقفه وقرارته ، فمكّنته هذه الاستقلالية من إبصار مواطن الخلل في النظام السعودي والظلم الاجتماعي السائد على مختلف المستويات ، فانخرط في ما سمّاه هو وعلماء آخرون " الجهاد المدني " ، أي العمل المجتمعي السلمي على أصعدة التربية والثقافة والإعلام ونحوها من أجل الإصلاح والتغيير ، فكلّفه ذلك عزله من التدريس بالجامعة ، قبل أن يخوض مشوارا ممتدّا إلى اليوم مع السجون ، خاصة بعد أن أسّس مع زملاء له " لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية " سنة 1992، ثمّ أوّل جمعية لحقوق الانسان في السعودية ، فتوالت عليه الاعتقالات والمحاكمات ، فقد اعتُقل إلى اليوم ستّ مرّات مع عدد من الإصلاحيين آخرها سنة 2013 حيث حُكم عليه بالسجن 11 عامًا ، وكان قبلها لا يكاد يغادر السجن حتى يُقاد إليه من جديد بنفس التهم : المطالبة بحياة سياسية منبثقة من إرادة الشعب يسيرها دستور يضعه ممثلون يختارهم الشعب ، أو ما أطلق عليه هو وزملاؤه الإصلاحيون " الحكم الشوري المنبثق من سلطة الأمة " ، وفي إطار نشاطه الحقوقي ثمّ بعد تجربة الاعتقالات والمحكمات ألّف عددا من الكتب المهمّة جدا في الحالة السعودية والمحيط العربي تتناول حقوق الانسان واستقلال القضاء والمجتمع المدني والجهاد السلمي ، إلى كتب أخرى تنطلق من الأصول الدينية والنصوص الشرعية لدحض العقيدة الجبرية التي فُرضت على البلاد باسم الإسلام برعاية المؤسسة الدينية الرسمية ، وتؤصّل هذه الكتب لثقافة الحرية وحقوق الانسان والبناء التحتي للمجتمع بديلا عن الإملاءات الفوقية أو ما " يتكرّم " به حاكم من حقوق لرعيته المستلمة له المسبّحة بحمده ، وقد كتب في هذا السياق مقالته التي قادته أمام المحكمة " لا صاحب سموّ ولا صاحب دنوّ في الإسلام ".
إنّ مبادرات د. عبد الله الحامد وكتاباته ومواقفه من نظام الحكم ومطالباته الدستورية والحقوقية جرأة كبرى بل مغامرة عظيمة كان يعرف عواقبها لأنه لا يعيش في أوروبا أو أمريكا – حيث تأتي الحقوق والحريات على رأس اهتمامات الدولة والمجتمع - ولا حتى في مصر أو السودان ونحوهما – حيث يمكن التغاضي عن مثل هذه المطالب وإن كرهها الحُكام - لكنّه في بلد تتوجّس فيه الأسرة الحاكمة من أدنى تحرّك و لا تتسامح مع أيّ كلمة تخالف النسق الموروث عن التحالف السعودي- الوهابي ( وهو تحالف سياسي ديني بين آل سعود وأتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ) الذي أرسى في الحياة العامة ثوابت غير قابلة للنقاش يتصدّرها اقتران نقد ممارسات السلطة بالتعدّي على القرآن والسنة ، وخاصة مظاهر الاحتجاج العصرية كالاعتصام والتظاهر والمسيرات التي أفتى شيوخ المؤسسة الدينية التابعة للدولة أنها مفاسد كبرى منكرات ينبغي محاربتها حتى لو كانت سلمية تمامًا ...وقد قضى د. الحامد ستة أشهر في السجن سنة 2008 لتأييده اعتصام مجموعة من النساء كنّ يطالبن بإطلاق أزواجهن المعتقلين سياسيًا بدون محاكمة ، وكثيرا ما كان الرجل مع زملائه الإصلاحيّين عرضة لألسنة و أقلام " علماء " النظام وإعلاميّيه يرمونهم بشتى التهم ولا يمكّنونهم من إسماع صوتهم والدفاع عن أنفسهم وقضيّتهم ، فلم يبق لهم إلا منبر واحد يستغلونه لهذا الغرض هو قاعة المحكمة كلما قيدوا إليها ، وللدكتور كلام قوي جدا يدحض فيه التهم الموّجه إليه وإلى زملائه ويوضّح منهجه الإصلاحي وفق القراءة الرشيدة لأصول الاسلام ونصوصه ومقاصده ، بعيدا عن الخطاب المبدًّل الذي تعتمده الدولة ، وهو تأصيل متين يجدر الإطلاع عليه في كتاباته.
إنّ تكريم هذا الناشط تكريم للإصلاحيّين والحقوقيّين ودعاة حقوق الانسان و للرجال والنساء العاديّين الذين لا يجدون مجالا ولا فرصة لإبداء آرائهم والمساهمة في إصلاح دولتهم في السعودية ، فقضوا حياتهم في أجواء القهر والتعتيم الإعلامي والحملات الصحفية الظالمة ، ومع ذلك هم مستمرّون في نهجهم بكلّ إصرار وثقة ، وإنما نالهم أكثر مما نال غيرهم من معارضي النظام بسبب منطلقاتهم الاسلامية ، فكتب د.الحامد تدلّل بتحليل عميق قوي أن الشريعة تصطفّ مع إطلاق الحريات الفردية والعامة ومع حق الأمة في اختيار حكّامها ومحاسبتهم وعزلهم عند الاقتضاء ، والإسلام الأصيل يؤسس للأنظمة العصرية في الحكم كالفصل بين السلطات وخاصة استقلال القضاء ، وهذا كله يتناقض تمامًا مع الرؤية المعتمدة لدى النظام السعودي ومؤسسته الدينية ، وهي رؤية تطلق يد الحاكم في الشعب " حتى ولو جلد الظهر وأخذ المال " كما تقول عبارتهم المشهورة ، أي أنها مع الحكم الفردي – أو الأُسري – المطلق وضدّ ايّ مساحة لتحرّك المواطنين في مجالات إبداء الرأي المخالف وانتقاد الأوضاع القائمة.
هذه هي الأجواء التي يناضل فيها عبد الله الحامد وإخوانه ، كلّها ظلم وتضييق على الحريات بل وإنكار لها باسم الدين ، وسجون بلا حقوق و منع من السفر وفصل من الوظائف ، أفلا يستحقّ هذا الرجل جائزة نوبل للسلام لتكون رسالة للأنظمة العربية الشمولية وضربة لقبضتها الأمنية وتمهيدا لتحرير الشعب المغلوب على أمره من الاستبداد والقهر ؟
أظنّ أنه من واجب كلّ حرّ في بلاد العرب والمسلمين والعالم يمكنه أن يسهم في حملة تأييد ترشيح أبي بلال لنيل هذه الجائزة أن يبادر إلى ذلك بكلّ عزم.
أخيرا ، يكفي – في تقديري – أن أختم بهذه الكلمات التي كانت من أوّل ما كتب أبو بلال ،لأنها تلخّص سعيه الإصلاحي : " إن الانتقال من الدفاع عن حقوق الامام إلى الدفاع عن حقوق الأمة هو بداية الخروج من ثقافة كفوف الأدعية إلى ثقافة صفوف التضحية".