المقاومة الشعبية آفاق وطموحات

لا شك أن أطروحة المقاومة الشعبية في فلسطين المحتلة تعد من أهم أشكال مقاومة الاحتلال والتي تستطيع من خلالها ممارسة أدوات عديدة في مقاومة الاحتلال، منها مثلاً المسيرات على الحواجز والأراضي المهددة بالمصادرة والبؤر الاستيطانية التي يحاول المستوطنون الاستيلاء عليها في مختلف انحاء الضفة الغربية، وغيرها، والمقاومة صنوف فيها غنى وتنوع، قد تأخذ شكل النضال الثوري المنظم، أو العصيان المدنيّ والانتفاضة الجماهيرية والاضراب، وقد تأخذ شكل مقاطعة جزئية أو شاملة وعزل كلي أو جزئي لدولة الاحتلال، ويمكن تسميّة عشرات بل مئات من أشكال النضال الابداعية، مقاومة في اطارها الشعبي والجماهيري في مقاومة الاحتلال.

نحن الفلسطينيون مارسنا أشكال أخرى من المقاومة الشعبية خلال الانتفاضة الثانية، خاصة المظاهرات والاعتصامات والشعارات والمسيرات وتشكيل مجموعات الاحتجاج لا سيما ضد الجدار والحواجز والاستيطان، ما جعلنا في مواجهة مباشرة مع الجنود الإسرائيليين، وقد استجلبنا دعماً دولياً وشعبياً كبيراً، وفي أوساط (حركات السلام الإسرائيلية) منذ بدايات تنفيذ بناء الجدار حيث تشكلت حركات التضامن الدولية، وازدادت أعداد (الإسرائيليين) المشاركين في المظاهرات والمسيرات المؤيدة للفلسطينيين، والناقمة على سياسات دولة الاحتلال في الأرض المحتلة.

وتجلت مظاهرات يوم الجمعة من كل أسبوع في العديد من البلدات الفلسطينية، خاصة بيت دجن وبيتا وكفر قدوم ومسافر يطا، والتي تحولت إلى نموذج للمقاومة الشعبية والجماهيرية، واستجلبت العشرات من المتضامنين الدوليين أيضا، وبالرغم من وجود مواقع ملتهبة ونماذج حية للمقاومة الشعبية من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها، وفي قطاع غزة أيضا، وبالرغم من مجهوداتها في إبداع أشكال نضالية ميدانية جديدة تتناسب مع طبيعة المرحلة التي تمر بها الحالة الوطنية الفلسطينية، لكن اللافت للنظر عدم وجود قيادة ميدانية موحدة حقيقية، وعدم فاعلية القيادة السياسية الموجهة لهذه النشاطات والفعاليات السلمية، بالنسبة للقيادة السياسية لم يظهر حسبما أعتقد ذلك التوجه القوي والواضح لتبني خيار المقاومة الشعبية كخيار استراتيجي، بحيث يعد رافعة ميدانية مكملة للمشروع السياسي والجهد السياسي الفلسطيني في المحافل الدولية، وهذا يعني بكلمات أخرى أن القيادة الفلسطينية لم تستطع حتى الآن وضع استراتيجية تعامل فلسطينية مع الاحتلال تدمج المقاومة الشعبية ومكتسباتها الميدانية والإعلامية مع الجهد السياسي والدبلوماسي في العالم، وذلك لدعم التوجه الحقوقي والدولي للقضية الفلسطينية، ونؤكد هنا أن أبرز أشكال المقاومة هو استمرار صمود الشعب الفلسطيني على الإرهاب والمجازر والحصار على الضفة وغزة والقدس، والتمسك بالبقاء في أرضنا، وبالتالي استمرار مقاومة الاستيطان عبر تنظيم الفعاليات والمسيرات الشعبية أسبوعيًا والتي تُفضي إلى اندلاع مواجهات بين المشاركين والاحتلال في غالبية الأيام، ففعاليات "بيتا" أظهرت للعالم مدى خطورة المشاريع الاستيطانية، أن المقاومة الشعبية تتمثل في المسيرات والمواجهات والفعاليات والاشتباك الدائم مع الاحتلال والمستوطنين، وأن تصاعد المقاومة الشعبية هو انطلاق من الايمان الراسخ في عقول وقلوب كل أبناء الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده بأن فلسطين هي أرضه ووطنه وحقوقه التاريخية وحاضره ومستقبل أبنائه فيها لا محالة، ولكل ما سبق أؤكد على أن أحد أهم العوامل التي تضعف المقاومة الشعبية واختصارها على عدد محدود من المواقع هو عدم وجود خطة ورؤية واضحة وجلية قادرة للنهوض في المقاومة الشعبية من مختلف فصائل العمل الوطني الفلسطيني من الاعلان والتبني الى الممارسة العملية المباشرة، وهذا يتطلب رؤية وطنية شاملة وخطة عملية تتناسب مع الواقع الجغرافي والشعبي وفي مختلف المجالات التي تعزز صمود الشعب الفلسطيني وتوفير مقومات هذا الصمود، لتكون هناك مقاومة شعبية شاملة وقادرة في نفس الوقت على الاستمرار والتطور، وهذا الأمر يعزز الثقة لأبناء شعبنا بقيادته وفصائله ويمكن البناء عليه اقليمياً ودولياً لما يخدم قضيتنا ووطننا فلسطين.

  • عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني ومسؤول ملف المقاومة الشعبية فيها.

وسوم: العدد 1018