الرئيس هواري بومدين كما يراه لطفي الخولي
الكتاب: لطفي الخولي: "عن الثورة وفي الثورة وبالثورة، حوار مع بومدين"، مطبعة دار الهدى، عين مليلة، الجزائر، مقدمة الكتاب بالقاهرة-مصر سنة 1975، من 225 صفحة.
مقدّمة القارىء المتتبّع:
نشر هذا الأسبوع صديقنا Cherif Abdou ، عبر صفحته صورة للكتاب، ونصح القرّاء بقراءته. وأخذت بنصيحته، وشرعت فور استخراجه في قراءته. فلصديقنا كلّ الشكر، والتّقدير، والاحترام.
الكتاب عبارة عن مجموعة حوارات أجراها الأستاذ لطفي الخولي، مع الرئيس هواري بومدين رحمة الله عليه.
آخر حوار مع الرئيس هواري بومدين -حسب الكاتب-، كان سنة 1974، وتمّ جمعها سنة 1975.
الكاتب يعرف الرئيس هواري بومدين رحمة الله عليه، مذ كان طالبا بمدرسة الخديوية الثّانوية بالقاهرة، ومجاهدا في الثّورة الجزائرية، وقائدا للولاية الخامسة، ووزير الدفاع في حكومة الرئيس بن بلة رحمة الله عليه، وأثناء وبعد انقلاب 19 جوان 1965، وفي الجزائر، ومصر، وأجرى حوار معه سنوات: 1965، و 1966، و 1974.
قال الكاتب لطفي الخولي في آخر الحوار، أنّ هناك مواضيع لم تنشر، ومواضيع لم يحن أوان نشرها.
أقول: ذكر الكاتب، أن الرّئيس هواري بومدين هو الذي كان كان يحرّضه على طرح الأسئلة العنيفة وبشهادته، ودون مجاملة حتّى أنّ الكاتب لم يجد مايطرحه من أسئلة، وتعجّب من صراحة الرئيس هواري بومدين في تقبل الأسئلة والإجابة عنها إجابة مباشرة، ومفصّلة، ودقيقة. والرئيس هواري بومدين هو الذي طلب منه أن يزيل الحواجز فيما بينهما، ويحدّثه كصديق يعرفه من قبل وليس كرئيس، وهذا مالم يكن يحلم به الأستاذ.
أوصي بقراءة الكتاب، لأمانة وصدق الأستاذ لطفي الخولي، الذي كان صادقا في النقل، وفي طرح الأسئلة. والكتاب وثيقة تعبّر عن فترة زمنية عاشتها الجزائر، وصورة صادقة عن الرئيس هواري بومدين، ونظرته لقضايا جزائرية، وعربية، ومصرية، وفلسطينية، وإفريقية، وعالمية. والمشاكل التي تطرّق إليها الرئيس هواري بومدين في حينها، ولم يخفها، وسعى لحلّها بما يستطيع.
رفض هواري بومدين لاتّفاقية إيفيان:
نقل الكاتب رفض الرئيس هواري بومدين لاتّفاقية إيفيان قوله: "الاستقلال الذي حرصنا عليه مازال منقوصا. وبالتّالي معركة التّحرير لم تنتهي بعد" 17.
أوّل ملاحظة لفتت انتباه القارئ المتتبّع، ماجاء في الكتاب: (مشاريع التقسيم التي استهدفت انفصال المستوطنين الأوروبيين ببعض المناطق الجزائرية مثل "وهران" ). 15
أقول: أستحضر ماجاء على لسان قائد الثّورة الجزائرية لخضر بن طوبال[1] رحمة الله عليه، في مذكراته باللّغة الفرنسية، حيث ذكر، أنّ من مطالب فرنسا المجرمة المحتلّة في إتفاقية إيفيان، أن تسيطر على مرسى الكبير بوهران، وتبقي المساحة الممتدة من وهران إلى الحدود الغربية تحت سيطرة الاستدمار الفرنسي، ولا سلطة للجزائر عليها.
أضيف: من عظمة الثّورة الجزائرية، وقادة الثّورة الجزائرية، أنّهم رفضوا الطلب الفرنسي المجرم، وأقرّوا السّيادة الجزائرية على كامل التراب الجزائري[2]، دون انفصال لأجزائه المترامية الأطراف.
فيما يخصّ بعض مساوئ بنود اتّفاقية إيفيان، التي ظلّ يرفضها الرئيس هواري بومدين، نقل الكاتب عنه قوله، وبالحرف: "القواعد العسكرية في "المرسى الكبير" وغيرها من القواعد مثل "كلومبشار" التي منع الفرنسيون الجيش الجزائري من استخدام مطارها في الدفاع الجوي ضد العدوان الملكي المغربي على الحدود الجزائرية في أكتوبة (تشرين أول) 1963".
حقد المخابرات المصرية ضدّ الرئيس هواري بومدين، وأسباب انقلاب لا19 جوان 1965:
أقول: كتبت منذ سنوات، أنّ من أسباب انقلاب الرئيس هواري بومدين على الرئيس أحمد بن بلة رحمة الله عليهما، في انقلاب 19 جوان 1965، هو تبعية أحمد بن بلة لعبد الناصر رحمة الله عليه.
أضيف: نقلت عن قائد الثّورة الجزائرية، لخضر بن طوبال رحمة الله عليه، في مذكراته المذكورة في الهامش: أنّ عبد الناصر سعى بكلّ مالديه ليكوّن حكومة موازية للحكومة الجزائرية المؤقتة، ولتكون تابعة له، وتأتمر بأوامره. وتفطّن قادة الثّورة الجزائرية لكيد عبد الناصر، وحاكموا الخونة الحركى التّابعين لعبد الناصر، ونقلوا مقرّ قيادة الحكومة المؤقّتة من مصر إلى تونس كعقاب لعبد الناصر، وشكوه يومها إلى الرئيس السوري، وتدخل لصالح الحكومة الجزائرية، وعاتب عبد الناصر على سوء فعله. وقال له -فيما أتذكّر، وبأسلوبي-: الوحدة بين سورية ومصر مبنية أساسا على احترام الجزائر، وتقديرها. وإذا مسّت الجزائر بسوء فقد مسّت الوحدة، ولا خير في وحدة لاتحترم الجزائر.
يرى الكاتب أنّ بن بلة استعان بالمخابرات المصرية وبقيادة عبد الرحمن شريف، عقب استرجاع السيادة الوطنية للقضاء على العناصر التي "تقلق" بن بلة. لكنّها طغت، واستبدت، ومسّت قادة الثّورة الجزائرية، مادفع بالرئيس هواري بومدين أن يتدخل لدى بن بلة، وعبد الناصر سنة 1964، ويبدي رفضه وغضبه من تدخلّ المخابرات المصرية في شؤون الجزائر ، مادفع عبد الناصر أن يسحب مخابراته من الجزائر، خاصّة وأنّها كانت ضمن جهاز الدولة الجزائرية، كما أخبره بذلك هواري بومدين.
قال الكاتب: ظلّت المخابرات المصرية تحقد على هواري بومدين، عقب رفضه لتدخل عبد الناصر والمخابرات المصرية، فطلبت من بلة أن يعيّن طاهر الزبيري قائد ولاية، وقائد أركان رحمة الله عليه، في غياب هواري بومدين، وليكون عين بن بلة على هواري بومدين، ودون أن يستشير هواري بومدين، وهو يومها وزير الدفاع . وكانت من أسباب[3] انقلاب 19 جوان 1965.
الرواية التي ذكرها الأستاذ المصري، سبق أن قرأتها وعرضتها في حينها لمن أراد الزيادة[4].
الشهيد محمّد شعباني في نظر الرئيس هواري بومدين:
قال الرئيس هواري بومدين رحمة الله عليه، فيما يخصّ الشهيد محمد شعباني رحمة الله عليه، وممّا قاله: تمّ إعدام الشهيد محمد شعباني في أواخر سنة 1964، وبعد محاكمته بتهمة التمرّد العسكري، وفي ظلّ حكم الرئيس أحمد بن بلة رحمة الله عليه. 80
بن بلة، هو الذي دفع شعباني إلى هذه النتيجة المؤسفة وهي الموت، لأنّ بن بلة ظلّ يحرّض شعباني طيلة عام، على التمرد ضدّ الجيش ووحدته العضوية. وكان شعباني، وهو مستند إلى تحريض بن بلة، يسعى للتحريض على وحدة الجيش الشعبي الوطني، بما اعتقده أنّه صواب. 80
تحدّثت مع بن بلة عدّة مرّات، باعتباري مسؤول عن الجيش، وأوضحت له خطورة هذه اللّعبة، لأنّ الجيش إذا أصابته لوثة الانقسامات، والمعسكرات، والاختلافات فلا مفر أن "يَتْكَلَمْ البَارُودْ".80
طلبت من بن بلة، أن يأذن لي في التحدّث مع شعباني قبل أن يستفحل خطرها، وأحدثه مناضلا لمناضل بصراحة في مشاكله، وأسويها معه. لكن بن بلة أبى ذلك، وظلّ يزيد في الهوة بين شعباني والجيش الوطني، وبينه وبيني كوزير الدفاع. 80
وفجأة خرج علينا بن بلة بأنه وجد حلا لمشكلة شعباني بتعيين محمّد شعباني، والأخ طاهر الزبيري وأنا، أعضاء في المكتب السياسي للحزب ومسؤولين عن الجيش، وبذلك تكون قيادته ثلاثية. 80
لم أعارض الاقتراح، وإن بيّنت خطورة بذر الفوضى في الجيش. وكان بن بلة يقصد التخلص من وجود شعباني على رأس منطقة الصحراء العسكرية وتعيين آخر محله. 81
وما أن أصبح شعباني في المكتب السياسي حتّى طالبه بن بلة بالتنحي عن قيادته في المنطقة الصحراوية، لأنّه من غير المعقول أن يجمع بين منصبين. 81
هنا أفاق شعباني إلى الحقيقة، ولكنه أقدم عصبيا على تصرف خاطئ، فرفض طلب التنحي، وقام الجيش بناء على تكليف صريح ورسمي من بن بلة كرئيس للجمهورية وقائدا للجيش، باعتقال شعباني ومحاكمته على تمرده. وصدر الحكم بالإعدام، ونفذ حكم الإعدام بعد أن رفض بشدة طلب توصية بالعفو عنه أو تخفيف الحكم، تقديرا لماضيه في حرب التحرير.
قال الرئيس هواري بومدين رحمة الله عليه، عن الشهيد محمد شعباني رحمة الله عليه: "فقدت الجزائر أحد أبطالها المناضلين. أخطأ حقا، ولكنه لم يكن يستحق الموت رحمه الله".
التعريب، ومصر، والأساتذة المصريين، وعبد الناصر في نظر الرئيس هواري بومدين:
في الحوار الأوّل الذي أجراه الرئيس هواري بومدين رحمة الله عليه، تحدّث عن العراقيل التي وضعت أمام تعريب الإدارة، والتّعليم في الجزائر من بعض الجزائريين الحاقدين على اللّغة العربية. وأجري الحوار في أكتوبر 1965.
أقول: ممّا وقفت عنده، ولم يذكره صراحة الرئيس هواري بومدين، أنّ هناك ضعفا في المستوى لدى بعض الأساتذة المصريين، والمكلّفون بالتدريس باللّغة العربية.
ظلّ الرئيس هواري بومدين، يثني على مصر، وعبد الناصر، والأساتذة المصريين.
أقول: ممّا تأكدت منه -وإلى أن تكذّبني الأيّام-، أنّ عامل التعريب لم يكن أبدا من مقاصد انقلاب 19 جوان 1965، ولا من الأسباب الخفية ولا المعلنة للإطاحة ببن بلة.
أقول: أبدى الرئيس هواري بومدين، احتراما بالغا، وتقديرا ظاهرا، وعرفانا مستمرا بالرئيس جمال عبد الناصر رحمة الله عليه، وظلّ يثني عليه، ويذكر محاسنه.
أقول: لكن في المقابل، يرفض بقوّة وعلانية تدخل عبد الناصر في الشؤون الجزائرية، ويرفض أن تستخدم المخابرات المصرية لزعزعة الجزائر، والتفريق بين قادة الجزائر، ودعم بن بلة على حساب أمن واستقرار الجزائر.
أقول: ممّا فهمته من الحوار: رفض الرئيس هواري بومدين القاطع، لاستعمال الأساتذة المصريين في الجزائر من طرف عبد الناصر، والمخابرات المصرية، للاستحواذ على الجزائر عبر بن بلة.
الرئيس هواري بومدين والمعارضين، وألف قرية اشتراكية:
قال الرئيس هواري بومدين: لانحاسب أيّ شخص عن أعماله قبل 19 جوان 1965، وتتم المحاسبة على الأفعال المسيئة للجزائر، التي صدرت من بعض الأشخاص عقب 19 جوان 1965.
أقول: ممّا وقفت عنده، أنّ الرئيس هواري بومدين لايتطرّق في حديثه لمعارضيه، إلاّ إذا أصرّ الكاتب، وذكر أسماء بعينها، كتطرقه لفساد محساس الذي كان وزير الزراعة، وبومعزة الذي كان وزير الإعلام، وبن بلة رئيس الدولة.
ذكر الرئيس هواري بومدين، أنّ مشروع ألف قرية اشتراكية، كانت ردّا على مشروع "ألف قرية المستقبل"، التي كان يروّج لها الاستدمار الفرنسي، المتعلّق بالقرى التي أحرقها، ويتم تعميرها، وطرد الجزائريين منها.
الرئيس هواري بومدين وحرب أكتوبر 1973:
نقل الرئيس هواري بومدين، عن الرئيس جمال عبد الناصر، عقب هزيمة 1967، قوله وبالحرف، وفي صفحة 167: "عرف الأمريكان أخيرا أن يصطادوني ويصطلدوا مصر، نعم كنّا أكبر قوّة عسكرية لكن الجيش أصيب بسكتة قلبية، لابسبب رجاله أو سلاحه، وإنّما بسبب البيروقراطية العسكرية. مهمتي اليوم أن أتحرّر من الصياد وأعيد بناء الجيش بالشباب.. بالدم الجديد".
قال الرئيس هواري بومدين، وبالحرف: "نحن في الجزائر ضدّ التهوين من حرب أكتوبر، كما أنّنا ضدّ التهويل والمبالغة في شأنها".
الرئيس هواري بومدين وفلسطين:
قال الرئيس هواري بومدين، وبالحرف: "إذا شاء الملك حسين أن يضعنا موضع الخيار بينه وبين الثورة الفلسطينية وشعبها، فإننا نختار بلا تردد ودون أي تحفظ الثورة الفلسطينية".
[1] Daho Djerbal "LAKHDAR BENTOBBAL، LA C]ONQUÊTE DE LA SOUVERARINETÉ", CHIHAB ÉDITIONS, mars, 2022, Alger, Algérie, Contient 305 Pages.
[2] للزيادة راجع من فضلك، قراءتنا للكتاب الأوّل، والثّاني للخضر بن طوبال، وتحت سلسلة:
#مذكرات_لخضر_بن_طوبال #مذكرات_لخضر_بن_طوبال_الجزء_الثّاني
[4] Saphia Arezki « DE L’ALN A L’ANP. La construction de l’armée algérienne 1954-1991 », Edition barzakh, Blida, Algérie, deuxième semestre, Mars 2018, Contient 388 Pages.
وسوم: العدد 1017