بين أهل المواهب ... ومجتمعهم

يُمنح الإنسانُ قدرةً ذات تأثير في شأن من شؤون المجتمع الذي يعيش فيه ، وقد تسمى تلك القدرة بالموهبة ، ولا نبحث هنا عن أنواع المواهب لدى الناس ، وإنما نريد أن يرى هذا الموهوب حاجة مجتمعه إلى موهبته ، لإصلاح شأن اجتماعي ، أو توجيه مسيرة ، أو محاربة جائحة أو معضلة ذات أثر سيئ على شباب مجتمعه وشاباتها . ويشعر الموهوب من خلال إحساسه بحبه لمواطنيه ، وسعيه لرفعة شأنهم ، وإزالة آثار المساوئ التي لحقت بالمجتمع لارتكاب بعض بنيه بعض المنكرات والمهلكات والمحرمات التي نزل بها وحيٌ سماوي جليل ، هذا الشعور الجميل الصادق يمنح هذا الموهوب حالة من الانفعال الذاتي تدفعه بقوة ليقدم موهبته لتخدم السعي الذي يؤيده المجتمع في عملية الإصلاح . فنراه يضاعف جهده ويستحث أجدى مالديه من قدرات ليضعها خدمة لهذا المجتمع الذي أحاط به مستنقع الفساد والانهيار الخُلُقي من كل جانب . إن عمل هذا الموهوب عمل اجتماعي مبارك يُشكر عليه ، وله الثواب الجزيل من الله سبحانه وتعالى ، وهو الثمرة التي لاتقدر بثمن ، لأنها جائزة للصدق والوفاء تُهدى يوم القيامة لهذا الموهوب الفاضل ، جزاء ماقدَّم في دنياه الفانية لأهله وقومه بل للإنسانية التي تحتاج لكل الأعمال الراقية التي تنقذها من الضلال والفساد الذي لحق شعوب الأرض قاطبة . فالناس بحاجة بل بأشد الحاجة إلى عملية إنقاذ أو تغيير للحال الذي يعيشونه ، فقد ابتعدوا عن أفياء فطرتهم التي فطرهم الله عليها . وانسابوا خلف أصحاب الفساد ، والخروج عن المحيط الذي أراده الله سبحانه وتعالى لعباده في إعمار الأرض .

ولقد كتب الكثيرون عن أهمية الموهبة ، وقدرة صاحبها في التأثير الاجتماعي ، وتغيير المفاهيم ، وتقويم الدلالات ، واستنباط الحلول ، وقد رأينا ذلك في سيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتشجيعه للمبدعين وأصحاب المواهب ، وموافقته على الحلول التي بقدمونها ، كما جرى في معركة بدر ــ على سبيل المثال ــ فالموهوب إن صدق مع قومة ، وتسامى بنفسه عن حب الذات والشهرة ، فإنه بلا ريب يفيد ، وتمتد قدراته إلى أغوار مجتمعه ، ولقد كتب الكثيرون عن هذا الموهوب وعن موهبته العديد من البحوث والمقالات التي تتفاوت في أهميتها ولو أنهم أطلقوا على الموهوب اسم الفنان وعلى أعماله بالتجربة الفنية ، فالأصل النتيجة الصحيحة في الإصلاح فالعملية لاتعدو كونها : ( امتداد لروح المجتمع وملامحه الجمالية فليس الفن ذاتيا صرفا ولا اجتماعيا محضا ، والفنان الذي  يتقوقع اجتماعيا لا يمنعنا إطلاقا من التعرف على ملامح مجتمعه ولو أن التجربة الفنية بلا ريب ستكون  مبتورة نسبيا. إن الفنان  يستطيع بحريته الذاتية وملاحظته الدائبة أن يكشف لنا كثيرا  من القيم والمفاهيم المادية والروحية التي يعتنقها مجتمعه وأن يفسر لنا من خلال نظرته وموقفه من الآخرين أسلوبه الفني وفلسفته الذاتية، وكلما كان الفنان قادرا على تمثيل انفعالاته وتشخيص عواطفه كان في الواقع أبعد تأثيرا في نفوسنا لأنه يمتعنا أولا ويكشف لنا عن أسرار النفس الإنسانية التي  ارتفعت بغرائزها وانفعالاتها إلى درجة التعبير النفسي السامق  الذي يملأ النفس  روعة وروحانية وجمالا ) .

وعلى كل حال فالموهوب له قدراته الخاصة ، ومن حقه على مجتمعه أن يعمل على تنمية موهبته ، وأن يأخذ بما يقدمه من خير له ، وهذا الاهتمام يجب أن يرتبط بالمادة التي يقدمها للمجتمع . وأن يُؤخذ بيده إلى معاهد البرامج العالية التي تصقل موهبته وتقومها ، فهم في الحقيقة بحاجة إلى البرامج التي ترقى إلى قدراتهم الفائقة . ولقد حث الإسلام في القرآن الكريم وفي السُّنَّة الغراء على الاهتمام بهؤلاء الموهوبين والاستفادة مما وهبهم الله تعالى من قدرة ورقي في التفكير ...

إضاءة :

قال تعالى(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُواْ الْأَلْبَابِ) 269 / من سورة البقرة  

وسوم: العدد 1016