رسالة من تحت الركام
يقول رسول حمزاتوف:" القدر كان طيبا معي.. لم أكن مجنونا ولا أعمى، سوى أني ما زلت أريد رؤية الرغيف بسعر أقل، وحياة البشر بسعر أغلى".
فالرحمة ليست لونا من الشفقة العارضة، بل هي نبع للرقة الداىمة ودماثة الخلق وشرف السيرة. وبالتأكيد لا يطالب السوريين بالمدينة الفاضلة، التي حاول حكام سيراكوسا بناءها" مدينة أفلاطون". هم ليسوا طوباويين إلى هذه الدرجة. لكننا نعيش ونعايش معهم هذه الكارثة الحقيقية، التي خلفها الزلزال المدمر في الأسبوع المنصرم. وليس هناك وقت للتفكير بكيفية الانقاذ، بل واجب المحاولة بكل ما أوتينا من قوة وفكر وعدل وحق ورحمة وإحسان، لمنع ما تبقى من أذى عمن لا يزال يعيش تحت الركام. ولا زلت استهجن تلك الثقافة الباردة التي تتعامل بها الأمم المتحدة والمجتمع العربي والدولي مع هذه الكارثة الإنسانية. ألا يكفي ما فعلته آلة الحرب من دمار وقتل وتهجير وتجويع لهذا الشعب المسكين منذ 12 عاما؟! وإلى الآن الدعم للنظام الظالم قائم ! والقفز فوق المشكلات بدلا من حلها قائم !؟ على حساب هذا الشعب الفقير والمكلوم، واللعب على عامل الزمن قائم ؟! تماما كما تعاملوا مع القضية الفلسطينية، حولوا الثورة السورية إلى قضية تصب في صالحهم السياسي، بعيدا تماما عن الجانب الإنساني! شوهوا المعنى والجوهر والمضمون! وتعاملوا معها بنفس الدرجة وبنفس الأدوات والقوانين والمعايير!،لا تشغلهم الأفكار العظيمة بقدر ما تشغلهم الشخصيات الوظيفية لتمرير مصالحهم القذرة والقميئة! متناسين تماما أن الحياة محطات، وعليهم التوقف عند كل مرحلة من مراحلها بما فيها حروبهم اللعينة، عليهم التوقف ولو لثانية مع ضميرهم القمئ إن كان لديهم ضمير أصلا! ليسمعوا صوت طفل مذعور من تحت الركام، أو صوت فقير معدم يفترش ببسطته المتواضعة الأرض في شتاء قارس ليطعم أولاده الصغار، الذين نكلت بهم الحرب! هؤلاء البشر ليسوا فقراء ولا ضعفاء ! بل من يدعي حكم العالم هو الفقيرو الضعيف. لأن هؤلاء هم القادرين على إغراق العالم بإنجازاتهم، لصنع حضارة يعجز عنها تجار الحروب وتجار السلاح. هؤلاء هم صناع الحياة بصبرهم وصمتهم، وبصيرتهم وقوة إيمانهم، هم أصحاب الضمير الحي، وهم من يجب أن يقودوا هذا العالم على بساطتهم. وهذا العالم الظالم المريض بما يحويه من سياسيين داروينيين يحورون الحقيقة للقفز فوق أشلاء البشر الحقيقيين . هم من يقتل العالم كل يوم برصاصه حتى ينعيه. هم من يجب معاقبتهم ومحاسبتهم. وعليهم أن يتوقفوا سواء سمح لهم ضميرهم النائم بذلك أو لم يسمح. ليسمعوا رسالة كل طفل من ضحايا الزلزال :" تعلموا مواجهة المشاكل، بدلا من القفز فوقها، وتعلموا نزع الفتيل كي لا تتعمق الحفرة ويزيد الطمر، لا ترمونا كنفايات في الطريق، ولا تتجاوزا الإشارة الحمراء! توخوا الحذر كي لا تصادفون مزيدا الجثث المشاغبة. " ونحن أطفال الركام لا نزال نساند رسول حمزاتوف في قوله:"نريد أن نعلن الحب بلدا، ليعيش الجميع هناك في دفئ وسلام، وأن يبدأ نشيده بهذه الكلمات في البدء كان الحب على الأرض."
وسوم: العدد 1019